اتصل بنا
 

ولدت قبل أزيد من أربعين عاما لم أفعل شيئًا أكثر من تهذيب ذاتي على ثلاثة مستويات

نيسان ـ نشر في 2021-04-01 الساعة 13:04

نيسان ـ ولدتُ فجر 1/ 4/ 1979، اليوم صار عمري 42 عامًا. بين الأول من نيسان من العام 1979 والأول من نيسان 2020 لم أفعل شيئًا أكثر من تهذيب ذاتي على ثلاثة مستويات:
1 - المستوى المعرفي.
2- المستوى الأخلاقي.
3- المستوى الجمالي.
الأول كان مناط الأفكار.
الثاني كان مناط الأشخاص.
الثالث كان مناط الأشياء.
في المستوى الأول أتذكر غضبتين غضبتهما الأولى كانت في العام 1998 عندما قرأت كتاب (في ثقافة الديمقراطية) لـ "جورج طرابيشي"، فقد شعرت بالحنق الشديد على طرابيشي لأنه انتقد "محمد قطب"، تحديدًا لكتابه (جاهلية القرن العشرين). لمعالجة غضبي ذهبت وقرأت معظم كتب "محمد قطب"، وبالمعيـّة كتب "سيد قطب". فوفقًا لنمط التربية الذي تربيت عليه كان "محمد قطب" مُنافحًا عن ملاذاتنا الآمنة التي خلقها الدين ورسخّها أتباعه في أذهاننا جيلًا إثر جيل.
الثانية يوم أنْ اتخذتُ مواقف حدّية وصارمة من ثلاثة أقطاب من أقطاب الفكر الغربي الحديث: "تشارلز داروين" و"كارل ماركس" و" سيغموند فرويد". إذ كان "محمد قطب" قد كتب عنهم بطريقةٍ فجّة وممجوجة في كتابه (مذاهب فكرية معاصرة). لمعالجة هذه الصرامة ذهبتُ وقرأتُ النصوص الأصلية لأولئك المفكرين الكبار.
من العام 2000 وحتى العام 2021 كنت أغضب بلا شك، لكني لجمتُ هذا الغضب على الدوام، لكي لا أكون أسير مُقدمات سيكولوجية فيما يتعلق بنتائجي المعرفيـة.
من مكتبة المدرسة قرأت روايتي: (كوخ العم توم) و(بائعة الخبز)، ومن مكتبة المسجد قرأت (البداية والنهاية) لابن كثير و(تفسير الكشاف) للزمخشري. ومن مكتبة والدي قرأت السير الشعبية والكتب السياسية والكتب الدينية تحديدًا كتب "ابن القيم الجوزي" وبعض تفاسير القرآن مثل تفسير الجلالين و(في ظلال القرآن) لسيد قطب وبعض الكتب عن تاريخ الأردن.
في بداياتي الجامعية قرأت الكتب الأساسية في الفلسفة الألمانية، ولاحقًا تعرفتُ على مُجمل الفلسفة الغربية، وبوقتٍ لاحق على الفلسفة الإسلامية، ومن ثمّ على الفلسفات الشرقية.
وفي بداياتي المُبكرّة قرأتُ الكثير من الكتب الأصلية عن الإسلام، نظرًا لطبيعة البيئة التي تربيت فيها. لاحقًا تعرفت على الكتب التي انتقدت الإسلام، وأيضًا على كتب الأديان الكبرى والنقودات لتلك الأديان أيضًا.
تتبعت بشكلٍ حثيث عصر النهضة العربية، ابتداءً من خلجات إبراهيم اليازجي وصولًا إلى آخر ما كتبه "طه عبد الرحمن" أو "فتحي بن سلامة"؛ مرورًا بالطهطاوي والأفغاني ومحمد عبده وتلامذتهما، وأدباء المهجر، طه حسين، جماعة أبولو/ معروف الرصافي/ مالك بن نبي/ صادق جلال العظم/ محمد الطاهر بن عاشور/ الطيب تيزيني/ محمد عابد الجابري/ جورج طرابيشي/ أدونيس/ محمد أبو القاسم حاج حمد/ محمود محمد طه/ محمد أركون/ هشام جعيط/ محمد شحرور...إلخ.
