اتصل بنا
 

رمثاوي يا خال

نيسان ـ نشر في 2019-08-25 الساعة 16:56

نيسان ـ عاشَ الرماثنة حياةً طويلةً كشعبٍ لا علاقة له بعمق سوريا أو طرف الأردن، الرمثا فقط. في عصر الانحلال الأمني الذي وصل المنطقة بعد الاحتلال العثماني أُهملت الرمثا مثل كل حوران وظلت زعامتها لأهلها "بني ظفير" في ذلك الوقت، وتتابعت الزعامات الرمثاوية للرمثا مع مجيء العشائر لها من مناطق مختلفة، يروى أن أول سقف في الرمثا كان لعشيرة ميّاس، مثلًا.
كان الرماثنة رقمًا صعبًا بالنسبة للبدو الذين يمارسون الغزو ولم تشهد قرية أردنية ما شهدته الرمثا من حرابات مع "العَرب"، وحين كانت قبائل عملاقة مثل ولد علي والزيادنة والعدوان والصخور والسردية والسرحان تطوف القرى وتسلب قمحها كانوا يفكرون طويلًا قبل دخول الرمثا، هذه ليست شوفينية، معركة واحدة دخل فيها العدوان والصخور على الرمثا وكانت ميدانًا لاستعراض قوة القبيلتين المتنازعتين على أرض الرمثا.
كان الدخول في عهد ابراهيم باشا أو كما يعرف في الرمثا "يوم هبوا علينا المصاروة"، وقد أرسل الباشا أوامره للعدوان والصخور بعدم دخول القرى لسلبها، لكن العدوان والصخور (طبعا أقوى ثلاثة عشائر أردنية في القرنين الأخيرين ومعهم الحويطات) قرروا أن يدخلوا الرمثا نكايةً بالأمير الغريب عنهم ودخلوها غزاةً بقوة جرارة واكتسحوها في سابقة لا تنكر، إلا أن ابراهيم باشا أرسل قوة لتأديب القبيلتين وفعلَ هذا رغم اعتراض الصخور في البداية إلا أنهم وافقوا في النهاية ودفعوا غرامةً لأهالي الرمثا.
أقام الرماثنة أحلافًا مع عشائر كبيرة وكان فيها أكبر رجال السياسة الداخلية والخارجية أمثال الزعيم فواز البركات كبير الرمثا كلها ومعه أحد أهم وجهاء الرمثا في حينه محمود الخطيب (مات في ثاني اغتيال عرفته حوران بعد اغتيال يوسف فريحات قبله بمئة سنة)، كانت قبيلة السردية قوة ضاربة ولا تقرب الرمثا (لا مع ولا ضد) كانت قبيلة بني خالد داعمة لكل مواقف الرمثا والقبيلة الوحيدة (من القبائل القوية) التي رفضت الهجوم على الرمثا في حرب الجندلية الطاحنة.
لم تقع الرمثا تحت الانتداب الانجليزي أو الفرنسي، لم تنقل أوراق الطابو والنفوس الرمثاوية من درعا حتى مطلع الثلاثينات، لن تجد عشيرة في الرمثا إلا ولها أختها في الجانب الآخر، خيط وهمي قطفها من حوران. وكان الرماثنة وبني معروف (الدروز) في علاقة طيبة وكانت العلاقة سيئة من قبائل كثيرة أبرزها السرحان، والسرحان فرسان لا يهابون الموت وانشغلوا زمنًا طويلًا بحرابات الدروز وكان حلفهم متأرجح مع الصخور وفق العلاقات التي تحكم وادي السرحان بين الصخور والحويطات وكبار البدو والرمثا ليست بعيدة عن هذا.
من غرائب السياسة الخارجية الرمثاوية علاقتها بجاراتها في إربد أو كما كان يسمى (الدير/امغرب) فكانت أبواب الرمثا تفتح صوب الشرق أكثر من باقي الاتجاهات إلا أن الرماثنة كانوا يعقدون الأحلاف السرية مع البطاينة والروسان والعبيدات وكانت تسمى هذه الأحلاف (الباب الغربي) فقد كانوا يمنعون الغزو من أرضهم إلى الرمثا لأن كل الحرابات والمعارك (قرابة 10) الموثقة بالشعر وبأسماء الشهداء كانت على أطراف الرمثا. لم تشتعل معركة في وسط الرمثا حتى أكبر المعارك وهي "الجندلية" ضد سبع قبائل بدوية كان محيطها "بركة الدم" حتى منطقة "دن" وهي اليوم حيث مثلث الرمثا ومحيط جامعة العلوم.
لا أحبُّ "الهَبد" ودائمًا أسخرُ من مبالغات "الهبيدة"، لكل مدينة خصوصيتها وأنا وجد جدي رماثنة منذ جلوتنا قبل 150 سنة وكبرنا مع الرمثا وحين وزعَ مستر موفد الأرض على الرماثنة أعطونا الرماثنة أرضًا خصبة في الشمال إكرامًا لأقاربنا في كفرسوم لأنهم كانوا يمنعون مرور البدو لهم في زمن "فندي" و"ابراهيم السعد" و"سليمان الداوود". يُعَرِفُ سائقو الشاحنات الرمثاوية عن أنفهسم في تركيا وأوربا والخليج قائلين:" رمثاوي يا خال". بل ويكتبونها على ظهور الشاحنات وبجانبها "بحمّى الرحمن".
بحمّى الرحمن يا رمثا وشكرًا لكل من نظف الشوارع وأسكت المندسين والسحيجة.

نيسان ـ نشر في 2019-08-25 الساعة 16:56


رأي: علي عبيدات كاتب

الكلمات الأكثر بحثاً