اتصل بنا
 

مايك بومبيو وزير خارجية من نوع مختلف لتأكيد استراتيجيات ترامب

نيسان ـ نشر في 2018-05-08 الساعة 10:53

x
نيسان ـ

بدا وزير الخارجية الأميركي الجديد مايك بومبيو، يوم الجمعة الماضي، مزهوا ومتباهيا، وهو يدعو إلى دبلوماسية قوية تهدف إلى “حل المشاكل سلميا، من دون الحاجة إلى إطلاق رصاصة واحدة”.

بومبيو كان يتحدث أمام مجموعة من الدبلوماسيين الأميركيين في وزارة الخارجية معترفا بالقول “نحن نمر بأوقات عصيبة، وتوجد مطالب بأن تكون هناك قيادة قوية، ومن الضروري أن يقف فريقنا في وجه التهديدات بشجاعة وقوة”.

وأضاف “لحسن الحظ، لدينا رئيس يؤمن أيضا بالدبلوماسية القوية التي تستخدم بالكامل كل أدوات القوة الوطنية للدفاع قبل كل شيء عن مصالح الولايات المتحدة وقيمها”.

الرئيس القوي الذي يتحدث عن بومبيو لم يطل عهد الوفاق بينه وبين ووزير خارجيته الذي أصبح اليوم سابقا، ريكس تيلرسون. هو ذاته الذي رأى فيه دونالد ترامب في حينه ” تجسيدا للحلم الأميركي” واعتبره مثالا “للعمل الدؤوب وتحقيق النجاحات الذكية والإخلاص وعقد الصفقات”، حسب تعبيره. ولم تؤهله “المثابرة والخبرات الواسعة وتفهمه العميق للشؤون الجيوسياسية” ليكون مرشحا ممتازا لوزارة الخارجية، بل أقاله ترامب، ولم يعد ينتظر منه “تعزيز الاستقرار الإقليمي ومصالح الأمن القومي” في إدارته المكونة من ممثلي عمالقة الشركات الكبرى وأغنى اللاعبين في وول ستريت.

استراتيجيات ضد إيران
ذهبت الآراء والتفسيرات كل مذهب، وظلّ الجميع مترقبا للنجاحات، التي يمكن أن يحققها بديله بومبيو، السياسي الكاليفورني المعروف كرجل أعمال بارز، وكواحد من صقور الحزب الجمهوري، وعضو حزب الشاي، بعد أن تقلّد عدة مناصب هامة، فقد عمل ضابطا في الجيش الأميركي، ودرس في جامعة هارفارد بعد تقاعده من الجيش. وعمل أيضا محاميا في واشنطن، وأسس شركة للطيران وترأس شركة أخرى لتصنيع معدات حقول النفط.

وكان أبرز الملفات التي تولى مسؤوليتها بومبيو حين تم تعيينه مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية، ثم عضوا في الكونغرس عن ولاية تكساس ما بين 2011 و2017 وعضوا في اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري.

مجلس الشيوخ أقر هذا التعيين في 26 أبريل الماضي، وباشر الرجل مهامه في نفس اليوم، ثمّ انطلق بعد يومين في رحلته التأسيسية الأولى، لتشمل أضلاع مثلث المصالح الأميركية وركائزه الرئيسية في السعودية وإسرائيل والأردن، بهدف إقامة حلف ثلاثي، يواجه به الحلف الروسي الإيراني التركي، وليحدد من خلاله كيفية تناوله لأهم الملفات التي تناولها بتصريحاته، واعتبرت تأكيدا على ركائز السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة والعالم.

السلك الداعم والمموّل للسياسة الأميركية تترأسه السعودية، التي رسخت علاقتها مع هذه الإدارة اعتبارا من أوّل زيارة خارجية لترامب، ثم عبر الزيارة المطولة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة، وعقده المزيد من الصفقات والاتفاقيات، والدفع بالمزيد من الأموال مقابل ما يسميه ترامب الحماية الأميركية، وتعويضا عن التكاليف التي دفعتها بلاده في سوريا واليمن والعراق.

