'الفلسطينيون يطالبون بريطانيا بالاعتذار والتعويضات عن جرائم حرب وانتهاكات أخرى للقانون الدولي خلال 'الاحتلال غير المشروع'
نيسان ـ نشر في 2025-09-08 الساعة 12:38
المقدِّم الرئيسي للعريضة هو منيب رشيد المصري
نيسان ـ وجهت شخصيات فلسطينية، عريضة الى الحكومة البريطانية، تحثها على الاعتراف بالمسؤولية التاريخية عن "الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي"، وبدء مسار "للمصالحة وجبر الضرر، وفتح الطريق نحو تحقيق العدالة".
والعريضة القانونية التي قُدمت إلى رئيس الوزراء البريطاني، ووزير الخارجية ديفيد لامي، ووزير الدفاع جون هيلي، والمدعي العام ريتشارد هيرمر، تطالب المملكة المتحدة بتحمل مسؤوليتها عن "انتهاكاتها المتكررة للقانون الدولي"، بما في ذلك جرائم الحرب التي ارتكبت خلال الاحتلال البريطاني لفلسطين بين عامي 1917 و1948.
وتتكون الوثيقة القانونية من 400 صفحة، والتي أعدها فريق من المحامين والخبراء الإقليميين بقيادة بن إميرسون KC ، جرى تسليمها في 7 أيلول / سبتمبر 2025 إلى مقر رئاسة الوزراء البريطانية، وكذلك ووزارة الخارجية، ووزارة الدفاع، ومكتب المدعي العام.
وتسجّل العريضة "أدلة دامغة" على أن بريطانيا انتهكت المعايير القانونية الدولية المطبقة آنذاك. وتفصّل إرث بريطانيا "غير المشروع"، بما في ذلك إعلان بلفور عام 1917، وممارستها دور قوة احتلال خلال "الانتداب" الذي منحت نفسها إياه بلا أساس قانوني، وما تلاه من انتهاكات منهجية بحق الشعب الفلسطيني.
ويتزامن تقديم هذه العريضة مع إطلاق حملة "بريطانيا تحمل ديناً لفلسطين"، وهي تظهر المعاناة الفلسطينية المستمرة التي تعود جذورها مباشرةً إلى انتهاكات بريطانيا للقانون الدولي أثناء فترة احتلالها وانسحابها. وتُلزم الحكومة البريطانية بالرد وإلا قد تواجه مراجعة قضائية أمام المحاكم.
ويمثل هذا التقديم إطلاق حملة "بريطانيا تحمل ديناً لفلسطين"، التي تطالب باعتراف رسمي من المملكة المتحدة بمسؤوليتها واعتذار وتعويضات عن خلق "قرن من القمع". وقد يواجه الوزراء مراجعة قضائية إذا فشلوا في الرد.
وقال المقدّم الرئيسي للعريضة منيب رشيد المصري، الذي أُصيب برصاصة في ساقه على يد الجنود البريطانيين عندما كان في الثالثة عشرة إن "الأزمة الحالية في فلسطين كانت من 'صناعة بريطانية' خلال سلسلة من الانتهاكات الممنهجة وإساءة المعاملة بحق الشعب الفلسطيني. لقد عانينا معًا أكثر من قرن من الاضطهاد. لا يمكن لبريطانيا أن تساهم في بناء سلام عادل اليوم إلا إذا اعترفت بدورها الحاسم في مآسي الماضي. إن الاعتذار سيكون بداية عادلة لما يتوقعه الفلسطينيون من الحكومة البريطانية."
وتضمن بيان مكتوب للمصري، مرفق بالعريضة ممارسات القوات البريطانية التي كانت تجمع أعدادًا كبيرة من الرجال وتقودهم عبر المدن وأيديهم وأرجلهم مقيدة بالحبال، ثم تُحتجز في أقفاص قبل تنفيذ الإعدامات.
من جانبه قال المحامي الدولي لحقوق الإنسان والمقرر الخاص السابق للأمم المتحدة لحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، بن إميرسون KCإن" هذه العريضة تُظهر، من خلال تحليل شامل للأدلة المعاصرة، مدى مسؤولية بريطانيا عن المعاناة الرهيبة في فلسطين، التي يمكن تنسيبها إلى انتهاكات بريطانيا للقانون الدولي أثناء الاحتلال والانسحاب. إن هذه المظالم التاريخية ما زالت تشكل واقع اليوم. بريطانيا تحمل ديناً للشعب الفلسطيني، والعريضة الحالية تستند إلى التزامات المملكة المتحدة الدولية في وجوب جبر الضرر."
وتجمع العريضة بين الأدلة الأصلية الدامغة لانتهاكات بريطانيا، وفق المعايير القانونية الدولية التي كانت ملزمة بها في ذلك الوقت (بما يشمل: قانون الاحتلال وفق لوائح لاهاي 1899/1907، وقانون الانتداب وفق ميثاق عصبة الأمم 1919، وحظر جرائم الحرب وانتهاكات الاعتبارات الإنسانية الأساسية الواردة في اتفاقيات لاهاي والقانون الدولي العرفي، وأخيرًا قانون الأمم المتحدة وفق ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945).
وتضمنت العريضة التي وجهها باسم الشخصيات الفلسطينية رجل الأعمال منيب المصري، الى حكومة ملك بريطانيا، سبعة مطالب عريضة هي:
1. النظر في العريضة وما تستند إليه من أدلة بما يتوافق مع التزامات الحكومة من خلال إعادة تقييم الأدلة المتعلقة بالأخطاء الأخلاقية وغير القانونية التي ارتُكبت خلال الحقبة الاستعمارية البريطانية.
2. إجراء بحث عن أي وثائق أو أدلة أو معلومات لم يُفرج عنها بعد في الأرشيف الوطني البريطاني والتي تدعم مطالب العريضة، وأخذ هذه المواد بعين الاعتبار وإتاحتها للعامة.
3. تبني موقف من العريضة يتسم بالصراحة والشفافية والوضوح، انسجامًا مع الالتزامات المعلنة باحترام سيادة القانون، بما في ذلك القانون الدولي.
4. الرد على العريضة بشكل كامل وعلني.
5. الاعتراف بالانتهاكات التي ارتُكبت خلال تلك الفترة، والعمل على تعزيز وعي المجتمع البريطاني بالعواقب السلبية لتلك الحقبة التاريخية.
6. تقديم اعتذار رسمي علني على شكل بيان يتلوه رئيس الوزراء في مجلس العموم.
7. التحقيق بحسن نية في الأشكال المناسبة للمساءلة، وجبر الضرر، والإنصاف، والاستثمار في الشعب الفلسطيني ودولة فلسطين، في ضوء الانتهاكات والمسؤولية التي تعترف بها بريطانيا.
وكشفت العريضة ان من يقف خلف العريضة تأثروا بشكل مباشر من السياسات البريطانية، وهم يطالبون بالاعتراف بمسؤولية بريطانيا، وتقديم اعتذار عن أخطائها، وبدء مسار للمساءلة والتعويض. وقد اختاروا تقديم عريضة قانونية إلى الحكومة البريطانية ("العريضة").
