اتصل بنا
 

مات بسبب خياله

نيسان ـ نشر في 2019-04-25 الساعة 15:03

نيسان ـ قد يبدو العنوان صادماً للبعض والبعض الاخر سينعتني بالجنون ، اذ كيف يمكن لأحد ان يموت بسبب خياله وهل امسى الخيال سيفاً قاطعاً يُستل من غمده ويزهق ارواحاً أم انه اصبح مسدساً مليئاً بالرصاصات التي تدمي القلوب والأرواح فور ضغطنا على الزناد .
كيف يمكن للخيال ان يتحول لأداة قتل وموت وهو في الأساس خيال اي انه امور غير متحققة على ارض الواقع فهو خيال لا ملموس ولا محسوس بل انه في بعض الأحيان يكون متنفساً لنا للهروب من قسوة الواقع ، قبل الاجابة عن هذه التساؤلات هناك قصة لابد من سردها لكي تتضح لنا ملابسات الجريمة ونكشف اللغز وراء التحول المفاجيء لطبيعة الخيال .
قبل اعوام ليست بكثيرة كان هناك طبيبٌ مولعٌ بالكثير من التجارب الغريبة ، يهوى تجربة كل ما هو غريب وجديد ويحب دوماً ان يخرج عن المألوف والمعروف في ذلك الوقت ، فكلما طافت في ذهنه فكرة جديدة وغريبة قام بتجربتها ومن هذه الأفكار انه تساءل يوماً ماذا سيحدث للانسان لو قمنا بجرحه في مناطق عديدة من جسده وتركناه ينزف دون اسعافه فهل سيموت عن طريق تصفية دمه ؟؟؟
قرر ان يُحول هذه الأفكار الى واقع حقيقي ، فذهب الى احد السجون وطلب الاذن باجراء تجربة موت الانسان عن طريق تصفية دمه على احد المحكومين بالاعدام ، وبالفعل عاد ومعه احد المساجين لكي يطبق عليه تجربته .
اجلسه على الكرسي ووضع قماشة على عينيه وجمع زملائه واصدقائه لكي يشرح لهم نظريته ولكي يشاهدوا النتائج ، ووضع كل مستلزمات اجراء التجربة ، وبينما هو يشرح للحضور كيف سيقوم بجرحه في يديه وقدميه ويضع تحتهما دلواً كبيراً لكي تسقط فيه الدماء وسيترك الدم يقطر ويتصافى من جسده حتى يموت ، وكل هذا الشرح والتوضيح كان يتم على مسامع هذا المحكوم بالاعدام .
لاحظ الحاضرون لهذه التجربة سكون هذا المسجون اصفرار وجهه المخيف فقاموا بازالة الغشاوة عن عينيه وفحصه فوجدوه قد مات نعم مات قبل اجراء التجربة وقبل ان يسحبوا منه نقطة دم واحدة وقبل ان يخدشوه خدشاً بسيطاً ، أتدرون لماذا ؟؟ بسبب خياله فعقله بدأ بتخيل التجربة قبل وقوعها فأرسل الأوامر للجسد بأكمله لكي يستجيب لأوامر العقل وبالفعل استجاب وطبّق جميع مراحل التجربة من خدش الأيدي والأقدام الى تصفية الدم من جسده ومن ثم الموت .
ما حدث مع هذا المسجون ليس ببعيد عنا بل هو اقرب الينا من حبل الوريد ، فلو قمت بفتح ارشيف احلامك لوجدت العديد من الأحلام التي قُتلت بسيف الخيال المريض واُعدمت برصاص التوقعات المتشائمة والسلبية .
لكن انتبه ليس المطلوب منك هو ان تتفائل في تخيل حلمك حد الحماقة ولا ان تضع نظارة وردية على عينيك لا ترى من خلالها سوى كل ما هو جميل ، فعليك ان تعلم ان تحقيق الأحلام والوصول الى الأهداف ليس بالأمر السهل فالجنة حُفّت بالمكاره ، وكذلك الأحلام طريقها مليءٌ بالعقبات والمنحدرات والأشواك والكثير من الأمور التي لا تستسيغها النفس .
