بشار الأسد ووجوهه التي يحملها رغما عنه
نيسان ـ نشر في 2018-02-28 الساعة 12:55
نادراً ما تعثر على مقال أو بحث يتناول شخصية بشار الأسد رئيس النظام السوري دون شعاراتية، ودون شحنة عاطفة وأحكام تبعد العقل عن التحليل والتأمل في هذه الشخصية التي وجدت نفسها فجأة وسط ملابسات لا أول لها ولا آخر.
خرج الأسد، بعدها من تلك الغرفة، بقرار استدعاء ابنه الثاني الذي كان قد قرر الابتعاد قدر الإمكان عن السلطة ومشاكلها، والتفرغ لدراسة الطب والتخصص في طب العيون في بريطانيا.
سوريا ذلك الزمن التي كانت تعرف بسوريا الأسد./p h2 style='font-size: 20px; font-family: HacenTunisiaBd, ';'>في سجن الرئيس الأب
انتشرت صورة وحيدة لبشار، بعد أن أجرى معه الصحافي هاني الخير مقابلة مبكرة وهو في معسكر من معسكرات المدرسة الثانوية بداية الثمانينات من القرن الماضي. لم يكن الخبر في صورة لأحد أبناء الرئيس المغمورين، بل في أن من يجري تلك المقابلة هو هاني نجل الشيخ عبدالرحمن الخير الذي كان يلقب بالشيخ الرئيس، أي رئيس الطائفة العلوية الذي كان قد اتخذ من حي الميدان الدمشقي سكنآً له قبل وصول الأسد إلى الحكم بزمن طويل، منافحاً عن انتماء العلويين إلى الإسلام الجعفري ومثبتا لمبادئ وطقوس كادت تضمحل بسبب الجهل والإهمال، فترك تراثاً هائلاً مثيراً للإعجاب.
ذلك الشاب ذو العينين الملونتين، الذي عاش حياة أقرب إلى العزلة، كانت له ظهورات قليلة من قبل ذلك اليوم الذي ربما اعتبره يوماً أسود عليه وحده، ليس بسبب موت شقيقه، بل بسبب كون اختيار الأسد الأب قد وقع عليه هو دون غيره
لا يفكر كثيرون في أن رغبة الأسد الأب في توريث الحكم في سوريا، لم تكن سوى رد فعل تلقائي، ليس بسبب ما قيل من خوف العلويين من العودة إلى زمن الاضطهاد، لأنه كان اضطهادا مزيفا حتى بشهادة كتابهم ومفكريهم ومؤرخيهم، وإنما كان ذلك بتأثير تولي الأسد مسؤولية الملف اللبناني باتفاق دولي مضمر، وتعهيده لبنان ودعم اليمين المسيحي المتطرف والوقوف في وجه المشروع العربي الذي قاده كمال جنبلاط وبقية زعامات الحركة الوطنية اللبنانية، مقابل إطلاق يده في سوريا وغض الطرف عن مجازر ارتكبتها قواته في حماة وحلب وجسر الشغور وغيرها.سوريا ونضمن استمرار الحكم في آل الأسد./p p style='color: #534a4a; font-size: 20px; font-family: HacenTunisia, ';'>تنصيب بشار الأسد في الحقيقة لم يكن يوم تم تعديل الدستور في البرلمان بعد إعلان وفاة حافظ الأسد بدقائق، بل كان قبل ذلك بكثير. تم تنصيب بشار في تلك الجنازة ومراسم الدفن التي شهدتها بلدته القرداحة، بوجود عدد كبير من قادة العالم العربي من بينهم حسني مبارك وياسر عرفات وغيرهما. وكان من بين الحاضرين رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني الأسبق الذي قام بتلقي التعازي كفرد من أفراد آل الأسد.
ربيع دمشق الأول وقتل الأب
تقبل سعيه وسعي الفريق المحيط به لمد الجسور مع المثقفين وغيرهم، كان شيء آخر يحدث. كان نظام الأسد الأب يبدل بنيته وتكوينه مستعداً لتلك النقلة النوعية التي سيمثلها موت الرئيس الذي أطلق عليه على الفور لقب “القائد الخالد”./p p style='color: #534a4a; font-size: 20px; font-family: HacenTunisia, ';'>عاش بشار سنوات حكمه الأولى وهو يعطي الوعد تلو الوعد بإجراء الإصلاحات ومواصلة مكافحة الفساد، ولكنه كان يدرك، حسب شهود من أصدقائه ومن آخرين عملوا معه، أنه لا يجوز له أن يغير شيئا من تركة حافظ الأسد، وأن على حافظ الأسد أن يواصل إدارة دفة البلاد حتى وهو في قبره.