ورغم ان الشكاوى ليست جديدة، لكن العريضة بحد ذاتها جديدة، كونها تعرض في أكثر من 400 صفحة أدلةً دامغةً على أفعال بريطانيا وإخفاقاتها والانتهاكات القانونية التي ارتكبتها، إضافةً إلى الخروقات التي مست مبادئ القانون الدولي آنذاك دون أي إنصاف حتى اليوم. كما توضّح آلية تقديم التعويضات، وتتضمّن تفاصيل عن مقدِّميها وتبيّن مطالبهم السبعة.
وأكد مقدِّمو العريضة بوضوح أنّ الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي صُنع في بريطانيا إلى حدٍ كبير، من خلال احتلالها لفلسطين عام 1917، وتراجعها عن التعهدات التي قطعتها للشعوب العربية، ثم فرضها نظام الانتداب عام 1922، حيث غيّرت بريطانيا الطابع القانوني والسياسي والديمغرافي للأرض من دون أن تمتلك أي سلطة شرعية تخوّلها ذلك. وتتحمّل بريطانيا مسؤولية مباشرة ومستمرة عن الكارثة التي تلت تلك الأحداث، عبر قمعها لحركات المقاومة الوطنية، ثم تخلّيها عن الشعب العربي الفلسطيني عام 1948.
وقدمت العريضة التي أطلعت عليها "وطن" عرضا مستفيضاً، يوضح مسؤولية بريطانيا عن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، منذ احتلالها فلسطين من عام 1917 حتى عام 1948، وزعمها أن الانتداب الذي فرضته يمنحها الحق في حماية السكان وتسهيل انتقالهم إلى الحكم الذاتي، مشيرة الى ان انسحاب بريطانيا من فلسطين تركها فلسطين تعاني انقسامًا عميقًا.
وبينت العريضة أن السياسات البريطانية المتتالية، ابتداءً من وعد بلفور الذي تعهّد بمنح الشعب اليهودي وطنًا قوميًا في بلد كان معظم سكانه من العرب الفلسطينيين، أسهمت في تعزيز الصراع العنيف وتمهيد عملية التقسيم.
ولفتت العريضة الى أن "هذه الأحداث ليست مجرد وقائع تاريخية؛ بل لا تزال تبعاتها ماثلة حتى يومنا هذا. ومع ذلك، لم تعترف بريطانيا أبدًا بخطاياها وإخفاقاتها، لا من الناحية الأخلاقية ولا من الناحية القانونية، وما زالت تتصرّف كما لو أنها لا تتحمّل أي مسؤولية تجاه فلسطين."
وصنفت العريضة الانتهاكات الدولية التي ارتكبتها بريطانيا في ثلاث مراحل رئيسية: الاحتلال، القمع، ثم التخلي والتقسيم.
وفيما يلي ملخص العريضة الذي أطلعت عليه وطن، والتي قدمت الى الحكومة البريطانية:
عريضة بخصوص مسؤولية بريطانيا عن الصراع الفلسطيني –الإسرائيلي: ملخص
احتلت بريطانيا فلسطين من عام 1917 حتى عام 1948، مدّعية أن الانتداب الذي فرضته يمنحها الحق في حماية السكان وتسهيل انتقالهم إلى الحكم الذاتي. غير أن انسحابها ترك فلسطين تعاني انقسامًا عميقًا. فقد أسهمت السياسات البريطانية المتتالية، ابتداءً من وعد بلفور الذي تعهّد بمنح الشعب اليهودي وطنًا قوميًا في بلد كان معظم سكانه من العرب الفلسطينيين، في تعزيز الصراع العنيف وتمهيد عملية التقسيم.
هذه الأحداث ليست مجرد وقائع تاريخية؛ بل لا تزال تبعاتها ماثلة حتى يومنا هذا. ومع ذلك، لم تعترف بريطانيا أبدًا بخطاياها وإخفاقاتها، لا من الناحية الأخلاقية ولا من الناحية القانونية، وما زالت تتصرّف كما لو أنها لا تتحمّل أي مسؤولية تجاه فلسطين.
اجتمعت مجموعةٌ من الفلسطينيين، الذين تأثرت حياتهم بهذه الأحداث، في أيلول/سبتمبر 2025 للمطالبة بالاعتراف بمسؤولية بريطانيا، وتقديم اعتذار عن أخطائها، وبدء مسار للمساءلة والتعويض. وقد اختاروا تقديم عريضة قانونية إلى الحكومة البريطانية ("العريضة"). هذه الشكاوى ليست جديدة، لكن العريضة بحد ذاتها جديدة، إذ تعرض في أكثر من 400 صفحة أدلةً دامغةً على أفعال بريطانيا وإخفاقاتها والانتهاكات القانونية التي ارتكبتها، إضافةً إلى الخروقات التي مست مبادئ القانون الدولي آنذاك دون أي إنصاف حتى اليوم. كما توضّح آلية تقديم التعويضات، وتتضمّن تفاصيل عن مقدِّميها وتبيّن مطالبهم السبعة.
مضمون الشكوى
يؤكد مقدِّمو العريضة بوضوح أنّ الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي صُنع في بريطانيا إلى حدٍ كبير.
فمن خلال احتلالها لفلسطين عام 1917، وتراجعها عن التعهدات التي قطعتها للشعوب العربية، ثم فرضها نظام الانتداب عام 1922، غيّرت بريطانيا الطابع القانوني والسياسي والديمغرافي للأرض من دون أن تمتلك أي سلطة شرعية تخوّلها ذلك. وتتحمّل بريطانيا مسؤولية مباشرة ومستمرة عن الكارثة التي تلت تلك الأحداث، عبر قمعها لحركات المقاومة الوطنية، ثم تخلّيها عن الشعب العربي الفلسطيني عام 1948.
وتصنّف العريضة الانتهاكات الدولية التي ارتكبتها بريطانيا في ثلاث مراحل رئيسية: الاحتلال، القمع، ثم التخلي والتقسيم.
الاحتلال
شهدت الفترة ما بين 1917 و1948 سيطرة بريطانيا على فلسطين من دون أي سند شرعي. وخلال ذلك ارتكبت ما لا يقل عن أربعة انتهاكات، يُشكّل كل واحد منها خرقًا لمعايير القانون الدولي السائدة آنذاك:
● أولًا: تنكرت بريطانيا دون أي خجل لمراسلات الحسين–مكماهون من خلال عدم وفائها بالتزاماتها تجاه استقلال العرب، بما في ذلك فلسطين، مفضِّلة عليها الوعود المتعارضة التي تضمنها وعد بلفور.