لكن المطلوب منا هو الاعتدال في الخيال وحسن التخطيط ومعرفة الجميل والسهل في حلمنا ومعرفة الأشواك التي قد تدمينا لكي نُحسن اقتلاعها من جذورها وابعادها عن طريقنا ، فعلينا دائماً ان نشحن طاقتنا بتذكر حلاوة الحلم وان نستفز همتنا وطاقتنا بتذكر مرارة العقبات لكي نسحقها .
وما انهاك عنه وما احذر منه هو ان يطغى طعم المرارة في عقلك وخيالك على طعم الحلاوة وتصبح اسيراً لخيالاتك السيئة فتثبط همتك وتخدر عزيمتك فتسحقك قبل ان تسحقها فتتخلى عن حلمك وهذا والله هو القتل بعينه .
في معركة من المعارك التي خاضها سيف الله المسلول سيدنا خالد بن الوليد ضد الروم سمع بعض المسلمين يقولون : (( ما أكثر الروم وما أقل المسلمين )) ، فما كان من سيدنا خالد الا ان صرخ فيه وقال : (( بل قل ما أكثر المسلمين وما أقل الروم )) ، أمرٌ واضح وصريح من القائد وكأنه يقول : اياك ان تتخيل الهزيمة قبل وقوعها واحذر من ان يشل خيالك قدرتك على القتال والأخذ بالأسباب اي اياك ان تُهزم قبل ان تُهزم ، ولنا ان نتخيل حال المسلمين يوم معركة بدر لو انهم سمحوا لخيالهم ان يهزمهم واستسلموا لقلة عددهم فبلغة العقل والمنطق كان عدد المشركين يفوق عدد المسلمين ثلاثة اضعاف وهذا يعني انهزام المسلمين لا محالة ولكن ليس المسلمين في ذلك الوقت من يسمحون لخيالهم ان يدمرهم بل هم اول من يتصدى للخيلات المريضة والتوقعات السلبية فهم يأخذون بكل الأسباب ويبذلون كل الجهد ثم بعد ذلك يتوكلون على رب الأسباب فهؤلاء المسلمون كان حلمهم النصر فتحقق بحسن تخطيطهم واعتدالهم في خيالهم واخذهم بجميع الاسباب و بتوفيق ممن احسنوا الظن فيه وهو رب كل الأسباب
و ان لكل منا حلماً يسعى اليه ويتمناه قد يكون حلماً صغيراً وقد يكون عملاقاً ، لكن القاسم المشترك بين احلامنا جميعها هو وجود عقبات في طريقها ، وان الخيال هو الوقود الذي نتزود به في رحلتنا والزاد الذي سنضعه في حقيبة افكارنا ، والخيال يا عزيزي سلاحٌ ذو حدين اما ان يشحنك بالطاقة الايجابية وحُسن التخطيط للتصدي للعقبات وتحطيمها واما ان تستحوذ العقبات والتخيلات السيئة على عقلك فترسل الأوامر لجسدك لكي يتوقف عن العمل ويرمي بحلمه في غياهب الجب .
اعتقد ان الصورة باتت واضحة لدينا فنحن من نمتلك القرار ، اما ان نحسن استخدام خيالنا فيشد عضدنا ، واما ان يتحول الى مجرم متخصص في قتل كل ما هو جميل في داخلنا وبث كل ما هو سلبي ومتشائم ، لذلك احسن قيادة خيالك وحَسّن الظن بخالقك فمهما كان حجم حلمك اياك ان تراجع يوماً ارشيف احلامك فتجد احلاماً قد كُتب عليها ماتت بسبب خياله .

نيسان ـ نشر في 2019-04-25 الساعة 15:03


رأي: رحمة موسى

الكلمات الأكثر بحثاً