أيها الصحفي احمل قلمك وناضل لأجل خبزك
محمد المحيسن
كاتب وصحافي أردني
نيسان ـ نشر في 2018-02-13 الساعة 13:48
عندما بدأت تتهاوى صحيفة «العرب اليوم» قبل سنوات، لم يدرك الكثير من الزملاء بأن الصحيفة هي «الثور الابيض» الذي تخلى عنه الزملاء.
الآن تتعرض صحيفتان لذات الضيق الذي عانت منه «العرب اليوم» ذات يوم، فهل سيبقى مشهد التضامن ضعيفا وهزيلا للحد الذي نقول فيه «أُكلت يوم أُكل الثور الابيض»؟!
الاجتماع الذي عقده زملاء في صحيفة «الانباط»، كان الحضور مميزا هذه المرة، إلا أن الأهم من الحضور، هو استمرار ونقل رسائل واضحة للمسؤولين بأن الاعلام ليس ضعيفا حتى يتم استهدافه بهذه الصورة الفجة.
عندما دخلت «العرب اليوم» المعركة منفردة، لم تلاق إلا القليل من التضامن، فبقيت تقاتل بأدوات نضالية وسط حالة من خذلان رسمي لصحيفة أدخلت على بلاط صاحبة الجلالة نكهة مميزة.
سيناريو «العرب اليوم» يعيد نفسه مرة أخرى مع حصر الإعلان القضائي بصحف توصف بأنها «أكثر انتشارا» ومنعه عن صحف أخرى يقال إنها أقل انتشارا دون أن تتكرم علينا الحكومة بإخبارنا عن المعايير المعتمدة لتعريف قضية شائكة ومعقدة تتعلق بانتشار الصحف.
يقيناً.. لا ينكر أحد أن انتشار الصحافة الورقية ينحسر، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن تجفف الحكومة موارد مالية ضئيلة، كانت تعتمد عليها الصحف الورقية لتجاوز أزمتها المستعصية.
لنضع قضية الانتشار جانبا للحظات، فهل من المنطق أن تستحوذ ثلاث صحف على 97 بالمائة من الإعلان الحكومي، بينما تتقاسم الصحف النسبة الباقية؟!
أمر يعكس انحيازا حكوميا واضحا لقراء صحف على حساب أخرى، رغم انها يفترض ان تكون حكومة جميع المواطنين الذين لهم نفس الحقوق والواجبات بموجب الدستور الأردني.
في الحقيقة، لا يمكن فهم هذا الانحياز بمعزل عن توجه حكومي لا يهتم بوسائل الاعلام إلا عندما يتعلق الامر بمصلحة خاصة بها، تتصدرها مقتضيات التلميع مثلا.
القانون الذي لم يراع استمرار تلك الصحف واستقرارها المادي، لم يضع أي بديل منطقي أمامها يمنحها قدرة ضئيلة على الاستمرار في ظل واقع اقتصادي ضاغط، لم تسلم منه كبريات الشركات والمؤسسات.
وإذا كانت الحكومة مارست الانحياز منفردة، ودون مراعاة لعشرات الأسر التي يعتاش منها العاملون في تلك الصحف، فقد كان الأولى بالنقابة التي يفترض بها أن تكون بيت الجميع، أن تفرض حضورها، وتعلن أن الجميع متساوون، وان ترفض ولو شكليا التمييز بين وسائل الاعلام على أسس غير منطقية.
منطق الضرورة يقول:« إن مصلحة النقابة مع هيئتها العامة»، ومنطق العقل يقول:«إن الجميع متساوون أمام القانون»، ومتساوون في الحقوق ومتساوون في الواجبات، إلا أن ما يحدث حقيقة، ان الصحف الملتزمة بواجباتها وتسدد التزاماتها بانتظام، لم تحصل على أبسط حقوقها، بل تُركت دون ظهير عند وقوعها مباشرة في مرمى التحكم الحكومي بأحد مصادر دخلها المتهالك أصلا.
أما التمييز الأكثر سوءا فيتعلق بغياب المعلومة وحصرها أو توجيهها لبعض وسائل الاعلام وحرمان الأخرى منها، بتعمد مقصود، مخالف لأبسط قواعد القانون.
أما معيار الأكثر انتشارا الذي تعدى على روحية القانون، فقد بدا وسيلة سهلة لمعاقبة بعض الصحف على الحرية التي منحها لها الدستور، فمارست دورها الحقيقي في الرقابة ولم تلتزم بقواعد التلميع الحكومية.
أما آخر أوراق المشهد الاعلامي، وتحديدا الصحافة الورقية منه فقد بدا واضحا من خلال الضغط الذي لا يمارس إلا على الصحفيين، تهديدا وتنفيذا لأحكام الفصل التعسفي التي لا تختلف عن القتل الرحيم، فأربعة من أقدم منتسبي النقابة في صحيفة الأنباط مُهددون بالفصل.
بالأمس الأول إحدى الصحف الكبيرة «تلكأت» وانتظرت خطأ بسيطا، لم ينتبه له أحد لإحدى الزميلات الصحفيات لتقوم بفصلها، معلنة انتصارا مؤقتا على أضعف حلقات العمل الإعلامي وهو الصحفي الذي بات في مهب الريح.
في الاخبار أيضا أن صحيفة أخرى تُخيّر العاملين لديها بين البقاء في العمل في ظروف صعبة، او الخروج المبكر على التقاعد.
وفي المعلومات المتداولة بين الزملاء، هناك الكثير من الضغوط المادية والمعنوية والنفسية، وصولا الى التهديد بقطع الأرزاق.
فيا أيها الصحفي، احمل قلمك وناضل من أجل خبزك وحريتك وبقائك.
نيسان ـ نشر في 2018-02-13 الساعة 13:48
رأي: محمد المحيسن كاتب وصحافي أردني