أوراق الشوق والفاكهة !
ماجد شاهين
أديب أردني
نيسان ـ نشر في 2018-05-08 الساعة 17:14
( 1 ) رصيف !
ما نفع ُ رصيف ٍ من غير ' كرسي ّ ' هناك في انتظارك ؟
ما نفع ُ فاكهة ٍ من دون فمك ،
و ما نفع ُ ' ركوة القهوة ' من غير أصابعك ؟
تماما ً ،
مثلما زقاق الحارة ِ لا ينفع من غير ' دندناتك ' في النافذة ، أو من دون منديلك المعلّق لكي يجف ّ في الهواء هناك !
ما نفع ُ أنا ، من غير أنت ِ ؟!
( 2 ) ولد القليل !
لم أنس َ مفاتيحي في جيب ِ أحد ،
ولا تركت ' صرّة الخبز ' عند بائع ' الصابون ' ، مثلما قالت عنـّي امرأة فقدت فرصتها في نافذة .. و لا خبأت ُ شيئا ً في كوّة الجدار العالية .
لم يكن عندي ما أدسّه في جيب القميص أو ' بين حجرين ' في جدار جارتنا ،
لم يكن لديّ ما أعدّه على أصابعي ،
لم يكن سوى أنا !
أنا الولد القليل الذي لم يفقد روحه مع افتراق أبوين ، لم ترق لهما الحياة معا ً ،
أنا الولد الذي زرع أكثر ممـّا ينبغي أو أكثر ممـّا يحتمل ، ولكنه فقد فرصته في أن يحصد شيئا ً !
أنا لم أنس َ قصّتي في دفاتر الأولاد ،
لم انس َ رائحتي في ' منديلها ' ،
أنا الولد الذي لم تكن المناديل تعبق بالرائحة لولا حضوره و بهجة روحه !
لم أنس َ مفاتيحي في ' دكّانة ' أحد ..
كل الذين أضاعوا دروبهم ، يسعون إلي ّ لكي يروا وجوههم في دفاتري و في ذاكرة لم يأكلها الصدأ !
..
لم أنس َ شيئا ً ،
ربّما أكون تعبت ُ و فقدت ريقي ،
لكنّي لم تصدأ منّي الفاكهة .
( 3 ) و الفتى !
والفتى الذي أسرف في الشوق ، لم يفقد دفتره ولم تغب عنه حكاية الجارة التي أحبّها رجل ٌ متجهّم .. العاشق المتجهم كان فظاً قاسيا ً مع أولاد حارتنا !
نسي الأولاد صورة الجارة و رسائلها و تلويحات يديها و مناداتها على الأولاد لكي يحملوا الرسائل .. نسوا حتى باب دارها ولون شعرها و عينيها ، نسوا ساعات ما بعد العصر أو ما قبل .. كل ما علق بذاكراتهم وأذهانهم : وجه العاشق الغليظ و نظرات عينيه و صوته الخشن !
...
العاشق انصرف إلى حال سبيله ولم يعد أحد ٌ يراه منذ ذلك الحين ، والبنت رحلت من الديار كلّها إلى بلاد بعيدة .
هل ينفع أن تعشق امرأة ٌ رجلا ً فظّـا ً ؟
هل ينفع عشق ٌ مع ' غلظة ٍ و تقطيب ٍ و صرامة زائدة ' ؟
( 4 ) والندى !
كَمن يحاول ُ أن يجمع َ ' الندى ' عن أوراق ِ الورد ِ ، فتهرب ُ ' قطرة ٌ ' و تتدحرج ُ، فيحاول التقاطها أو منعها من أن تنداح إلى تراب ِ أو عيدان الورد ... يفعل ' مشوق ٌ ' وملتاع ٌ فيحاول أن يلتقط َ حرفا ً قبل هروبه من السطر أو فاصلة ً قبل وقوفها في الهامش !
المشوقون يَجهَدون في ' المحاولة ' ، و قد يسعون إلى جعل ' حبّات الندى ' على شكل عقد ٍ أو طوق ٍ أو رسالة !
حبّات ُ الندى بنات ُ الورد ِ و لا يفارقن أوراقه ،
و المشوقون لكي لا ينجرح الورد ويهرب الندى : يكتفون باللون والرائحة !
( 5 ) رحلة !
قلت لهم ، وأنا أتفقد ثقوب ' الناي ' و أنفخ فيه ، أن أعدّوا لي زوّادتي و هيّئوا ' سلّة ' الرحلة .
.. في الطريق إلى الماء و التلال القريبة و التراب الطريّ و العشب الذي في انتظارنا ، هناك في المسافة سنجرّب أن نمتحن الناي ، فهل تراه نسي ' مواويل السفر ' ؟
.. في الطريق ، سنأخذ ظلاً و نوقد ما ينفع لكي نصنع شاينا .
.. في الطريق ، سنفرد ' مناديل الذاكرة ' و نشمّ عطر الجارات و نطيّر المرحبا في البرية مع شدو الناي و رائحة التراب .
.. في الطريق ، سأدعو الأصدقاء إلى ' بوح ٍ شفيف ' و استرجاع ٍ
و ' دندنات ' عن الذي كان ، وعن مواويل عتب ٍ وحب ّ ٍ و أترك لهم أن يصدحوا بــ ِ ' الأوف والعتابا والميجنا ' .
..
في الطريق ، سنرمي أثقالنا و نرفع العيون إلى السماء و نبوح .
( من دفتر رحلة ننتظرها ) .
( 6 ) قطّة صغيرة !
لا تنهري القطّة الصغيرة التي تموء عند الباب ... القطّة صارت تعرف لون أصابعك و تشمّ رائحة الماء في إبريق شايكم .
( 7 ) والزعتر !
كنت ُ و ما أزال
أعتني بالزعتر و ما ينبت في البرّ ، وكنت أرش ّ ماء ً طيّبة ً إلى تراب ٍ يحضن ُ ' ليمونة الدار ' .. ولم يكن ينهرني أحد !
كنت ُ أوضـّب لليمامة صندوقا ً معدنيّا ً لكي تؤوب إليه من سفرها البعيد و القريب ،
كنت ُ أعد ّ صحن َ الماء لها ،
و أعد ّ شيئا ً من قمحها والخبز المرطّب بماء نقيّة ،
و كنت ُ أقترب من ليلها و أسترق السمع إلى حلمها الذي كان يجيء بهديل ٍ خافت ٍ لا يكاد يسمعه أحد ٌ سواي ،
لم أكن أعرف منها شيئا ً سوى أنّـها ترق ّ روحها كلّما شفـّها الوجد و دنا منها الحنين !
كنت ُ أحاول أن لا أدوس ' نثار البيلسان ' حين يسّاقط عن أمّه الشجرة ،
كنت ُ أعد ّ أباريق الكلام معجونة بالعسل المصفـّى !
ما أزال أحاول ،
و لكن التراب َ يروح إلى ' نشاف ٍ ' وجفاف ،
و البيلسانة ذوت ،
و اليمامة هاجرت ولم تترك غير صندوقها الذي أكله الصدأ و عشّشت فيه أفعى ،
و الوجع غدا أكسجينا ً و فاكهة !
كنت ُ ولكن .
نيسان ـ نشر في 2018-05-08 الساعة 17:14
رأي: ماجد شاهين أديب أردني