● ثانيًا: بصفتها قوة احتلال بين عامي 1917 و1924، غيّرت بريطانيا بصورة غير قانونية الوضعين القانوني والسياسي القائمين، إذ سهّلت الهجرة اليهودية وعمليات الاستيطان، انتهاكًا لما تفرضه لوائح لاهاي، التي تُلزم قوة الاحتلال بالحفاظ على مؤسسات الأرض المحتلة.
● ثالثًا: كان انتداب فلسطين باطلًا من أساسه؛ إذ تجاوز صلاحيات ميثاق عصبة الأمم، وتعارض مع معاهدة لوزان، كما فُرض من دون استشارة السكان الأصليين.
● رابعًا: استمرت بريطانيا في احتلالها حتى عام 1948، ومنعت العرب الفلسطينيين من ممارسة أي حكم ذاتي فعّال، وشوَّهت البنية الاقتصادية والديموغرافية للأرض، وعزَّزت الانقسامات العرقية–القومية، وهيَّأت الظروف لاندلاع الصراع العنيف.
القمع
وُلدت الثورة العربية بين عامي 1936 و1939 من رحم اليأس، نتيجة إنكار الحق في الإنصاف الديمقراطي، فقابلتها بريطانيا بقوانين طوارئ وإجراءات وحشية منهجية. وتمثل ردّها في فرض إجراءات قمعية شملت الاعتقال التعسفي والعقاب الجماعي والتحقيق تحت الإكراه والقتل خارج نطاق القضاء. لقد شكلت هذه السياسات "حكما بالقانون" – أي استخدام القانون أداةً للقمع – بدلًا من سيادة القانون الحقيقية. وتُعدّ الأفعال التي ارتكبتها بريطانيا آنذاك جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وفقًا للقوانين والأعراف الحربية، و"قوانين الإنسانية" التي تبلورت في القانون الدولي العُرفي بحلول ثلاثينيات القرن العشرين. كما غدت الأساليب الاستعمارية البريطانية في القمع نموذجًا صُدِّر لاحقًا إلى أراضٍ أخرى، وانتقل بصورة غير مباشرة إلى الممارسات الإسرائيلية بعد عام 1948.
التخلي والتقسيم
كان الانتهاء المنطقي لسياسات الاحتلال والقمع البريطانية هو تفكيك فلسطين ككيان سياسي موحَّد عام 1948. فبعد أن دفعت بريطانيا نحو خيار التقسيم باعتباره حلًّا للانقسامات التي كانت هي نفسها قد غذّتها، انسحبت على عجل، معرقلةً عمل لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين، ومتخلّفة عن الوفاء بالتزاماتها بموجب المادة 73 من ميثاق الأمم المتحدة وأحكام قانون الاحتلال. لقد توقعت بريطانيا ما سيترتّب على انسحابها، لكنها لم تفعل شيئًا لمنع الفظائع وعمليات الطرد التي نفّذتها الجماعات الصهيونية المسلحة ضد الفلسطينيين. وكانت النكبة – أي التهجير الكارثي لما يقارب 750 ألف فلسطيني – نتيجة متوقَّعة كان بالإمكان تجنّبها، وهي مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بتخلّي بريطانيا عن مسؤولياتها.
قانون مسؤولية الدولة
يؤكد القانون الدولي على مبدأ المساءلة وجبر الضرر عن الانتهاكات، حتى مع مرور الزمن. تستند العريضة إلى مواد لجنة القانون الدولي بشأن مسؤولية الدول (2001)، التي تُعَدّ اليوم بمثابة تقنين للقواعد العُرفية في القانون الدولي المتعلقة بجبر الضرر. وتنص هذه المواد على أن كل فعل غير مشروع دوليًا يستتبع المسؤولية (المادة 1)، وأن توصيف هذه الأفعال يُحدَّد وفقًا للقانون الدولي لا للقوانين الداخلية (المادة 3)، وأن نتيجته المباشرة هي الالتزام بجبر الضرر الكامل (المادة 31). ويشمل جبر الضرر، بحسب هذه المواد: إعادة الحال إلى ما كان عليه، أو التعويض المالي، أو الإنصاف المعنوي (المادة 34). أما الإنصاف المعنوي، فيتجسّد في أشكال متعدّدة مثل الاعتراف بالخطأ، أو التعبير عن الندم، أو الاعتذار الرسمي، أو اتخاذ أي تدابير أخرى ملائمة (المادة 37).
وبناءً على ذلك، تظل بريطانيا ملزَمة بواجب جبر الضرر الناتج عن الانتهاكات التي ارتكبتها في فلسطين خلال الفترة ما بين 1917 و1948.
مطالب العريضة السبعة
صاغ مقدّمو العريضة سبعة مطالب محدَّدة موجَّهة إلى حكومة جلالة الملك، لا يقتصر هدفها على الاعتراف بالمسؤولية التاريخية، بل تهدف أيضًا إلى بدء مسار للمصالحة وجبر الضرر، وفتح الطريق نحو تحقيق العدالة:
8. النظر في العريضة وما تستند إليه من أدلة بما يتوافق مع التزامات الحكومة من خلال إعادة تقييم الأدلة المتعلقة بالأخطاء الأخلاقية وغير القانونية التي ارتُكبت خلال الحقبة الاستعمارية البريطانية.
9. إجراء بحث عن أي وثائق أو أدلة أو معلومات لم يُفرج عنها بعد في الأرشيف الوطني البريطاني والتي تدعم مطالب العريضة، وأخذ هذه المواد بعين الاعتبار وإتاحتها للعامة.
10. تبني موقف من العريضة يتسم بالصراحة والشفافية والوضوح، انسجامًا مع الالتزامات المعلنة باحترام سيادة القانون، بما في ذلك القانون الدولي.
11. الرد على العريضة بشكل كامل وعلني.
12. الاعتراف بالانتهاكات التي ارتُكبت خلال تلك الفترة، والعمل على تعزيز وعي المجتمع البريطاني بالعواقب السلبية لتلك الحقبة التاريخية.
13. تقديم اعتذار رسمي علني على شكل بيان يتلوه رئيس الوزراء في مجلس العموم.
14. التحقيق بحسن نية في الأشكال المناسبة للمساءلة، وجبر الضرر، والإنصاف، والاستثمار في الشعب الفلسطيني ودولة فلسطين، في ضوء الانتهاكات والمسؤولية التي تعترف بها بريطانيا.
الخاتمة
لا تنصرف العريضة إلى مسألة الاعتراف بإسرائيل بعد عام 1948 في إطار القانون الدولي. بل تركّز على الدور التاريخي لبريطانيا والحاجة الماسّة إلى الاقرار وجبر الضرر. وهي تقوم على مبدأ أن العدالة تتطلب مواجهة الماضي بشجاعة وصدق. ويؤكد مقدّمو العريضة أن المملكة المتحدة تتحمّل مسؤولية خاصة عن جذور الصراع القائم حتى اليوم، وأن الاعتراف بهذه المسؤولية يُشكّل خطوة أساسية على طريق المصالحة. ومع مواجهة الفلسطينيين أخطر أزماتهم منذ عام 1948، يصبح التحرّك العاجل أمرًا بالغ الأهمية. وتشكل المطالب السبعة نقطة الانطلاق لوجوب وفاء بريطانيا بالتزاماتها المستمرة بموجب القانون الدولي، ولبدء مسار إصلاح الضرر الذي خلّفه ماضيها الاستعماري.
