مسجد أبو درويش في الذاكرة..
نيسان ـ نشر في 2015-12-11 الساعة 21:27
الدكتورة الهام العلان
أذكر طفولتي جيداً خاصة في عُمْر عشر سنوات، حينها كنت أذهب لمسجد أبو درويش بالأشرفية لتعلم تلاوة القرآن، ولم أكن أتمتع بطول ووزن مناسب وكما يقول والدي رحمه الله: وجهك "كدْ التعريفة"، ومع ذلك أُصِر على إمام المسجد ومُدرس التلاوة بأنني كبيرة وفي الصف الرابع "أ"؛ كل ذلك كان ينبع من السكينة والطمأنينة والقوة التي منحني إياها مسجد أبو درويش..
حاولت مراراً منح أولادي تلك المشاعر، غير أنه وفي بعض الأحيان يرددوا على مسامعي عبارة: "ماما الدنيا تغيرت، المساجد والأئمة غير حتى خطبة الجمعة كلها صراخ في صراخ.."
حينها كان لا بد من النزول للميدان والإطلاع عما يقوله جيل الأنترنت "إلي مش عاجبه أشي".. فلربما تغيرت الدنيا كما يقولون وانا ما زلت أترنم على ذكريات الطفولة في مسجدنا القديم.. دخول أي مسجد قديم مثل جامع أبو درويش أو الجامع الحسيني، أو جامع الوحدات الكبير يمنحك قوة إيمانية لا تشعر بها في المساجد الحديثة، تلك المساجد المهيئة بشاشة LCD وكاميرات مراقبة،وسماعات DJإذا لم يكن خطيب يوم الجمعة مُدركاً تماماً ما يقوله، ويتفاعل مع مفرداته بكل هدوء حتماً ستصدقت مقولة إبني، ولا ننسى مقتنيات أخرى مثل رفوف المصاحف وكتيبات الأدعية وملابس الصلاة للنساء..
لا أذكر إن كان هناك ملابس للصلاة في جامع أبو درويش. كل سيدة أو فتاة تأتي للصلاة تكون مهيأة تماماً للوقوف بين يدي الله، ملابس محتشمة ورائحة طيبة وهدوء لا مثيل له، أما الآن فتدخل فتاة الجينز وآخر فياعة من منطلق "كل شي بحسابه" وغيرها من الفتيات الملتزمات تلبس تنورة الصلاة وغطاء الرأس وتؤدي فريضتها ثم تخلعهم "وأرمي على الرف"..
تلتقي السيدات في المسجد لترتيب برنامج الزيارات في المنطقة، أم فلان زوجت إبنها، وأخرى رحلت على بيت جديد، وتلك مات زوجها، وأخرى تبحث عن عروس لإبنها والتالية تُدبر عريس لبنتها..الخ، لم تكن تلك الفعاليات موجودة في جامع أبو درويش.. كنا ندخل، نصلي، ننطلق لبيوتنا، وإذا بقي بعضهن فكل واحدة في زاوية تتلو ما تيسر لها من القرآن الكريم وهدووووء.. وما لا تطيق ذرعاً به الأطفال الحلوين، صدقاً لو كان إبني "لعلقته من ذينيه".. ما شاء الله طالعين رحلة على المسجد شيبس، شوكلاته، عصير، حاملين موبايلات يلعبوا games، أو يلعبوا فوق رؤسنا عند السجود..
وقتها، أيقنت أن ما عشناه في مساجد الطفولة لم يكن من فراغ، كان هناك روح إنسانية تتناغم مع هدوء البال ويقين بأن هذا المكان تُناجي فيه رب العباد وتركُن قليلاً مع نفسك.. لسنا بحاجة لكل كماليات المدنية.. فقط توجه لرب العالمين بإيمانيات وسلوكيات وآداب مع نفسك ومن حولك..
مع الدكتورة الهام العلان ..
elhamallan09@gmail.com
![]()