تزامن ذلك مع سقوط بغداد تحت الاحتلال الأميركي والصاعقة التي وقعت على الذهنية العربية، بحيث لم يعد ثمة وجود لأي مشروع سياسي عربي سواء بين المثقفين والمفكرين أو حتى على مستوى الكيانات السياسية.
ولكنه على مستوى آخر كان ينظر إلى سقوط بغداد نظرة مختلفة. فقد بات اليوم يعرف أنه بحاجة إلى أوراق لعب مع الأطراف القوية في العالم. وهذا ما كان يدركه ديك تشيني الذي قام بزيارته الشهيرة ليبلغ الأسد الشاب أن الولايات المتحدة باتت دولة جوار اليوم، وأنه من غير المسموح العبث بمصالحها في العراق.
السؤال الذي لا يطرحه أحد: هل سيستطيع الأسد العودة إلى شخصية رئيس يحكم في السلم، بعد أن تحولت شخصيته كل تلك التحولات، الأعوام الماضية، لتألف حالة رئيس الحرب؟
التقط الأسد الرسالة، وبدلاً من الرضوخ للمطلب الأميركي فتح بابا واسعا للعب مع الكبار. فأصبحت الحدود العراقية السورية بوابة جحيم، يرسل من خلالها الأسد المجاهدين العرب والمسلمين للقتال مع المقاومة العراقية، للضغط على الأميركيين وعلى الحكومة العراقية من جهة أخرى، أراد أن يكون شريكاً في اللعبة. فقد أحاط نفسه عند تلك اللحظة بكل ما يلزمه من خبرات رجال المخابرات من أمثال علي مملوك وبهجت سليمان وجميل حسن ومن رجال الاقتصاد المافيوي رامي مخلوف وسلالات عديدة لها اتصالات دولية في السوق السوداء، وكان قد سيطر على الساحة اللبنانية من خلال علاقته مع رفيق الحريري الذي ضمن له أيضاً علاقة جيدة مع السعوديين.
سوريا منطقة محرمة عليهم زمن حافظ الأسد نوعاً ما. كان الأسد يدعم الإيرانيين في حربهم ضد عراق صدام حسين. ولكنه كان يقصقص أجنحتهم في لبنان، حتى أنه قصف القوات التابعة لهم وحاصرها ومنعها من التمدد. كان يعرف أنه إذا فتح لهم الباب فإنهم لن يتوقفوا عند العتبة./p p style='color: #534a4a; font-size: 20px; font-family: HacenTunisia, ';'>كان حافظ الأسد لا يزال ينظر إلى العالم من خلال قواعد تفكير واشتباك كلاسيكية لم يجرؤ على تغييرها، خاصة وأنه على بعد خطوات قليلة من زمن المد القومي العربي والحرب الباردة. كان صديقا للسوفييت، ولكنه لم يمكّنهم من سوريا، فقد ظل، بدءا من زيارات هنري كسنجر المكوكية له، خيار أميركا المفضل لمعالجة ملفات المنطقة، بما فيها ملف الصراع العربي الإسرائيلي، فمَن غير حافظ الأسد يقدر على توقيع اتفاقية هدنة تعني “اللاحرب واللاسلم” في نفس الوقت؟
فلسطين والجولان كله، وفي نفس الوقت يتولى مهمة تدمير منظمة التحرير الفلسطينية وطردها من لبنان؟ والمحاربة جنبا إلى جنب مع الجيش الإسرائيلي الذي يفترض أن يكون العدو التاريخي الأول والأخير حسب ما يقول إعلامه وجهازه الحزبي الأيديولوجي الذي يرفع صوت معركة التحرير كل صباح./p p style='color: #534a4a; font-size: 20px; font-family: HacenTunisia, ';'>وهكذا، وجد بشار الأسد نفسه مضطرا من جديد لخلق سياسته الخارجية الخاصة بعيداً عن إرث حافظ الأسد. ولم يكن مستغربا أن يصدر قرارا شفهيا بدءا من العام 2005 عام اغتيال رفيق الحريري الذي قدم لوالده قصر الحكم هدية من شركته “سعودي أوجيه”، بمنع عرض صور حافظ الأسد على شاشة التلفزيون السوري أو في الصحف الرسمية السورية.