مقدّمو العريضة
المقدِّم الرئيسي للعريضة هو منيب رشيد المصري، الذي وُلد في نابلس عام 1934، ويعد رجل أعمال وفاعل خيري فلسطيني بارز. تولّى والده وجده منصب المختار في ظل الحُكمين العثماني والبريطاني. وخلال مسيرته الطويلة، سعى إلى تعزيز الوحدة الفلسطينية، وتطوير مؤسساتها، وتشجيع الحوار بين العرب واليهود، وفي معظم أدواره ظلّ فاعلًا مستقلًا من المجتمع المدني بعيدًا عن السياسة الحزبية. أما باقي مقدّمي العريضة، فيمثّلون شريحةً واسعةً من المتضررين الذين ينتمون إلى مختلف فئات المجتمع الفلسطيني؛ منهم من لا يزال يعيش في فلسطين، ومنهم من هُجّر منها قسرًا. وبعضهم عاش ونجا من الاحتلال البريطاني، فيما ينتمي آخرون إلى أبناء وأحفاد من شهدوا فظائعه. وتتضمن العريضة ملخّصًا لتجاربهم وشهاداتهم.
• مقدمو العريضة الآخرون:
• غصون عبد الله أحمد عبدو التي نشأت في مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، بعدما أُجبر أجدادها على النزوح من منازلهم في كفر كنا بمنطقة الجليل في يوليو/تموز 1948، ومن ترشيحا في أكتوبر/تشرين الأول 1948. ولم يتمكّن أي فرد من عائلتها من العودة إلى ديارهم في الأراضي التي احتُلّت عام 1948.
• عماد فائق شريف أبو كشك الذي تعود أصول عائلته إلى قرية عرب أبو كشك الواقعة شمال يافا (اليوم في إسرائيل). عُرفت عائلته بزراعة الحمضيات وتصديرها إلى أوروبا. وقد أُجبرت العائلة على النزوح ومُنعت من العودة إلى أراضيها التي صنّفتها الحكومة الإسرائيلية الجديدة عام 1948 على أنها "أملاك دولة".
• وليد نجيب مصطفى الأحمد من قرية رمانة في قضاء جنين. كان جدّه وأعمامه يمتلكون مساحات واسعة من الأراضي في مرج ابن عامر التي أصبحت جزءاً من إسرائيل. ولم تتمكّن العائلة من استعادة أراضيها رغم احتفاظها بوثائق الملكية حتى اليوم.
• نصير رحمي حامد عرفات من مدينة نابلس. كان جدّه الأكبر يمتلك أحد أكبر المباني السكنية هناك، يضم خمسين فرداً من العائلة. وخلال الثورة العربية (1936–1939) هُدم المبنى بموجب أمر عسكري أصدره قائد في الجيش البريطاني من دون محاكمة أو إشعار مسبق، ما أدى إلى تهجير العائلة بأكملها.
• أحمد محمود أبو سلعوم من قرية الدوايمة في قضاء الخليل، التي احتُلّت عام 1948. معظم أفراد العائلة فرّوا هرباً من عملية "يوآف" في 28–29 أكتوبر 1948، غير أن عمّ والده كان من بين من قُتلوا في المجزرة التي أعقبت ذلك، وهي موثّقة بشهادات الناجين وسجلات الجيش الإسرائيلي.
• تيسير محمد صالح نصر الله الذي وُلد ونشأ وما زال يعيش في مخيم بلاطة للاجئين في نابلس. تعود أصول عائلته إلى قرية قاقون في قضاء طولكرم. فرّت العائلة حين بدأت هجمات لواء ألكسندروني التابع للهاغاناه على المنطقة قبل الانسحاب البريطاني في مايو 1948، ولم يُسمح لهم بالعودة إلى ديارهم.
• سعيد حسين أحمد الحاج من قرية الطيرة (طيرة دندَن) قرب اليهودية، في قضاء اللد (الآن: اللد). في يوليو 1948، وكان يبلغ الرابعة عشرة، شهد دخول قوات “الهاغاناه” إلى قريته ضمن عملية "داني"، ما أدى إلى تهجير العائلة إلى مخيم بلاطة حيث ما زال يعيش.
• جهاد عزّت يعقوب عيسى الذي نشأ هو الآخر في مخيم بلاطة بعد طرد والديه من قريتهم طيرة دندَن في قضاء اللد إثر استيلاء الميليشيات الصهيونية على الأرض في يوليو 1948. تركت العائلة خلفها الأراضي والمنازل والمواشي والأعمال التجارية، ولم تتمكّن من العودة.
• محمد محمود عبد القادر حرب من قرية مسكة في قضاء طولكرم (اليوم داخل إسرائيل). يبلغ من العمر 88 عاماً. اضطرت عائلته إلى مغادرة مسكة مؤقتاً بعد أن أعدم الجيش البريطاني في 27 مايو 1938 ستة رجال من عائلته الممتدة. وفي أبريل 1948، قبيل الانسحاب البريطاني، غادرت العائلة القرية مجدداً تحت تهديد الميليشيات الصهيونية. وبعد هجمات على المنطقة في مايو 1949، انتقلت إلى جبال حنوطة ثم إلى مخيم بلاطة حيث ما زال يعيش.
• خالد توفيق صبري ذوقان من مدينة يافا، التي تعرّضت بين يناير وأبريل 1948 لهجمات متتالية من "الإرغون" و"الهاغاناه"، بلغت ذروتها في عملية كبرى بتاريخ 25 أبريل 1948. أُجبرت العائلة على النزوح، وانتهى بها المطاف في مخيم بلاطة حيث لا يزال يعيش.
• سميرة بغدادي من مدينة صفد في الجليل الأعلى. في أوائل مايو 1948، قبل انسحاب بريطانيا الكامل، شنّت "الهاغاناه" هجوماً برياً على الجزء العربي من المدينة. كانت تبلغ ثماني سنوات، وتتذكر دخول مسلحين إلى منزل العائلة مهددين حياتهم إن لم يغادروا. نزحت العائلة سيراً على الأقدام إلى سوريا حيث أقامت في مخيم لاجئين، ثم تمكنت لاحقاً عبر دراستها وعملها من الانتقال إلى الولايات المتحدة.
• محمد سعيد بركة من صفورية في قضاء الناصرة، التي دُمّرت عام 1948 بعد انسحاب بريطانيا. شهد والده القوات البريطانية وهي تقتل قرويين بشكل تعسفي، بينهم رجال معاقون، وتحرق منازل. وقد هجّرت عائلته خلال النكبة إثر حملة للهاغاناه تضمنت قصف القرية.
