اتصل بنا
 

بئست الرواية وراويها ومن صدّقها

كاتب وصحافي وخبير في الشؤون الفلسطينية

نيسان ـ نشر في 2018-10-20 الساعة 19:51

نيسان ـ سيسجل التاريخ أن جريمة إغتيال الكاتب الصحفي السعودي ليست جريمة عادية راح فيها شخص، كان يوما محسوبا على العائلة المالكة في السعودية ،بل ستكون خير شاهد على الإنحطاط الذي إتسمت به كافة الأطراف التي ساهمت في قتل الخاشقجي ،بدءا من ولي العهد السعودي مبس وإنتهاء بالمتمسح بالإنجيلية الرئيس ترامب مرورا بكل من له بصمة في إخفاء الحقيقة وهم كثر .
شهدت أيام الجريمة بدءا من عملية القتل والتقطيع على يد مدير الطب الشرعي في الأمن العام السعودي صلاح الطبيقي وحتى إعلان الرواية البائسة ، شهدت خزعبلات ما أنزل الله بها من سلطان ،دلّت على غباء الجميع الذين تلوثت أياديهم بالجريمة ،فهم وفي البداية رفضوا نظرية القتل رفضا قاطعا وقالوا انه أنهى معاملاته وخرج ،مع ان خطيبته التركية كانت تنتظره في الخارج وتقف امام القنصلية ،فكيف خرج إذا ،ولماذا لم تره خطيبته التي كانت تنتظره على أحر من الجمر.
إستمرت السلطات السعودية بنفي وجود جثة المغدور في القنصلية، وعمد القنصل العتيبي إلى تمثيل مسرحية امام بعض وسائل الإعلام العالمية بقيامه بفتح الأدراج امام الإعلاميين ليقول لهم ..ان جثة الخاشقجي بح ،أي غير موجودة ،بمعنى انه إستحمر او حاول إستحمار الإعلام ظنا منه أنهم من فصيلته.
بدأت الأخبار تتسرب ومعها صور مراحل القتل والتقطيع وصور قطع جسده ،وإن دل ذلك على شيء فإنه يدل على أن من أسهم بالجريمة على الأقل كان على صلة مباشرة مع السي آي إيه ،وإلا من أين أتت وسائل الإعلام الأمريكية بكل تلك التصريحات والصور؟
لا ننسى أن السعوديين إتهموا كلا من قطر وإيران وتركيا بإختطاف الخاشقجي وقتله لتشويه صورة السعودية ،وشهدنا تغريدا مكثفا في هذا الإطار كما أن مسؤولين أمنيين خليجيين أظهروا مدى سخفهم بكيلهم الإتهام لقطر بأنها إختطفته وقتلته ،ومع ذلك إستمر النفي السعودي لما هو مؤكد أن خاشقجي تعرض لجريمة إغتيال في القنصلية السعودية وانه لم يخرج منها حيا على الأقل .
العملية برمتها مشبوهة والأسئلة حولها لا تحصى وأولها : لماذا تم تحديد القنصلية السعودية في إستانبول لإنهاء معاملة خاشقجي المتعلقة بزواجه من فتاة تركية ،مع انه مقيم في واشنطن ؟والجواب أن المخططين للجريمة أرادوا تجنب إحراج السلطات الأمريكية وأخيه خالد السفير في واشنطن ،وأرادوا توريط تركيا ،علما أن امريكا أرادت بذلك توريط السعودية لحلبها ،ورشوة تركيا بتزويدها بمعلومات دقيقة لدعم موقفها ،ومن ثم توريطها في الرواية الأخيرة في حال قبلت بصفقة مشبوهة تطوي هذا الملف ،وعموما فإن ترامب الجشع هو المستفيد الأول والأخير من جريمة قتل خاشقجي ،فهو نجح في تنفيذ وعده الذي قطعه للإنجيليين بالإفراج عن القس الجاسوس اللص برانسون ،وتمنكنه من حلب السعودية صبحا ومساء وبين الحلبات.
أصبحت جريمة إغتيال خاشقجي هي الشغل الشاغل للعالم الحر والشخصيات الأمريكية الحرة ،ووسائل الإعلام غير الخاضعة تماما للوبي الصهيوني ،وقد اعلنت جهات إقتصادية وازنة في الغرب رفضها المشاركة في مؤتمر النيوم الذي من المقرر ان يعقد في السعودية بعد أيام ،إحتجاجا على قتل خاشوقجي وتعامل السعوديين مع جريمتهم بطريقة مقززة .
كان ترامب منذ البداية راغبا في حماية مبس ليس لسواد عينيه كما يقال بل لحلبه أكثر ،وعندما وجد نفسه محرجا في إدارته إتفق من وزير خارجيته بومبيو، على التوجه إلى السعودية وتركيا والإتفاق على طبخة تمكنهم من الخروج من الجريمة بما يحفظ ماء وجه السعودية ،ومحاولة للضغط على تركيا كي تقبل بصفقة تمكنها من حلب السعودية بكمية محدودة طبعا مقابل طي تركيا للملف ،وتأييدها للرواية السعودية.
بعد عودة بومبيو من رحلته التي إتفق خلالها مع السعوديين على رواية الطوشة ،أعلنت السعودية موقفها الرسمي أن خاشقجي قتل في طوشة مع موظف في القنصلية ،ولغباء وبؤس من أعلن الرواية تغافل عن الأسئلة التي سيتعرض لها من الرأي العام العالمي على الأقل،ولماذا إنكار الضلوع في الجريمة ،وأين الجثة ..وهكذا دواليك.
أعلنها ترامب الجشع خليفة شايلوك اليهودي أن رواية الطوشة السعودية موثوقة ،وانه لن يعاقب السعودية على جريمتها بحق أحد مواطنيها خشية أن تقوم بإلغاء صفقة أسلحة بيقمة 110 مليارات ،وهذا يعني إتهاما مزدوجا لكل أطراف جريمة الخاشوقجي ،وفي مقدمتها أن مبس لا يصلح للحكم ،وان ترامب أيضا لا يستحق لقب الرجل الأول في العالم ،وأن وسائل الإعلام التي خاضت في القصة مؤيدة الرواية الرسمية غير نزيهة ،كما أن بعض المسؤولين الأمنيين في الخليج ،الذين غردوا خارج السرب وإتهموا قناة الجزيرة بفبركة القصة غير جديرين بالثقة ويجب ضمهم إلى ملف الجريمة ومحاكمتهم دوليا.
اختم بالقول أن رواية الطوشة التي تمخض عنها الإنكار السعودي لأكثر من أسبوعين ورمي التهم جزافا هنا وهناك ،بائسة ومن رواها بائس ومن صدقها أيضا لا يقل بؤسا عن الرواية وراويها.

نيسان ـ نشر في 2018-10-20 الساعة 19:51


رأي: أسعد العزوني كاتب وصحافي وخبير في الشؤون الفلسطينية

الكلمات الأكثر بحثاً