الملك عبدالله بن عبدالعزيز بصيغة ‘ابن أخينا’، هو يريد أن يكون فخامة السيد الرئيس. وهذا حقه لأنه هو رئيس الجمهورية الحالي”./p h2 style='font-size: 20px; font-family: HacenTunisiaBd, ';'>فخامة الرئيس يدخل عصر الاضطراب
سوريا على مصراعيها، فانطلقت إيران في مشروعات اقتصادية هائلة وأسست مصانع للسيارات وأنشأت مدنا وتجمعات سكنية ترفع شعار التشيع، لدعم حزب الله الذي بات هو الآخر الطرف الأقوى في لبنان بفضل موافقة الأسد على كل ما يطلبه الإيرانيون. كان ذلك يزعج الأميركيين، وكان هذا ما يريده بشار، فكي يتراجع عن أي موقف مزعج لهم، كان يطلب المقابل، والمقابل كان غالباً غض الطرف العالمي عن ممارساته في الداخل السوري التي باتت أكثر شناعة من عهد أبيه./p p style='color: #534a4a; font-size: 20px; font-family: HacenTunisia, ';'>ولكنه لم يكتف بذلك، فجمع في دمشق عددا هائلا من المطلوبين من قبل حكوماتهم والذين يشكلون تهديداً حقيقياً لأنظمة بلدانهم من العراق إلى الخليج وحتى مصر وموريتانيا، وكان يساومهم عليهم ملفا ملفا. حتى هدد رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي باللجوء إلى مجلس الأمن وتقديم شكوى ضد النظام السوري لإيوائه الإرهابيين وتسهيله عبورهم لتنفيذ تفجيرات في العراق عبر الحدود.
نجحت طريقته تلك في إعادته من جديد إلى الأسرة الدولية، بعد طرد جيشه من لبنان بطريقة مهينة. فتأكد أكثر أن فلسفة المساومة ستنجح أكثر وأكثر مع بقية الملفات وفي المغامرات الجديدة. فزاد من ضغطه على الداخل.صورته، صورة الرئيس الشاب بعد صورة والده الأقرب إلى التمثال الصامت، كانت تنفعه في تحقيق القبول الشعبي، زادها زواجه من فتاة سورية بريطانية سنية، ابنة عائلة مثقفة، وهكذا أخذ الاثنان يقدمان واجهة لنظام مختلف كلياً عن تلك الصورة. فما إن يقع المواطنون في فخ الصورة الناعمة حتى تتناولهم الطبيعة الخشنة الشرسة للنظام من خلفها.
المغرب ودول الخليج والأردن والجزائر وغيرها، لكنه رفض ذلك، وأصر على تطبيق الحل الأمني الذي أوصل سوريا إلى ما وصلت إليه اليوم. فبات بشار الأسد يجلس على طاولة واحدة مع الرئيس بوتين وأمامه ضابط سوري اسمه سهيل الحسن لم يكن يجرؤ على مجرد الحلم بالجلوس أمام حافظ الأسد في يوم من الأيام. جلس بشار أمامه يتلقى تعليمات بوتين المنقذ الذي لم يتردد إعلامه في وصف الأسد بأبشع الأوصاف، كما قال رئيس مركز “كارنيغي” لبرنامج الدين والمجتمع والأمن، أليكسي مالاشينكو، واصفا تصرفات الرئيس السوري بأنها مثال على “محاولة الذيل التحكم بالكلب”./p p style='color: #534a4a; font-size: 20px; font-family: HacenTunisia, ';'>أما إيران فترسم خرائطها في سوريا بغض النظر عن الأسد، وهي تهيء اليوم حول العاصمة دمشق عبر عمليات التهجير السكاني نطاقاً تابعاً لها عقائديا. وها هو مستشار المرشد الإيراني خامنئي يحيى رحيم صفوي يفصح بكل وضوح عن مآل الاستثمار الإيراني في بشار الأسد في ندوة عقدت قبل أيام بالقول “على إيران أن تعيد خسائرها التي تكبدتها خلال الحرب الأهلية السورية، كما فعلت روسيا، من خلال عقود طويلة الأجل” كما نقلت عنه وكالة مهر الإخبارية.
سواء نجا بشار الأسد من المحرقة السورية التي أشعلها بيديه أو أدت إلى حتفه، فإن حياته تلك التي نشهد فصلا من فصولها لم تكن باختياره، ويمكن أن يسأل سائل: ماذا لو لم يمت باسل؟ هل كان بشار سيواصل حياته طبيباً ينقذ أرواح الناس بدلاً من قصفهم يومياً كما يفعل في غوطة دمشق رغم الهدنة التي أقرها قرار مجلس الأمن رقم 2401. والسؤال الأكبر الذي لا يطرحه أحد: هل سيستطيع بشار الأسد العودة إلى شخصية الرئيس الذي يحكم في زمن السلم، بعد أن تحولت شخصيته كل تلك التحولات لتؤلف خلال الأعوام السبعة الماضية حالة رئيس الحرب؟ سؤال يعرف الجميع جوابه الصحيح.