ويبدو أن ما فشل فيه سلفه تيلرسون، بات واضحا حتى الآن أن بومبيو يتصرف عكسه، بما أبداه من انسجام مع رئيسه ومن جدية واندفاع، في تنفيذ توجهاته في الخليج العربي والمنطقة بشكل عام، قد رسّخ خطا سياسيا ودبلوماسيا لا عودة عنه، بدأه بتفعيل خطّ اتصال بين الرياض وتل أبيب وعمّان، بهدف مواجهة إيران والحلف الروسي الإيراني التركي، بحيث تأخذ السعودية فيه موقع المموّل والمحرض، وتتقدم إسرائيل إلى موقع قلب الهجوم لهذه السياسات، فقد كان لافتا إعلان الخارجية الأميركية عن استعدادات إسرائيلية للحرب على إيران في سوريا، قبل أن تذهب كلاهما إلى نفيه.

جاء بعدها تأكيد بومبيو ثقته في دقة الوثائق والمعلومات التي استعرضها نتنياهو مع اقتراب 12 من مايو الجاري، والتي تشير إلى متابعة إيران لبرنامجها السري النووي، حتى بدا الوجود الإيراني مطوقا معنويا وجيوستراتيجيا ومهددا عسكريا في سوريا ولبنان بحرب مفتوحة، لم تزل تهيئ إسرائيل أجواءها بالغارات المتكررة، آخرها على مطار تي فور وحماة، وعينها على واشنطن، حيث لم يتضح لها بعد إلى أي حدّ يمكن أن يذهب ترامب في هذه المواجهة، في ظلّ أصوات غربية، أخذت ترتفع برفض التخلّي عن الاتفاق النووي (1+5) مع إيران.

ولأنه ليس من مصلحة إسرائيل فتح صراع عسكري شامل في المنطقة من دون المظلة الأميركية، يبدو أنّ السعي الأميركي الإسرائيلي حتى الآن لا يزال منصبا على إقلاق الوجود الإيراني، والضغط عليه للقبول بتعديل الاتفاق النووي أولا وللتراجع استراتيجيا بعيدا عن الحدود الإسرائيلية، وعن الهيمنة والتمدد في مناطق حيوية لواشنطن وحلفائها في سوريا.

وبعيدا عن الشغب الإيراني المهوّس بقضية القدس والمقاومة وعن إمكانية تحريك ذيلها اللبناني “حزب الله”، الذي بات متحفزا لتقديم الكيان اللبناني قربانا في حرب إنقاذية انتحارية لصالح سيده الإيراني، وحيث تتلاقى في الجهة المقابلة اندفاعة بومبيو مع اندفاعة نتنياهو التائق إلى توجيه الأنظار بعيدا عن ملف الفساد وإلى إحياء الدور الوظيفي لإسرائيل في المنطقة، بعد سنوات من القفز فوقها، تأتي إشارة بومبيو إلى عمل وزارته على إعادة الأمن والاستقرار إلى جنوب شرق سوريا، بوصفه منطقة “خفض توتر” بنفوذ أميركي تتشارك فيه مع كل من إسرائيل والأردن، ويتطلّب إبعاد الوجود الإيراني إلى ما لا يقل عن أربعين كيلو مترا.

أجندة مفتوحة

هكذا حددت أول زيارة ناجحة للوزير بومبيو ركائزها الإقليمية وطريقة التوجه إلى تنفيذها، بالاستفادة من ارتياح أولي تركته التطورات الإيجابية المفاجئة في الملف الكوري، وإعلان ترامب استعداده للقاء نظيره الشمالي في المنطقة الحدودية بين الكوريتين، بحيث تسمح الفرصة المواتية بتكريس المزيد من جهد الرئيس الأميركي ووزير خارجيته، لمعالجة قضايا وملفات ساخنة أخرى.

