هل يتسبّب عدم استِخدام كِبار السِنّ للإنترنت في عزلتهم اجتماعيا؟
نيسان ـ سويس ـ نشر في 2015-07-10 الساعة 18:35
على الرغم من تزايُد عدد مُتصفِّحي الإنترنت في صفوف الجيل الأكبر سِناً في سويسرا، إلّا أن نسبة كبيرة من هؤلاء ما زالت غيْر مُتّصِلة بالشبكة العنكبوتية بَعد. ويرى الخبراء أن هذه الفِئة لا تُواجه خطَر الحِرمان من مصادِر رئيسية للمعلومات فحَسب، ولكنها مهدّدة بعزلة اجتماعية أيضاً.
كشفت دراسة أجراها مركز أبحاث عِلم الشيخوخة في جامعة زيورخ بالنيابة عن منظمة كبار السن "برو سينيكتوت"، عن ارتفاع عدد مُستخدِمي الإنترنت من كِبار السِن بنسبة 47% في غضون الأعوام الخمسة الماضية.
ويعني ذلك أن أكثر من نِصف الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً يستخدِمون الإنترنت اليوم، بعد أن كانت نِسبتهم تقارب 40% في الدراسة الأخيرة التي أجرتها المنظمة في عام 2010. ولكن، ورغم زيادة متصفِّحي الشبكة العنكبوتية من هذه الفِئة العمرية، ما تزال هناك فجْوة رقمية كبيرة بالمقارنة مع بقِية السكان (88% في عام 2015).
"يُسَهِّل توفّر الأجهزة الجديدة، مثل الحواسيب اللوحية وأجهزة "الآيباد"، دخول المُسِنّين إلى عالم الإنترنت، ونحن نعتقِد أن هذا سيؤدّي إلى ارتفاع كبير في استِخدام هذه الأجهِزة في الأعوام القليلة المُقبِلة"، كما أخبرت بياتريس فينك، مديرة مشروع "مستخدِمي الإنترنت المُسنِّين" الخاص بمنظمة "برو سينيكتوت" swissinfo.ch، أثناءتقديم الدراسة في زيورخ في بداية شهر مايو المنقضي. مع ذلك، تبرز فروقات كبيرة ضِمن مُستخدِمي الإنترنت من هذه الفئة العُمرية [التي تزيد أعمارها عن 65 عاماً]، مع تشابُه استخدامات فِئة المُسنِّين الذين تتراوح أعمارهم بين 65-69 عاماً مع عموم السكان تقريباً.
وشكَّل استخدام البريد الإلكتروني، والبحث عن المعلومات -لاسيما تلك المتعلِّقة بالسفر والشؤون الإدارية الرسمية أوالمرتبطة بالصحة - الاستعمالات الأكثر شيوعا للإنترنت بين الجيل الأكبر سِنا. أما شبكات التواصل الإجتماعي، فكانت أقل شعبية، وهو ما يمكن قوله عن التسوّق عبْر الإنترنت أيضا، الأمر الذي يُعزى إلى مخاوِف أمنية بشكل رئيسي.
فئتان لا تستخدِم الإنترنت
أوضح هانز رودولف شيلينغ، المدير التنفيذي لمركز أبحاث عِلم الشيخوخة الذي يقود هذه الدراسة، أنه يمكن تقسيم فِئة المُسنِّين غير المُتّصلين بالإنترنت حالياً (والذين يشكِّلون نسبة 44%) إلى مجموعتيْن.
"هناك من جهة أولئك المُهتمّين بهذه التقنية، ولكنهم يتحفّظون من استخدامها لخِشيتهم من تعقيدها الشديد أو تكاليفها العالية. وتحتاج هذه الفئة للإقدام على خطوة استخدام الشبكة إلى بعض الدّعم والمساعدة العملية والتشجيع من بيئتها الاجتماعية"، كما أضاف: "هناك أيضاً الآخرون الذين لا يهتمّون بالإنترنت ولا يجِدون فيها فائدة لأنفسهم".
كذلك يوجد عدد صغير فقط (15%) من غيْر المتّصلين بالشبكة العنكبوتية، ينوون استخدامها في المستقبل، مدفوعين بوجود الأحفاد. كما أشارت الدراسة إلى لجوء الغالبية من غيْر متصفِّحي الإنترنت إلى الدائرة المُقَرِبة من الأصدقاء أو أفراد العائلة، بُغية البحث عن معلومات عبر الإنترنت بدلاً عنهم.
