عندما تغرد الحكومة بواد غير ذي زع
محمد المحيسن
كاتب وصحافي أردني
نيسان ـ نشر في 2018-03-06 الساعة 10:25
لم تعد الزراعة او المزارع يحتل أياً من المراتب المتقدمة أو حتى الثانوية في أولويات الدولة .. السبب لا يعلمه إلا «صفوة الخبراء» الذين اكتشفوا نسقا آخر في الاقتصاد يستعصي علينا نحن البسطاء فهمه.
وفي الوقت الذي «تغرد فيه الحكومة بواد غير ذي زرع» يمضي المزارعون أيامهم يلملمون جراحهم، التي تزداد اتساعا يوما بيوم، وساعة بعد أخرى،انتظارا لرحمة لا تأتي إلا من السماء فقط .
فقد فرضت الدولة سلسلة من الضرائب القاسية على الزراعة، جعلت المزارع يتخبط بين الطفر والديون المتراكمة من جهة، والقهر من جهة أخرى، فيما قُتل المحصول على أمه بعد أن فقد الفلاح القدرة على جمعه.
مجلس نقابة المهندسين الزراعيين، يضع صورة بسيطة لما يعانيه القطاع فيصفة بالمتأزم لدرجة الانفجار، وهذا عائد بشكل أساسي للعقلية التي تتعامل بها الحكومة مع ملف القطاع الزراعي، نتيجة الانفراد بإدارة المشهد الاقتصادي بدون الشراكة مع القطاعات الاقتصادية .
في الحقيقة تجري منذ سنوات في الأردن والعديد من البلاد العربية، محاولات فك الارتباط بين الإنسان والأرض، فكانت الزراعة بطبيعة الحال الضحية التي بات العاملون فيها يعانون الأمرّين .
أما إضراب المزارعين المستمر منذ عشرة أيام، فلم يحرك سكان القبور المجاورة ، ولا حتى سكان القصور الفارهة ، التي بات الأمر لا يعنيها من قريب او بعيد. فهؤلاء يستطيعون الأكل من المستورد وليذهب المزارع الى الرصيف.
ينقل نائب نقيب المهندسين الزراعين نهاد العليمي المشارك في اعتصام رصيف مجلس النواب، القليل من معاناة الفلاحين فيقول:«سمعت من المزارع مكسور الخاطر، ومن المزارع المديون، ومن المزارع الخسران، ومن المزارع المقهور، ومن المزارع الطفران، ومن التاجر، وصاحب الشركة، والموظف ومن المهندس الزراعي، والطبيب البيطري، إلا أن الأكثر إيلاما يضيف العليمي، هو نظرة الحزن والقهر في عيون الجميع» ويمضي بالقول:«قعدة الرصيف فيها هموم الوطن والمزارع والمواطن».
نعم الزراعة هي همّ وطني ، وهمّ اقتصادي وهمّ اجتماعي بل هي أم الهموم، لا يمكن اختصار الحديث عنها، بكلمات عابرة او بأغنية تراثية أو دندنة عود، أو مقولة لا تصلح إلا للاستهلاك إعلامي .
بين الحين والآخر، يعاد الجدل حول توسيع رقعة الأراضي الزراعية، وضبط ما يسمى بالاعتداء على المساحات الخضراء من جرائم القضم والاغتصاب، والتعمير فوق المساحات الزراعية بالأسمنت والطوب.
إلا أن هذا الجدل يتوقف عند تدخل أي مستثمر أو متنفذ لينتهي إلى المزيد من قضم المساحات الخضراء.
لحكومات المتعاقبة قررت اختصار المعادلة في عبارة واحدة، «دعنا نعتمد على الغير»، الأمر الذي أوقعنا بـ«المصيدة» .. المحصلة كانت سلسلة أزمات اقتصادية، وارتفاعا عالميا في الأسعار، وضيقا اجتماعيا يتصاعد يوميا.
نيسان ـ نشر في 2018-03-06 الساعة 10:25
رأي: محمد المحيسن كاتب وصحافي أردني