الثورة الجزائرية...ذكرى وموعظة
أسعد العزوني
كاتب وصحافي وخبير في الشؤون الفلسطينية
نيسان ـ نشر في 2018-02-21 الساعة 22:10
نحتفل هذه الأيام بذكرى إنتصار الثورة الجزارية الذي تصادف التاسع عشرمن شهر مارس/آذار المقبل،بناء على إتفاقيات إيفيان في الثامن عشر من شهر آذار 1962،التي إنبقت عنه الجمهورية الجزائرية المستقلة في الخامس والعشرين من شهر أيلول سبتمبر 1962.
تعود صلتي العميقة والوطيدة مع الثورة الجزائرية المظفرة إلى مرحلة الطفولة ،حين كنت أبلغ من العمر عشر سنوات ،وشاء الله أن يرتبط إسمي بهذه الثورة المظفرة ،وأنا طفل حتى ينعم الله عليّ بالإنتماء لكل ما هو ثوري صادق،ففي تلك الفترة كنت أمين سر صندوق دعم الثورة الجزائرية في الصف بمدرسة عزون الثانوية ،ولأننا في الأردن وفلسطين مجبولون على العروبة والقومية ،فقد كنا من أشد الداعمين للثورة الجزائرية ،وكنت أجمع كل يوم سبت ما قيمته 17 قرشا أردنيا ،عندما كان القرش قرشا ،وكنت أضعها في الصندوق العام للمدرسة بعد التوثيق بطبيعة الحال،ومنذ ذلك اليوم وأنا أشعر أن الجزائر لها مكانة مميزة في نفسي.
عرفت الثورة الجزائرية بانها ثورة المليون ونصف المليون شهيد ،وحقيقة الأمر أن الإحتلال الإحلالي الفرنسي لم يقم بقتل كامل هذا العدد من الشهداء ،وإن قسما كبيرا منهم قد تم قتله على أيدي الثوار الجزائريين ،الذين إلتزموا بقرار سياسي سليم وصائب عجل من موعد النصر ،ولقن المحتلين درسا لن ينسوه أبدا .
لم تكن الثورة الجزائرية قاطعة طريق ،ولم تكن الرصاصات الجزائرية طائشة تضل طريق أهدافها ،بل كانت ثورة تعرف ما تريد ومطلبها الوحيد التحرير ورحيل الإحتلال وليس تحسين اوضاع الشعب الجزائري ،كما ان كل رصاصة كانت تعرف هدفها فتصيبه حتى وإن كان جزائريا حاد عن الطريق القويم.
هؤلاء الذين قتلهم الثوار الجزائريون بقرار سياسي مدروس، كانوا عملاء للمحتل الفرنسي ،وكانوا لو لم تحسم الثورة الجزائرية وضعها معهم وتصفيهم ، سيشكلون أكبر عائق أمامها ، لكونهم شرايين دم للإحتلال الفرنسي البغيض،لذلك كان قرار الثورة الجزائرية سليما ،وحبذا لو أن الثورة الفلسطينية المغدورة حذت حذو هذا التصرف الثوري ، وتخلصت من العملاء الذين نجح الإحتلال الصهيوني الإحتلالي في الإيقاع بهم وتجنيدهم ليكونوا معاول هدم في صفوف الشعب الفلسطيني وعيونا لهذا الإحتلال القذر ،وشكلوا حجر عثرة وما يزالون أمام تحقيق الحلم الفلسطيني ،ولي تجربة مرة مع الثورة في هذا المجال إذ رفضوا مشروعا تقدمت به مبكرا للقضاء على العملاء قبيل أن يصبحوا ظاهرة خطيرة مقلقة ، ويشكلون معاول لهدم صرح الثورة بالتعاون بطبيعة الحال مع العرب الصهاينة وبقايا التيه اليهودي في الصحراء العربية.
كان الثوار الجزائريون يطلبون من سكان القرى التي تخرج منها رصاصات معادية للثورة بتسليم العملاء، ويعطونهم مهلة محددة وفي حال عدم الإستجابة ،يتم نسف القرى بكاملها على من فيها عبرة لمن يعتبر وهكذا عجل الله بنصر الثورة الجزائرية،وأنعم الله على شعبنا الحر في الجزائر بالحرية والسلام ،وتميزت الجزائر الحرة بعد الإستقلال بصدق وقوة مواقفها من القضية الفلسطينية.
كان الوضع العربي آنذاك منقادا بالناصرية التي قدمت الدعم الكبير للثورة الجزائرية يقف مع اهلنا في الجزائر،وإمتازت ثورة الجزائر عن الثورة الفلسطينية المغدورة ،بأنها وجدت محيطا عربيا يحميها ويقدم الدعم لها ،على عكس ما واجهته ثورة الشعب الفلسطيني من مؤامرات، إنتهت بصفقة القرن التي يتبناها من هم من بقايا التيه اليهودي في الصحراء العربية ،أيتام السير بيرسي كوكس المندوب السامي البريطاني في جزيرة العرب.
إنطلقت هذه الثورة المظفرة في الفاتح من تشرين ثاني نوفمبر 1954 وكانت تضم 1200 ثائرا كانوا يمتلكون 400 قطعة سلاح وعدد قليل جدا من القنابل اليدوية ،لكنهم كانوا مدججين بالعزيمة والشجاعة وصدق النوايا والإنتماء،وقد تحركت حكومة الإحتلال الفرنسي في حينها بقيادة 'منداز فرانس' ،وتم زج الكثير من الفرنسيين في المعتقلات الفرنسية ،ظانين خطأ انهم سيخمدون ثورة أهل الجزائر في مهدها ،ولكن الله ثم عزيمة أهلنا في الجزائر خيبت ظنونهم، وإنتصرت هذه الثورة ودحرت الإحتلال .
كثيرة هي الأسماء الجزائرية المناضلة التي ضحت بأرواحها من أجل حرية اهل الجزائر ،وأبرز هذه الشخصيات البطلة المناضلة جميلة بو حيرد ملهمتنا في البطولة شيبا وشبانا ،التي إنضمت للثورة في أيامها الأولى لتنال الشرف مزدوجا شرف الإنطلاقة وشرف الإستمرار رغم واقع الحال .
بعد إنضمامها للثورة إلتحقت بطلتنا جميلة بوحيرد في صفوف كتائب الفدائيين،وكانت أول من تطوع لزراعة القنابل في طريق الإستدمار الإحلالي الفرنسي ،وجرى إعتقالها في العام 1957 ،بعد إصابتها في كتفها ،وقد تعرضت لصنوف كثيرة ومؤلمة من التعذيب ،لكنها صمدت ،وحكم عليها سرا بالإعدام عام 1958 لكن ذلك الحكم لم ينفذ ،وبعد خروجها من السجن تزوجت محاميها الفرنسي ،وتسلمت رئاسة إتحاد المرأة الجزائرية بعد الإستقلال ،لكنها ولخلافات مع الرئيس الراحل أحمد بن بيلا آثرت الإنسحاب من المشهد السياسي الجزائري ،ورغم تواريها عن الأنظار بعد إنسحابها من الحياة السياسية فإنها ما تزال رمزا وطنيا وقوميا وإنسانيا.
نيسان ـ نشر في 2018-02-21 الساعة 22:10
رأي: أسعد العزوني كاتب وصحافي وخبير في الشؤون الفلسطينية