مخاطر عدم استخدام الإنترنت
بالنسبة لفينك التي تقول محذّرة: "يتمثل الخطر الذي يواجِه مَن لا يستخدِم الإنترنت، في الصعوبة المتزايدة للوصول إلى المعلومات الرسمية أو الإجراءات والبرامج الخاصة، بالصحة الوقائية".
لهذا السبب، أخذت منظمة "بروسينيكتوت" على عاتِقها مهمّة رفْع الوعْي بهذه القضايا، من خلال تنظيم دورات لتسهيل الوصول إلى الشبكة العنكبوتية واستخدامها. وتحظى الدورة الخاصة بشراء التذاكِر عبْر الإنترنت، التي تُقيمها المنظمة بالاشتراك مع السِّكك الحديدية الفدرالية السويسرية، بشعبية أوسَع لدى المشاركين.
من البرامج المهمّة كذلك المخطط السويسري - الألماني الواسع النِّطاق المُسمّى "كومبوتيرياس" (المكوّن من إدماج كلمتَي كمبيوتر وكافيتيريا بالألمانية). ويختصّ هذا البرنامج الذي يديره كبار السِن بتقديم الدّورات والمَشورة لأقرانهم من نفس الفئة العُمرية، وهو يحظى غالباً بدعم منظمة "بروسينيكتوت".
وعندما قامت swissinfo.ch بزيارة لإحدى هذه الدورات في زيورخ التي نُظِمَت في مركز اجتماعي تابِع للكنسية الكاثوليكية، كانت العديد من السيدات -وجميعهُن في أعمارهُن الذهبية- جالسات أمام أجهزة الكمبيوتر المحمولة ومُنهمِكات في العمل.
وتبايَنت خِبرة المشاركات في هذه الدورة بين الّلواتي كُنَّ يستخدِمن أجهزة الكمبيوتر مُسبَقاً أثناء العمل، والمدفوعات بالرغبة في تعلم المزيد - مثل الاتصال الهاتفي عبر الإنترنت، للحفاظ على التواصل مع الأسْرة في الخارج - إلى الّلاتي لا يتوفّرن سوى على خِبرة محدودة، مثل إحدى السيدات التي قالت: "زوجي هو الخبير بالكمبيوتر".
التطوّرات التكنولوجية والمستقبل
وفي هذا السياق، ترى دوروثي لاندولت، وهي مُبرمجة سابقة تُشرف على إدارة هذه الدّورة، أن التطورات التكنولوجية كان لها أثر مهم في زيادة الإقبال على الإنترنت.
وقالت مستذكرة: "كانت أجهزة الكمبيوتر في السابق عالية التّكلفة، وهو ما قلل من إقبال الناس على شِرائها، ولم تتوفر إلّا عند الأشخاص الراغبين باقتنائها حقاً، أما اليوم، فهي في متناول الجميع".
"فضلاً عن ذلك، أصبَح استخدام المواقع الالكترونية أكثر سُهولة، حيث أدرَك الأشخاص الذين يعتمدون عليها في الحصول على لقمة عيشهم، أنها ينبغي أن تكون مفهومة وسهلة الاستخدام للجميع، وإلا لن يكون بمقدورهم بَيع منتجاتهم". وكما أضافت لاندولت، لم يَعُد استخدام الكمبيوتر يتطلب أن يكون المرء خبيراً بهذه التقنية.
وتتوقّع الدراسة استمرار الزيادة في أعداد متصفِّحي الإنترنت الذين تزيد أعمارهم عن الخمسين عاماً، وتضييق الفجْوة الرقمية بين الأجيال، حتى وإن لا يُتوقَّع جسرها بالكامل، بالنّظر إلى الظهور المتواصل للتقنيات الجديدة.
بيْد أن الدراسة أشارت أيضاً إلى ضرورة أن يكون عدم استخدام كِبار السِن للإنترنت، مسألة مقبولة وأن لا يصبح ذلك سبباً في تهميشهم اجتماعياً. كما لا ينبغي النّظر إلى الإنترنت باعتبارها الحلّ الشامل والسحري للعُزلة وجميع المشاكل الاجتماعية الأخرى.
ووفقاً لشيلّينغ المشرف على هذه الدراسة: "يجب ضمان توفير طُرق بديلة للوصول إلى المعلومات بالنسبة للأشخاص الذين لا يستطيعون، أو ليسوا مستعدّين لاستخدام الإنترنت، مثل شبابِك موظّفي البنوك".