قطر تهزم دول الحصار بالسياسة
أسعد العزوني
كاتب وصحافي وخبير في الشؤون الفلسطينية
نيسان ـ نشر في 2018-03-01 الساعة 13:40
أسعد العزوني
أغنتنا سياسة دولة قطر الحكيمة والمدروسة جيدا ،عن التحليل السياسي الذي يحتمل الصواب والخطأ ،وجنبتنا المجازفة بتحمل نسبة الخطأ في التحليل ،ولم ترهقنا بإشتقاق كلمات المديح لقيادتها ، لأن آثار هذه السياسة'الجهنمية'التي أتت اكلها منذ اليوم الأول للحصار ونوايا الأعداء،تسجل نفسها بنفسها في الصفحة الأولى من أي ملف كان ،سياسيا أو إقتصاديا أو إجتماعيا أو عسكريا أو إستراتيجيا.
معروف أن قطر دولة صغيرة المساحة جغرافيا وقليلة عدد السكان ديمغرافيا ،لكنها وبفضل حكمة قيادتها ،منذ أن كشر البعض عن أنيابه تجاهها في العشرية الأخيرة من القرن المنصرم ،سجلت لنفسها حضورا دوليا مشهودا له ،وأصبح إسم قطر يعني الرفعة والعزة والصمود والنجاح ،وباتت مساحة قطر توازي مساحة العالم،الأمر الذي أجبر الخصوم على التحالف مع الشياطين لعرقلة مسيرة قطر الخيرة ،لكنهم حتى بتحالفهم مع الشياطين لم يفلحوا ،وها هي قطر تخرج أقوى وأصلب مما كانت عليه قبل الحصار الغاشم، الذي فرضوه عليها في شهر رمضان المبارك الماضي شهر الخير والرحمة.
لا نبالغ إن قلنا بكل أريحية أن قطر الصغيرة صمدت في وجه أعاصير ثلاث دول تمرست في أعمال الشر، ومعها نصف دولة تعتمد على 'الرتويت'وحاولت مع أركان الشر تحقيق بعض المكاسب المادية ،لكنها شأنها شأن الآخرين سجلت فشلا ذريعا ،بعد أن أراق الجميع ماء وجوههم في المجتمع الدولي ،بسبب كذبهم وأساطيرهم غير الموثقة وإستعانتهم بفتيات من أوروبا الشرقية لتشويه سمعة قطر ،وقد إعترفن في نفس اللحظة وفي القاعة ذاتها بمدينة ميونيخ الألمانية أنهم أحضروهن ودفعوا لهن لشهادة الزور.
ربما وهم معذورون بذلك،يستغربون كيف أن قطر التي ينظرون إليها حسب مقاييسهم العقيمة،فهي كما قلنا دولة صغيرة جغرافيا وعدد سكانها قليل مقارنة بأعداد السكان عندهم كما ان أميرها شاب ، تخيلوا أنه يفتقد للخبرة السياسية ،قياسا بواقعهم المرير ،لكن هذا الأمير الشاب أثبت وجوده على الساحة الدولية بكل شرف الرجال ،وخاطب أعلى المحافل الدولية بكل الثقة وصلابة الرجال،وزار العديد من العواصم العالمية ،بينما خصومه كانوا منزوين في مقارهم عاجزين عن مواجهة العالم الذي إستمع للرواية القطرية المقنعة وإقتنع بها ،رغم ثقل الخصوم وحجم الشيكات التي يصرفونها لكل عابر سبيل يتطوع للنباح معهم على قطر.
خاض الأمير تميم المعركة بإقتدار وتجنب الهياط والشعوذة السياسية ،فكسب إحترام العالم أجمع ،وفي المقدمة حلفاء الخصوم الذين أتقنوا فن الحلب ،بل أن كبيرهم قد حلب سلفا حتى الثمالة ،في الوقت الذي نرى فيه شعوب دول الحصار تئن من الفقر والجوع والعزلة السياسية وبوادر الإنهيار الإقتصادي.
لماذا إنتصرت قطر وهزمت خصومها شر هزيمة ؟سؤال مشروع لمن لا يعرف طبيعة الرجال،مع ان الجواب بسيط للغاية ،فأمير قطر إعتمد الرواية الواحدة المقنعة ، ورأيناه مع أركان حكمه على قلب رجل واحد ،فلم يهنوا ولم يحزنوا كما هو الحال بالنسبة للخصوم الذين يأكلون بعضهم بعضا كما النار التي تأكل بعضها عند نفاذ الحطب.
من أسباب النصر أيضا ان القيادة القطرية سلكت مسلكيات مضمونة ولم يسمحوا للوهم ان يتخلل إلى تفكيرهم او حتى يقترب منهم ،وكانوا واثقين من هذه اللحظة التي سيعلن فيها الخصوم عزمهم على رفع الراية البيضاء ويستسلمون ،وها نحن نشهد ذلك ،ولا نملك إلا ان نقول اللهم لا شماتة فمن بدأ بالشر ،فإنه أولى به ان يكون ضحية لشروره.
إعتمدت القيادة القطرية إستراتيجية مدروسة بعقل وتصرفت بحكمة ،ونسجت تحالفات صادقة مضمونة ،ولكنها لم تفرط بالثوابت القطرية او العربية او الإسلامية كما يفعل الخصوم الذين اعلنوا وكشفوا علاقاتهم المسمومة مع مستدمرة إسرائيل الخزرية اللصهيونية الإرهابية النووية ،بحجة الخوف من إيران ،ووصلت بهم الأمور إلى بيع المقدسات العربية في القدس المحتلة ، والموافقة على صفقة القرن التي تشطب القضية الفلسطينية مع الأردن الرسمي ،وهاهم يحاصرون الأردن ماليا لإجباره على التنازل لهم عن الوصاية الهاشمية على المقدسات في المدينة المقدسة .