يشيد بومبيو بما يسمّيه “الجهد الدبلوماسي الضخم لإبقاء الضغط على كوريا الشمالية لدفعها نحو التفاوض، من أجل القضاء بنجاح على تهديد الترسانة النووية لكيم جونغ أون”.

أفكار كهذه تؤهل ترامب، فوق كل ما سلف، للاستمرار بقذف مبادرات استفزازية في سوق التجارة الدولية، لا تعفي حتى حلفاءه الغربيين من سيئاتها، وفي المحصلة غير النهائية.

يبدو ترامب المندفع بأنانية وتلقائية “رجل البزنس النهم”. وبتشاطره وخفته في تجميع الخصوم ضده وتفريق الشركاء، وكأنه يضع العالم في حالة تأزّم عامة، غير مكترث بالشأن العراقي والسوري أو الليبي أو اليمني، إلا في إطار مواجهة إيران وطمأنة إسرائيل بالدرجة الأولى. فإدارته لم تطرح أي نهج واضح في المسألة السورية علـى سبيل المثال، سوى تأكيدها على ضرورة الانتصار على داعش، وعموميات الحل السياسي، فقد اقتصرت تصريحات بومبيو في عمان أواخر أبريل الماضي وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الأردني أيمن الصفدي على قوله “إنّ بلاده ملتزمة بوقف إطلاق النار جنوب شرقي سوريا، وتدعم جهود الأمم المتحدة في مؤتمر جنيف للحل السياسي، وتقديم المساعدات الإنسانية وتخفيف العنف ومنع استخدام الأسلحة الكيمياوية ودعم تسوية سياسية في سوريا”.

هذا كله يتجاهل تداعيات هامة في الموقف الأميركي، بدأت منذ الضربة الموجعة لقوات روسية ملتبسة شرق الفرات، ومن ثمّ إفشال مؤتمر سوتشي، وتسليم ملف تشكيل اللجنة الدستورية إلى ممثل الأمم المتحدة وتحييده عن الاستفراد الروسي وثلاثي الأستانة، وكذلك الهجوم الأميركي الغربي على مواقع للنظام، بعد جريمته باستخدام الكيمياوي في دوما وتغطية الروس على هذه الجريمة. وكلها تندرج في عموميات جرى تأكيدها أكثر من مرة وأعاد بومبيو التأكيد عليها، ومنها أنّ أميركا ستركز على مواجهة إيران وإحلال الاستقرار في العراق وسوريا وهزيمة داعش وإخماد الحرب الكارثية المشتعلة في اليمن، وهي لم تزل تصريحات هوائية، تنتظر تحويلها إلى أجندات وتوافقات مع الجانب الروسي، الذي يستقوي بشرعية وجوده المدعاة والساعي إلى الاستفراد بالحل مع شركائه في مؤتمر إسطنبول الثلاثي.

ليس فقط، انتقال بومبيو من الرياض إلى تلّ أبيب مباشرة واستثنائه زيارة رام الله، ما يلفت الأنظار، بل يتضح ذلك في الردّ على إيقاف السلطات الفلسطينية التعاطي مع إدارته، وإعلان افتخاره، شخصيا، بقرار نقل سفارة بلاده إلى القدس. وأيضا في تأكيد الحضور السعودي على الخطّ الساخن، حيث يحضر العداء لإيران وسياساتها، وقد جعله بومبيو سلسا ومكشوفا وحيويا، والمطلوب من الرياض أن تبتلع تصريحات بومبيو ورده غير المباشر على تأكيدات الملك سلمان بأن فلسطين ستبقى القضية العربية الأولى للسعودية، واستثماره في تصريحات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الدبلوماسية المرنة، حول حقوق شعوب المنطقة في إقامة كياناتها الخاصة، منتقلا إلى دعوة الفلسطينيين إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، وتأكيد دعم بلاده حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها، والتذكير بأن دونالد ترامب حين اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل وأمر بنقل السفارة إليها، أعاد التأكيد على دعمه لحل الدولتين، على أن يحدد الطرفان بالمفاوضات مصير المدينة المقدسة، وأن بلاده تدعم الوضع الراهن في الحرم القدسي، معربا عن تقديره للدور الأردني في رعاية المقدسات، وأنه جرى توقيع مذكرة تفاهم لتقديم مساعدات إلى الأردن على مدى الخمس سنوات المقبلة، لمواجهة تداعيات ما سماه الأزمة السورية التي تشكل تهديدا للأمن والاستقرار الأردني.