• دانا فرّاج من اللد (اليوم داخل إسرائيل). طُردت عائلتها في يوليو 1948 وأُجبرت على السير في المسيرة الشهيرة التي شكّلت أكبر عملية تهجير سكاني خلال النكبة. استقرّت العائلة في مخيم الجلزون حيث وُلد والدها.
والعريضة القانونية التي قُدمت إلى رئيس الوزراء البريطاني، ووزير الخارجية ديفيد لامي، ووزير الدفاع جون هيلي، والمدعي العام ريتشارد هيرمر، تطالب المملكة المتحدة بتحمل مسؤوليتها عن "انتهاكاتها المتكررة للقانون الدولي"، بما في ذلك جرائم الحرب التي ارتكبت خلال الاحتلال البريطاني لفلسطين بين عامي 1917 و1948.
وتتكون الوثيقة القانونية من 400 صفحة، والتي أعدها فريق من المحامين والخبراء الإقليميين بقيادة بن إميرسون KC ، جرى تسليمها في 7 أيلول / سبتمبر 2025 إلى مقر رئاسة الوزراء البريطانية، وكذلك ووزارة الخارجية، ووزارة الدفاع، ومكتب المدعي العام.
وتسجّل العريضة "أدلة دامغة" على أن بريطانيا انتهكت المعايير القانونية الدولية المطبقة آنذاك. وتفصّل إرث بريطانيا "غير المشروع"، بما في ذلك إعلان بلفور عام 1917، وممارستها دور قوة احتلال خلال "الانتداب" الذي منحت نفسها إياه بلا أساس قانوني، وما تلاه من انتهاكات منهجية بحق الشعب الفلسطيني.
ويتزامن تقديم هذه العريضة مع إطلاق حملة "بريطانيا تحمل ديناً لفلسطين"، وهي تظهر المعاناة الفلسطينية المستمرة التي تعود جذورها مباشرةً إلى انتهاكات بريطانيا للقانون الدولي أثناء فترة احتلالها وانسحابها. وتُلزم الحكومة البريطانية بالرد وإلا قد تواجه مراجعة قضائية أمام المحاكم.
ويمثل هذا التقديم إطلاق حملة "بريطانيا تحمل ديناً لفلسطين"، التي تطالب باعتراف رسمي من المملكة المتحدة بمسؤوليتها واعتذار وتعويضات عن خلق "قرن من القمع". وقد يواجه الوزراء مراجعة قضائية إذا فشلوا في الرد.
وقال المقدّم الرئيسي للعريضة منيب رشيد المصري، الذي أُصيب برصاصة في ساقه على يد الجنود البريطانيين عندما كان في الثالثة عشرة إن "الأزمة الحالية في فلسطين كانت من 'صناعة بريطانية' خلال سلسلة من الانتهاكات الممنهجة وإساءة المعاملة بحق الشعب الفلسطيني. لقد عانينا معًا أكثر من قرن من الاضطهاد. لا يمكن لبريطانيا أن تساهم في بناء سلام عادل اليوم إلا إذا اعترفت بدورها الحاسم في مآسي الماضي. إن الاعتذار سيكون بداية عادلة لما يتوقعه الفلسطينيون من الحكومة البريطانية."
وتضمن بيان مكتوب للمصري، مرفق بالعريضة ممارسات القوات البريطانية التي كانت تجمع أعدادًا كبيرة من الرجال وتقودهم عبر المدن وأيديهم وأرجلهم مقيدة بالحبال، ثم تُحتجز في أقفاص قبل تنفيذ الإعدامات.
من جانبه قال المحامي الدولي لحقوق الإنسان والمقرر الخاص السابق للأمم المتحدة لحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، بن إميرسون KCإن" هذه العريضة تُظهر، من خلال تحليل شامل للأدلة المعاصرة، مدى مسؤولية بريطانيا عن المعاناة الرهيبة في فلسطين، التي يمكن تنسيبها إلى انتهاكات بريطانيا للقانون الدولي أثناء الاحتلال والانسحاب. إن هذه المظالم التاريخية ما زالت تشكل واقع اليوم. بريطانيا تحمل ديناً للشعب الفلسطيني، والعريضة الحالية تستند إلى التزامات المملكة المتحدة الدولية في وجوب جبر الضرر."
وتجمع العريضة بين الأدلة الأصلية الدامغة لانتهاكات بريطانيا، وفق المعايير القانونية الدولية التي كانت ملزمة بها في ذلك الوقت (بما يشمل: قانون الاحتلال وفق لوائح لاهاي 1899/1907، وقانون الانتداب وفق ميثاق عصبة الأمم 1919، وحظر جرائم الحرب وانتهاكات الاعتبارات الإنسانية الأساسية الواردة في اتفاقيات لاهاي والقانون الدولي العرفي، وأخيرًا قانون الأمم المتحدة وفق ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945).
وتضمنت العريضة التي وجهها باسم الشخصيات الفلسطينية رجل الأعمال منيب المصري، الى حكومة ملك بريطانيا، سبعة مطالب عريضة هي:
1. النظر في العريضة وما تستند إليه من أدلة بما يتوافق مع التزامات الحكومة من خلال إعادة تقييم الأدلة المتعلقة بالأخطاء الأخلاقية وغير القانونية التي ارتُكبت خلال الحقبة الاستعمارية البريطانية.
2. إجراء بحث عن أي وثائق أو أدلة أو معلومات لم يُفرج عنها بعد في الأرشيف الوطني البريطاني والتي تدعم مطالب العريضة، وأخذ هذه المواد بعين الاعتبار وإتاحتها للعامة.
3. تبني موقف من العريضة يتسم بالصراحة والشفافية والوضوح، انسجامًا مع الالتزامات المعلنة باحترام سيادة القانون، بما في ذلك القانون الدولي.
4. الرد على العريضة بشكل كامل وعلني.
5. الاعتراف بالانتهاكات التي ارتُكبت خلال تلك الفترة، والعمل على تعزيز وعي المجتمع البريطاني بالعواقب السلبية لتلك الحقبة التاريخية.
6. تقديم اعتذار رسمي علني على شكل بيان يتلوه رئيس الوزراء في مجلس العموم.
7. التحقيق بحسن نية في الأشكال المناسبة للمساءلة، وجبر الضرر، والإنصاف، والاستثمار في الشعب الفلسطيني ودولة فلسطين، في ضوء الانتهاكات والمسؤولية التي تعترف بها بريطانيا.
وكشفت العريضة ان من يقف خلف العريضة تأثروا بشكل مباشر من السياسات البريطانية، وهم يطالبون بالاعتراف بمسؤولية بريطانيا، وتقديم اعتذار عن أخطائها، وبدء مسار للمساءلة والتعويض. وقد اختاروا تقديم عريضة قانونية إلى الحكومة البريطانية ("العريضة").