رغم الحصار الغاشم الذي فرضه الخصوم على قطر إلا ان القيادة القطرية العاقلة ، خلقت إقتصادا قويا ووصلت قطر إلى مرحلة الإكتفاء شبه الذاتي ،وها هي الصحراء القطرية تتحول إلى مزارع تنتج الفواكه والخضروات ،ولم يشعر المواطن القطري أو المقيم بأي صعوبة في العيش ،ومن متابعاتنا فإننا نجد المواطنين القطريين وقد إصطفوا إلى جانب قيادتهم كالبنيان المرصوص ،كما أن المقيمين الذين كرّمهم الشيخ تميم بأنهم ناطقون رسميون بإسم قطر ،لا يقلون ولاء وإنتماء لقطر وقيادتها عن المواطنين القطريين ،ناهيك عن اننا لم نسمع ولو شكوى واحدة من مقيم تعرض لإهانة من قطري لأنه 'أجنبي'فالجميع إخوة في الله ،وهذا ما تفتقده أخلاقيات الخصوم الذين ينهون خدمات المقيمين ويهينونهم ويسرقونهم ويستولون على أتعابهم.
هناك معارك خفية خاضتها القيادة القطرية وحققت فيها إنتصارات مذهلة دعمت المعارك العلنية ،ومن المعارك الخفية التي نتحدث عنها ،المعركة الصعبة داخل الولايات المتحدة الأمريكية،فبعد أن تخيل الخصوم أن الكلمة الأولى والفصل للطرمب ترامب الذي حلبهم حتى جفت ضروعهم ،تبين أن الرجل وصهره اليهودي كوشنير ليسوا إلا 'برغيّين' في ماكينة ضخمة إسمها المؤسسة الأميركية،وقد حسمت الأمور بالتحالف الإستراتيجي بين قطر وأميركا ومثل الجانب الأمريكي كل من وزير الدفاع ماتيس ووزير الخارجية تيلارسون .
وبفضل السياسة القطرية الحكيمة فقد إنقلب السحر على الساحر، فها هو صهر الرئيس ترامب اليهودي كوشنير الذي قاد المؤامرة بناء على عمولة كبيرة وعد بها ،مع صهره الرئيس الذي قبض سلفا ، يجد نفسه مجردا من صلاحياته بعد الإجراءات الأخيرة التي إتخذت بحقه ،ومنها تجريده من صلاحيات الإطلاع على الملفات 'البريمو' التي تتعلق بزعماء العالم ،وها هي الدائرة تضيق على الطرمب ترامب الذي قاد المؤامرة بعد أن إستأجره الخصوم لقصور في تفكيرهم ،ويقيني أن السياسة القطرية ستعجل بالإطاحة بالرئيس ترامب الذي أصبح قاب قوسين او أدنى من لحظة دفع الحساب .
الآن وبعد الإنتصارات الكبيرة التي حققتها سياسات قطر الحكيمة ،يعلن الخصوم تراجعهم عن مواقفهم ويصدرون بيانا سياسيا يؤكدون فيه ان المشكلة مع قطر صغيرة وأن حلها يكمن في الوساطة الكويتية ،علما أن الشيخ صباح الأحمد ومنذ اللحظات الأولى لإقترافهم خطيئة الحصار ،أعلن عن وساطته لكنهم ولطبيعتهم لم يستجيبوا له ،ومنعوا جلالة الملك عبد الله الثاني من التدخل في الأزمة رغم انه رئيس القمة العربية ،وان ذلك يندرج ضمن مهامه القومية ناهيك عن طبيعته كمعتدل يسعى إلى رأب الصدع العربي.
ما من شك ان خطيئتهم التي إرتكبوها بحق قطر قد كلفتهم الكثير الكثير ،فعلى المسوى المادي أجبروا على إفراغ خزائنهم لدفع الرشاوي من أجل إستجار النائحات للبكاء في مآتمهم ،ناهيك عن خسائرهم المادية والمعنوية في اليمن حيث قامت عصابة الحوثي بإلحاق الهزائم اليومية بهم ،حتى ان صواريخه باتت تتساقط عليهم ،وتجبرهم على البكبة والنواح والتوسل للقريب والبعيد أن يقف معهم في وجه الحوثي ويدين إطلاق الصواريخ عليهم.
لم تكن خسائرهم ما دية فقط بل أتت خطيئتهم على كرامتهم وسمعتهم التي كان البعض يخشى من خدشها ،بسبب رشاويهم وشرائهم للذمم ،لكن القريب والبعيد بعد حصارهم لقطر ،وثبوت كذبهم وهياطهم ،تجرأ عليهم ونال منهم إلى درجة التهزئة والتحقير،بينما نرى العالم أجمع ما عدا حليفتهم مستدمرة إسرائيل، يكيلون المديح لقطر وقيادتها ،ويبدون إعجابهم بالسياسة القطرية التي هزمت دول البغي والباطل التي تجاوزت حدود الله في رمضان وحاصرت الشعب القطري ،وكانت تبيت النية لغزو قطر وسرقة ما لديها من إمكانيات ،ولكن الله سلّم ،وها هي قطر بقيادتها وتلاحم شعبها وإخلاص مقيميها تزهو بنفسها ،وقد حق لها ذلك ،وهي التي هزمت دول البغي والظلم والهياطة بالسياسة الحكيمة.
نيسان ـ نشر في 2018-03-01 الساعة 13:40
رأي: أسعد العزوني كاتب وصحافي وخبير في الشؤون الفلسطينية