وحتى العام 2000 كان قراءاتي في الأدب قليلة إلى أن تعرفت إلى "صفاء" التي كانت تلتهم الكتب الأدبية (رواية/ قصة/ شعر) التهامًا، فأصابتني العدوى منها. علمتها قراءة الكتب الفلسفة من مختلف حضارات العالَم، وعلمتني قراءة الأدب من مختلف ثقافات العالَم أيضًا، من يومها قلّ أدبي وخفّ عقل صفاء.
الآن ليس لديّ أفكار قاطعة ونهائية حول أيّ شيء، بل ثمة جدل مُتنام على المستوى العقلي. اقرأ من كل ثقافات العالَم وفي مجالات مختلفة. وإذا كان من شيء أرفضه رفضًا قاطعًا فهو الحَجْر على أيّ فكرة تحت أيّ مُسمّى، فالعقل رَحِم يمكن أن يضيق بفكرةٍ واحدةٍ إذا ما صُبّت به صبًّا، بما يفضي إلى تعفنه وتخمّجه. ويمكن –في الوقت ذاته- أن يتسّع لكل الأفكار الموجودة بما يُفضي إلى ولادة العالَم والإنسان ولادة جديدة في الزمن والمكان.
في المستوى الثاني أتذكر أني تخاصمتُ مع أمي في موسم الحجّ العام 2007، إذ كان التعب قد أخذ منّا كل مأخذ أيام رمي الجمرات في مِنى. للآن ما زال ضميري يُؤذيني بشكلٍ حاسم، فما استفقتُ ليلة من نومي إلا وحضرتْ أمي إلى ذهني فشعرتُ بالعار يُجلّلني على ما يمكن أن يكون قد آذىً لأُمي حتى ولو في الخيال.
قبل ذلك كانت نفسيتي غير سوية على المستوى الأخلاقي في العموم، وبعد ذلك لم تكن سليمة بشكل كامل. لكني حاولت جاهدًا تطهير قلبي من كل الشوائب التي علقت بها بحكم الإرثين البيولوجي والمعرفي.
البعض اعتبرَ نفسه عدوي؛ لم اعتبره عدوًا بالمرة. البعض نصّب نفسه خصمًا لي، لم اعتبره خصمًا لي بالمرة. البعض استهزأ بي في العلن، لم استهزئ به حتى في السرّ. البعض فكّر بي بطريقة أحادية، فكّرت به بطرقٍ مُتعدّدة.
اليوم أنا مُتصالح مع نفسي كثيرًا، ومع الأشخاص بشكلٍ أكثر. أتجاوز عن عداواتي، وأصفح عمّن يسيء، واسْتَصْغِرُ الاستهزاء وأعظّم كرامة الإنسان.
في المستوى الثالث، منذ صغري وحتى العام 2002 كنت أنظر بامتعاضٍ لأي فتاة تلبس لباسًا لا ينسجم مع ثقافة الاحتشام التي صُبّت في عقولنا صبًّا، فقد اقترنت تلك الثقافة بغريزةٍ مُبطنة تفترض بأنّ الطرف البيولوجي المُقابل محض مُثير للشهوات الجنسية على الدوام، لذا عليه الاحتشام أصلًا. لم يحدثنا أحد عن ضرورة الارتقاء بعقولنا جماليًا، فالمُشكل مُشكل داخلي بالأحرى، فما من نظرة حيوانية أو وقحة أو سمجة للعالَم وموجوداته، إلا واقترنت بحيونةٍ أو وقاحةٍ أو سماجةٍ مبدئية في عقولنا.
لاحقًا حوّلت نظرتي الحيوانية إلى نوعٍ من التسامي الجمالي. فأي شيء في هذا العالَم يمكن أن يكون نصيرًا لغرائزنا بطريقةٍ فجّة ومؤذية، ويمكن أن يكون –في الوقت ذاته- نصيرًا فنيًا لأرواحنا فيرتقي بها إلى مصافّ علوية.
الآن، أجتهدُ أن أكون صديقًا للموجودات؛ من كبيرها إلى صغيرها، مما تحت الذرّة إلى ما فوق المجرة. أبحث عن كمالاتها لكي أردم النقص الجمالي الحادث في ذاتي. وإذا ما حدث أيّ خلل بيني وبين الجمال الموجود في الأشياء، فذلك يعود بلا شكّ إلى القباحات التي بحاجةٍ إلى تنظيف دائم في داخلي.

نيسان ـ نشر في 2021-04-01 الساعة 13:04


رأي: معاذ بني عامر

الكلمات الأكثر بحثاً