ورغم ان الشكاوى ليست جديدة، لكن العريضة بحد ذاتها جديدة، كونها تعرض في أكثر من 400 صفحة أدلةً دامغةً على أفعال بريطانيا وإخفاقاتها والانتهاكات القانونية التي ارتكبتها، إضافةً إلى الخروقات التي مست مبادئ القانون الدولي آنذاك دون أي إنصاف حتى اليوم. كما توضّح آلية تقديم التعويضات، وتتضمّن تفاصيل عن مقدِّميها وتبيّن مطالبهم السبعة.
وأكد مقدِّمو العريضة بوضوح أنّ الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي صُنع في بريطانيا إلى حدٍ كبير، من خلال احتلالها لفلسطين عام 1917، وتراجعها عن التعهدات التي قطعتها للشعوب العربية، ثم فرضها نظام الانتداب عام 1922، حيث غيّرت بريطانيا الطابع القانوني والسياسي والديمغرافي للأرض من دون أن تمتلك أي سلطة شرعية تخوّلها ذلك. وتتحمّل بريطانيا مسؤولية مباشرة ومستمرة عن الكارثة التي تلت تلك الأحداث، عبر قمعها لحركات المقاومة الوطنية، ثم تخلّيها عن الشعب العربي الفلسطيني عام 1948.
وقدمت العريضة التي أطلعت عليها "وطن" عرضا مستفيضاً، يوضح مسؤولية بريطانيا عن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، منذ احتلالها فلسطين من عام 1917 حتى عام 1948، وزعمها أن الانتداب الذي فرضته يمنحها الحق في حماية السكان وتسهيل انتقالهم إلى الحكم الذاتي، مشيرة الى ان انسحاب بريطانيا من فلسطين تركها فلسطين تعاني انقسامًا عميقًا.
وبينت العريضة أن السياسات البريطانية المتتالية، ابتداءً من وعد بلفور الذي تعهّد بمنح الشعب اليهودي وطنًا قوميًا في بلد كان معظم سكانه من العرب الفلسطينيين، أسهمت في تعزيز الصراع العنيف وتمهيد عملية التقسيم.
ولفتت العريضة الى أن "هذه الأحداث ليست مجرد وقائع تاريخية؛ بل لا تزال تبعاتها ماثلة حتى يومنا هذا. ومع ذلك، لم تعترف بريطانيا أبدًا بخطاياها وإخفاقاتها، لا من الناحية الأخلاقية ولا من الناحية القانونية، وما زالت تتصرّف كما لو أنها لا تتحمّل أي مسؤولية تجاه فلسطين."
وصنفت العريضة الانتهاكات الدولية التي ارتكبتها بريطانيا في ثلاث مراحل رئيسية: الاحتلال، القمع، ثم التخلي والتقسيم.
وفيما يلي ملخص العريضة الذي أطلعت عليه وطن، والتي قدمت الى الحكومة البريطانية:
عريضة بخصوص مسؤولية بريطانيا عن الصراع الفلسطيني –الإسرائيلي: ملخص
احتلت بريطانيا فلسطين من عام 1917 حتى عام 1948، مدّعية أن الانتداب الذي فرضته يمنحها الحق في حماية السكان وتسهيل انتقالهم إلى الحكم الذاتي. غير أن انسحابها ترك فلسطين تعاني انقسامًا عميقًا. فقد أسهمت السياسات البريطانية المتتالية، ابتداءً من وعد بلفور الذي تعهّد بمنح الشعب اليهودي وطنًا قوميًا في بلد كان معظم سكانه من العرب الفلسطينيين، في تعزيز الصراع العنيف وتمهيد عملية التقسيم.
هذه الأحداث ليست مجرد وقائع تاريخية؛ بل لا تزال تبعاتها ماثلة حتى يومنا هذا. ومع ذلك، لم تعترف بريطانيا أبدًا بخطاياها وإخفاقاتها، لا من الناحية الأخلاقية ولا من الناحية القانونية، وما زالت تتصرّف كما لو أنها لا تتحمّل أي مسؤولية تجاه فلسطين.
اجتمعت مجموعةٌ من الفلسطينيين، الذين تأثرت حياتهم بهذه الأحداث، في أيلول/سبتمبر 2025 للمطالبة بالاعتراف بمسؤولية بريطانيا، وتقديم اعتذار عن أخطائها، وبدء مسار للمساءلة والتعويض. وقد اختاروا تقديم عريضة قانونية إلى الحكومة البريطانية ("العريضة"). هذه الشكاوى ليست جديدة، لكن العريضة بحد ذاتها جديدة، إذ تعرض في أكثر من 400 صفحة أدلةً دامغةً على أفعال بريطانيا وإخفاقاتها والانتهاكات القانونية التي ارتكبتها، إضافةً إلى الخروقات التي مست مبادئ القانون الدولي آنذاك دون أي إنصاف حتى اليوم. كما توضّح آلية تقديم التعويضات، وتتضمّن تفاصيل عن مقدِّميها وتبيّن مطالبهم السبعة.
مضمون الشكوى
يؤكد مقدِّمو العريضة بوضوح أنّ الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي صُنع في بريطانيا إلى حدٍ كبير.
فمن خلال احتلالها لفلسطين عام 1917، وتراجعها عن التعهدات التي قطعتها للشعوب العربية، ثم فرضها نظام الانتداب عام 1922، غيّرت بريطانيا الطابع القانوني والسياسي والديمغرافي للأرض من دون أن تمتلك أي سلطة شرعية تخوّلها ذلك. وتتحمّل بريطانيا مسؤولية مباشرة ومستمرة عن الكارثة التي تلت تلك الأحداث، عبر قمعها لحركات المقاومة الوطنية، ثم تخلّيها عن الشعب العربي الفلسطيني عام 1948.
وتصنّف العريضة الانتهاكات الدولية التي ارتكبتها بريطانيا في ثلاث مراحل رئيسية: الاحتلال، القمع، ثم التخلي والتقسيم.
الاحتلال
شهدت الفترة ما بين 1917 و1948 سيطرة بريطانيا على فلسطين من دون أي سند شرعي. وخلال ذلك ارتكبت ما لا يقل عن أربعة انتهاكات، يُشكّل كل واحد منها خرقًا لمعايير القانون الدولي السائدة آنذاك:
● أولًا: تنكرت بريطانيا دون أي خجل لمراسلات الحسين–مكماهون من خلال عدم وفائها بالتزاماتها تجاه استقلال العرب، بما في ذلك فلسطين، مفضِّلة عليها الوعود المتعارضة التي تضمنها وعد بلفور.
● ثانيًا: بصفتها قوة احتلال بين عامي 1917 و1924، غيّرت بريطانيا بصورة غير قانونية الوضعين القانوني والسياسي القائمين، إذ سهّلت الهجرة اليهودية وعمليات الاستيطان، انتهاكًا لما تفرضه لوائح لاهاي، التي تُلزم قوة الاحتلال بالحفاظ على مؤسسات الأرض المحتلة.