بومبيو في كل اتجاه
يبرز دور بومبيو بقوة في أكثر من ملف على امتداد خارطة المصالح الأميركية، مستخدما الصدمة في تعاملاته الأولى مع المواضيع العديدة. ولم تنج أميركا اللاتينية من سياط استراتيجته المعلنة حتى الآن، فقد انتقدت فنزويلا الأحد تعليقات بومبيو بشأن حكومة الرئيس نيكولاس مادورو ونددت “بالسياسات المتعصبة” وما سمّته بـ”عدوان نظام دونالد ترامب”.

وكان بومبيو قد قال مؤخرا إن “دكتاتور اليوم في فنزويلا يشلّ اقتصادها ويجوع شعبه” وحث وزارة الخارجية على مساعدة الفارين من البلاد.

شخصية بومبيو تجمع تناقضات عديدة، فحين تم تعيينه رئيسا للمخابرات المركزية، نقلت صحيفة إندبندنت البريطانية عن منظمات حقوقية قولها إن هناك مخاوف بالغة بدأت تحوم بعد هذا القرار، فمن المتوقع أن بومبيو سوف يأمر باستخدام تلك الأساليب مع أجهزة مراقبة متطورة في الوكالة وبطرق من المرجح أن تنتهك حقوق الإنسان على نطاق واسع. تضيف الصحيفة مستغربة مواقف بومبيو أنه وفي بيان نشر على موقعه على الإنترنت في سبتمبر 2014، كان قد انتقد أوباما لحظره استخدام أساليب قاسية في التعذيب “مثل محاكاة الغرق”. تقول إندبندنت إن طريقة “محاكاة الغرق” التي يحبذها بومبيو، طريقة تعتبر على نطاق واسع من أشد أساليب التعذيب قسوة من قبل المراقبين القانونيين المستقلين.

وأثناء عمله قام بومبيو بدعم برامج مراقبة الإنترنت بشدة وحزم، حيث قال عن العميل السابق إدوارد سنودن، الذي سرّب الكثير من الوثائق التي صنّفت سرية للغاية، إنه يجب أن “يعود من روسيا، نظرا للإجراءات القانونية الواجبة. أعتقد أن النتيجة العادلة بحقه هي عقوبة الإعدام، لأنه عرّض أصدقاء مقربين لي لمخاطر جسيمة بسبب معلومات سرقها ثم سربها لجهات أجنبية”.

تبدو مهمة بومبيو محددة وواضحة في ذهن ترامب، إيران وحسب، فهو الشخص المناسب للقيام بذلك. أليس بومبيو من كتب على صفحات واشنطن بوست أيام أوباما مقالا مشتركا مع عضو مجلس الشيوخ توم كوتون بالحرف الواحد “يتحرك أعداؤنا داخل سوريا دون عقاب، فإيران وحزب الله يرسلان إلى الأسد الآلاف من القوات البرية والأسلحة لمقاتلة المتمردين والمعارضة السورية، ومشاركتهما قلبت المعادلة لصالح الأسد في الأشهر الأخيرة، وروسيا تواصل دعمها لسوريا”. ويضيف بومبيو كما في كل مرة يتحدث فيها عن الشرق الأوسط أن “إيران أكبر داعم للإرهاب في العالم”. وهاهو اليوم يقول مجددا “نحن نحتاج إلى جهود دبلوماسية قوية في الشرق الأوسط، لكبح سلوك إيران المزعزع للاستقرار في سوريا واليمن والمنطقة”.

العرب

نيسان ـ نشر في 2018-05-08 الساعة 10:53

الكلمات الأكثر بحثاً