● ثالثًا: كان انتداب فلسطين باطلًا من أساسه؛ إذ تجاوز صلاحيات ميثاق عصبة الأمم، وتعارض مع معاهدة لوزان، كما فُرض من دون استشارة السكان الأصليين.
● رابعًا: استمرت بريطانيا في احتلالها حتى عام 1948، ومنعت العرب الفلسطينيين من ممارسة أي حكم ذاتي فعّال، وشوَّهت البنية الاقتصادية والديموغرافية للأرض، وعزَّزت الانقسامات العرقية–القومية، وهيَّأت الظروف لاندلاع الصراع العنيف.
القمع
وُلدت الثورة العربية بين عامي 1936 و1939 من رحم اليأس، نتيجة إنكار الحق في الإنصاف الديمقراطي، فقابلتها بريطانيا بقوانين طوارئ وإجراءات وحشية منهجية. وتمثل ردّها في فرض إجراءات قمعية شملت الاعتقال التعسفي والعقاب الجماعي والتحقيق تحت الإكراه والقتل خارج نطاق القضاء. لقد شكلت هذه السياسات "حكما بالقانون" – أي استخدام القانون أداةً للقمع – بدلًا من سيادة القانون الحقيقية. وتُعدّ الأفعال التي ارتكبتها بريطانيا آنذاك جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وفقًا للقوانين والأعراف الحربية، و"قوانين الإنسانية" التي تبلورت في القانون الدولي العُرفي بحلول ثلاثينيات القرن العشرين. كما غدت الأساليب الاستعمارية البريطانية في القمع نموذجًا صُدِّر لاحقًا إلى أراضٍ أخرى، وانتقل بصورة غير مباشرة إلى الممارسات الإسرائيلية بعد عام 1948.
التخلي والتقسيم
كان الانتهاء المنطقي لسياسات الاحتلال والقمع البريطانية هو تفكيك فلسطين ككيان سياسي موحَّد عام 1948. فبعد أن دفعت بريطانيا نحو خيار التقسيم باعتباره حلًّا للانقسامات التي كانت هي نفسها قد غذّتها، انسحبت على عجل، معرقلةً عمل لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين، ومتخلّفة عن الوفاء بالتزاماتها بموجب المادة 73 من ميثاق الأمم المتحدة وأحكام قانون الاحتلال. لقد توقعت بريطانيا ما سيترتّب على انسحابها، لكنها لم تفعل شيئًا لمنع الفظائع وعمليات الطرد التي نفّذتها الجماعات الصهيونية المسلحة ضد الفلسطينيين. وكانت النكبة – أي التهجير الكارثي لما يقارب 750 ألف فلسطيني – نتيجة متوقَّعة كان بالإمكان تجنّبها، وهي مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بتخلّي بريطانيا عن مسؤولياتها.
قانون مسؤولية الدولة
يؤكد القانون الدولي على مبدأ المساءلة وجبر الضرر عن الانتهاكات، حتى مع مرور الزمن. تستند العريضة إلى مواد لجنة القانون الدولي بشأن مسؤولية الدول (2001)، التي تُعَدّ اليوم بمثابة تقنين للقواعد العُرفية في القانون الدولي المتعلقة بجبر الضرر. وتنص هذه المواد على أن كل فعل غير مشروع دوليًا يستتبع المسؤولية (المادة 1)، وأن توصيف هذه الأفعال يُحدَّد وفقًا للقانون الدولي لا للقوانين الداخلية (المادة 3)، وأن نتيجته المباشرة هي الالتزام بجبر الضرر الكامل (المادة 31). ويشمل جبر الضرر، بحسب هذه المواد: إعادة الحال إلى ما كان عليه، أو التعويض المالي، أو الإنصاف المعنوي (المادة 34). أما الإنصاف المعنوي، فيتجسّد في أشكال متعدّدة مثل الاعتراف بالخطأ، أو التعبير عن الندم، أو الاعتذار الرسمي، أو اتخاذ أي تدابير أخرى ملائمة (المادة 37).
وبناءً على ذلك، تظل بريطانيا ملزَمة بواجب جبر الضرر الناتج عن الانتهاكات التي ارتكبتها في فلسطين خلال الفترة ما بين 1917 و1948.
مطالب العريضة السبعة
صاغ مقدّمو العريضة سبعة مطالب محدَّدة موجَّهة إلى حكومة جلالة الملك، لا يقتصر هدفها على الاعتراف بالمسؤولية التاريخية، بل تهدف أيضًا إلى بدء مسار للمصالحة وجبر الضرر، وفتح الطريق نحو تحقيق العدالة:
8. النظر في العريضة وما تستند إليه من أدلة بما يتوافق مع التزامات الحكومة من خلال إعادة تقييم الأدلة المتعلقة بالأخطاء الأخلاقية وغير القانونية التي ارتُكبت خلال الحقبة الاستعمارية البريطانية.
9. إجراء بحث عن أي وثائق أو أدلة أو معلومات لم يُفرج عنها بعد في الأرشيف الوطني البريطاني والتي تدعم مطالب العريضة، وأخذ هذه المواد بعين الاعتبار وإتاحتها للعامة.
10. تبني موقف من العريضة يتسم بالصراحة والشفافية والوضوح، انسجامًا مع الالتزامات المعلنة باحترام سيادة القانون، بما في ذلك القانون الدولي.
11. الرد على العريضة بشكل كامل وعلني.
12. الاعتراف بالانتهاكات التي ارتُكبت خلال تلك الفترة، والعمل على تعزيز وعي المجتمع البريطاني بالعواقب السلبية لتلك الحقبة التاريخية.
13. تقديم اعتذار رسمي علني على شكل بيان يتلوه رئيس الوزراء في مجلس العموم.
14. التحقيق بحسن نية في الأشكال المناسبة للمساءلة، وجبر الضرر، والإنصاف، والاستثمار في الشعب الفلسطيني ودولة فلسطين، في ضوء الانتهاكات والمسؤولية التي تعترف بها بريطانيا.
الخاتمة
لا تنصرف العريضة إلى مسألة الاعتراف بإسرائيل بعد عام 1948 في إطار القانون الدولي. بل تركّز على الدور التاريخي لبريطانيا والحاجة الماسّة إلى الاقرار وجبر الضرر. وهي تقوم على مبدأ أن العدالة تتطلب مواجهة الماضي بشجاعة وصدق. ويؤكد مقدّمو العريضة أن المملكة المتحدة تتحمّل مسؤولية خاصة عن جذور الصراع القائم حتى اليوم، وأن الاعتراف بهذه المسؤولية يُشكّل خطوة أساسية على طريق المصالحة. ومع مواجهة الفلسطينيين أخطر أزماتهم منذ عام 1948، يصبح التحرّك العاجل أمرًا بالغ الأهمية. وتشكل المطالب السبعة نقطة الانطلاق لوجوب وفاء بريطانيا بالتزاماتها المستمرة بموجب القانون الدولي، ولبدء مسار إصلاح الضرر الذي خلّفه ماضيها الاستعماري.
مقدّمو العريضة
المقدِّم الرئيسي للعريضة هو منيب رشيد المصري، الذي وُلد في نابلس عام 1934، ويعد رجل أعمال وفاعل خيري فلسطيني بارز. تولّى والده وجده منصب المختار في ظل الحُكمين العثماني والبريطاني. وخلال مسيرته الطويلة، سعى إلى تعزيز الوحدة الفلسطينية، وتطوير مؤسساتها، وتشجيع الحوار بين العرب واليهود، وفي معظم أدواره ظلّ فاعلًا مستقلًا من المجتمع المدني بعيدًا عن السياسة الحزبية. أما باقي مقدّمي العريضة، فيمثّلون شريحةً واسعةً من المتضررين الذين ينتمون إلى مختلف فئات المجتمع الفلسطيني؛ منهم من لا يزال يعيش في فلسطين، ومنهم من هُجّر منها قسرًا. وبعضهم عاش ونجا من الاحتلال البريطاني، فيما ينتمي آخرون إلى أبناء وأحفاد من شهدوا فظائعه. وتتضمن العريضة ملخّصًا لتجاربهم وشهاداتهم.
• مقدمو العريضة الآخرون:
• غصون عبد الله أحمد عبدو التي نشأت في مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، بعدما أُجبر أجدادها على النزوح من منازلهم في كفر كنا بمنطقة الجليل في يوليو/تموز 1948، ومن ترشيحا في أكتوبر/تشرين الأول 1948. ولم يتمكّن أي فرد من عائلتها من العودة إلى ديارهم في الأراضي التي احتُلّت عام 1948.
• عماد فائق شريف أبو كشك الذي تعود أصول عائلته إلى قرية عرب أبو كشك الواقعة شمال يافا (اليوم في إسرائيل). عُرفت عائلته بزراعة الحمضيات وتصديرها إلى أوروبا. وقد أُجبرت العائلة على النزوح ومُنعت من العودة إلى أراضيها التي صنّفتها الحكومة الإسرائيلية الجديدة عام 1948 على أنها "أملاك دولة".
• وليد نجيب مصطفى الأحمد من قرية رمانة في قضاء جنين. كان جدّه وأعمامه يمتلكون مساحات واسعة من الأراضي في مرج ابن عامر التي أصبحت جزءاً من إسرائيل. ولم تتمكّن العائلة من استعادة أراضيها رغم احتفاظها بوثائق الملكية حتى اليوم.
• نصير رحمي حامد عرفات من مدينة نابلس. كان جدّه الأكبر يمتلك أحد أكبر المباني السكنية هناك، يضم خمسين فرداً من العائلة. وخلال الثورة العربية (1936–1939) هُدم المبنى بموجب أمر عسكري أصدره قائد في الجيش البريطاني من دون محاكمة أو إشعار مسبق، ما أدى إلى تهجير العائلة بأكملها.
• أحمد محمود أبو سلعوم من قرية الدوايمة في قضاء الخليل، التي احتُلّت عام 1948. معظم أفراد العائلة فرّوا هرباً من عملية "يوآف" في 28–29 أكتوبر 1948، غير أن عمّ والده كان من بين من قُتلوا في المجزرة التي أعقبت ذلك، وهي موثّقة بشهادات الناجين وسجلات الجيش الإسرائيلي.
• تيسير محمد صالح نصر الله الذي وُلد ونشأ وما زال يعيش في مخيم بلاطة للاجئين في نابلس. تعود أصول عائلته إلى قرية قاقون في قضاء طولكرم. فرّت العائلة حين بدأت هجمات لواء ألكسندروني التابع للهاغاناه على المنطقة قبل الانسحاب البريطاني في مايو 1948، ولم يُسمح لهم بالعودة إلى ديارهم.
• سعيد حسين أحمد الحاج من قرية الطيرة (طيرة دندَن) قرب اليهودية، في قضاء اللد (الآن: اللد). في يوليو 1948، وكان يبلغ الرابعة عشرة، شهد دخول قوات “الهاغاناه” إلى قريته ضمن عملية "داني"، ما أدى إلى تهجير العائلة إلى مخيم بلاطة حيث ما زال يعيش.
• جهاد عزّت يعقوب عيسى الذي نشأ هو الآخر في مخيم بلاطة بعد طرد والديه من قريتهم طيرة دندَن في قضاء اللد إثر استيلاء الميليشيات الصهيونية على الأرض في يوليو 1948. تركت العائلة خلفها الأراضي والمنازل والمواشي والأعمال التجارية، ولم تتمكّن من العودة.
• محمد محمود عبد القادر حرب من قرية مسكة في قضاء طولكرم (اليوم داخل إسرائيل). يبلغ من العمر 88 عاماً. اضطرت عائلته إلى مغادرة مسكة مؤقتاً بعد أن أعدم الجيش البريطاني في 27 مايو 1938 ستة رجال من عائلته الممتدة. وفي أبريل 1948، قبيل الانسحاب البريطاني، غادرت العائلة القرية مجدداً تحت تهديد الميليشيات الصهيونية. وبعد هجمات على المنطقة في مايو 1949، انتقلت إلى جبال حنوطة ثم إلى مخيم بلاطة حيث ما زال يعيش.
• خالد توفيق صبري ذوقان من مدينة يافا، التي تعرّضت بين يناير وأبريل 1948 لهجمات متتالية من "الإرغون" و"الهاغاناه"، بلغت ذروتها في عملية كبرى بتاريخ 25 أبريل 1948. أُجبرت العائلة على النزوح، وانتهى بها المطاف في مخيم بلاطة حيث لا يزال يعيش.
• سميرة بغدادي من مدينة صفد في الجليل الأعلى. في أوائل مايو 1948، قبل انسحاب بريطانيا الكامل، شنّت "الهاغاناه" هجوماً برياً على الجزء العربي من المدينة. كانت تبلغ ثماني سنوات، وتتذكر دخول مسلحين إلى منزل العائلة مهددين حياتهم إن لم يغادروا. نزحت العائلة سيراً على الأقدام إلى سوريا حيث أقامت في مخيم لاجئين، ثم تمكنت لاحقاً عبر دراستها وعملها من الانتقال إلى الولايات المتحدة.
• محمد سعيد بركة من صفورية في قضاء الناصرة، التي دُمّرت عام 1948 بعد انسحاب بريطانيا. شهد والده القوات البريطانية وهي تقتل قرويين بشكل تعسفي، بينهم رجال معاقون، وتحرق منازل. وقد هجّرت عائلته خلال النكبة إثر حملة للهاغاناه تضمنت قصف القرية.
• دانا فرّاج من اللد (اليوم داخل إسرائيل). طُردت عائلتها في يوليو 1948 وأُجبرت على السير في المسيرة الشهيرة التي شكّلت أكبر عملية تهجير سكاني خلال النكبة. استقرّت العائلة في مخيم الجلزون حيث وُلد والدها.


