اتصل بنا
 

'غزوة' الكونغرس والفهم العربي القاصر

كاتب وخبير أمني

نيسان ـ نشر في 2021-01-11 الساعة 16:33

نيسان ـ كشفت ردود الفعل العربية، من قبل بعض الأوساط، عمق الأزمة التي يعيشها هذا العقل في تخندقه خلف حتميات وضرورات وقناعات وتصوّرات، تستند إلى رغبات انعكست على قراءة وتحليل ما جرى من هجوم على الكونغرس الأمريكي، بإصدار أحكام "مستعجلة" تقول بموت الرأسمالية المتوحشة، وسقوط الإمبراطورية الأمريكية، يستند بعضها إلى آراء وأفكار كتّاب غربيين، سمحت لهم مساحات الحرّية بإنتاج مقولات تحذيرية أكثر من كونها "أحكاماً"، وذهب فريق آخر إلى مقارنات بين ترامب وخلفه بايدن، وفقاً لمرجعيات المقارنة وأسس ومنظومات قيم وأنساق يعيشها العالمان؛ العربي والإسلامي في مفاهيم الحكم عند تغيره، عبر انقلابات أو عبر انتخابات نسبة المشاركة فيها "99%" ونسبة من صوّتوا للقائد المنتخب كذلك، رغم أنّ بعض الأنظمة، وللتغطية على الشكوك التي تثار تجاه تلك النسب، بدأت بتخفيضها لتتراوح بين "70- 80%" بهدف تسهيل هضمها، ولإعطاء مصداقية، رغم أنّ النسبة الباقية التي لم تصوّت تحتاج لمجهر للبحث عنها بعد التصويت.
التحليلات العربية غرفت من قاموس لا تنقصه المفردات التي لا تقدّم ولا تؤخر في توصيف الرئيس ترامب بـ"المعتوه والمريض والمجنون"
التحليلات العربية غرفت من قاموس لا تنقصه المفردات والمترادفات التي لا تقدّم ولا تؤخر في توصيف الرئيس ترامب بـ"المعتوه، المريض، المجنون"، وهو المنتخَب من قبل "75" مليون أمريكي، ولست هنا بصدد الدفاع عن ترامب ولا عن سياساته، لكن للتذكير فإنّ المعركة لم تكن بينه وبين بايدن، بل كانت بين منظومتين ومقاربتين؛ الأولى يمثلها بايدن، وجوهرها العودة إلى قيم أمريكا بالديمقراطية والتعددية واحترام حقوق الإنسان والمساواة، والثانية يمثلها ترامب، وتدعو للانقضاض على كلّ القيم المؤسسة لأمريكا برفض التعددية والمساواة، جوهرها شعبوية يمينية متطرفة، تصنف البشر على أساس اللون والجندر، وترفض الآخر، وتؤمن بالقوّة سبيلاً لتحقيق مصالح أمريكا.
التسرّع في بعض الأوساط العربية والإسلامية بالقول إنّ غزوة الكونغرس مقدّمة لانهيار أمريكا يتطابق تماماً مع التسرّع بتقدير انهيار "أمريكا والرأسمالية المتوحشة" عند بداية ظهور كورونا، والتبشير بانتصارات حاسمة لروسيا والصين، ولعلّ "المضحك المبكي" أن تصدر تلك التقديرات بالدرجة الأولى من تيارات ما يُعرف بالممانعة العربية والإسلامية، التي تنعم بديمقراطيات متقدّمة على ديمقراطية أمريكا، فحتى اليوم لا أحد يعرف على وجه التحديد ولا التقريب كم عدد الإصابات في دول الممانعة، وإذا كان مواطنوها يفضّلون اللقاح الأمريكي الألماني أم اللقاحات الروسية والصينية؟
يبدو، على سبيل المقارنة، أنّ الحكومات العربية والإسلامية أكثر فهماً من بعض نخبها السياسية "المعارضة" لكيفية صناعة القرار في أمريكا، فالتكيّف مع التغيير الذي جرى في أمريكا يجري بتسارع، بما في ذلك من قبل إيران التي تستعدّ لقطف ثمار صبرها الاستراتيجي، فيما تتحوّل القيادة التركية وباتجاهات متوقعة وبمقدار "180" درجة عن مواقفها السابقة، وتعلن في الخليج مصالحة تاريخية بين قطر والسعودية والدول الأخرى، وربما الأيام القليلة القادمة حافلة بمفاجآت أكثر دهشة وعمقاً، بما فيها المرتبطة بإسرائيل والتطبيع معها.
في أمريكا، صراع بين مقاربتين انتهت بانتصار إحداهما، وفقاً لمخرجات صناديق الاقتراع، لكنّ الدولة الأمريكية العميقة مؤسساتية، سبق أن أبطلت منذ اليوم الأوّل لتسلم ترامب السلطة قرارات منع المهاجرين وحاملي الفيز من دخول أمريكا، وأبطلت الكثير من قراراته العسكرية، بما فيها الانسحاب من شرق سوريا والعراق، تلك المؤسسية ورغم انشغالات أمريكا بـ"غزوة الكونغرس" تقرّر إرسال قاذفات بي 52 إلى منطقة الخليج بإعلان صريح لضبط أيّ خروقات إيرانية.
التسرّع في بعض الأوساط العربية والإسلامية بالقول إنّ غزوة الكونغرس مقدّمة لانهيار أمريكا يتطابق مع التسرّع بتقدير انهيار أمريكا عند بداية ظهور كورونا
تلك المؤسسية ربما جعلت ترامب، عند جلوسه مع الزعماء العرب والمسلمين والاشتراكية العالمية "روسيا والصين"، يردّد في حوارات داخلية مع نفسه: لماذا حظّي قليل؟ هنيئاً لكم ليس لديكم بيلوسي، ولا لجان كونغرس، كلّ ما أطلبه منكم يصدر بقرارات مجالس نوابكم بيسر وسهولة، حتى حينما قلت لأردوغان أطلق سراح القس المتهم بالإرهاب، ما هي إلّا ساعات وكان في أمريكا، إنّ القضاء والإعلام هنا يعادونني، لا أستطيع أن أفعل ما أريد!
لعلّ من المناسب اليوم إعادة طرح التساؤل حول مرجعيات مواقف النخب العربية، وفيما إذا كانت "سياسية" أو "إيديولوجية" تجاه أمريكا، وكيف لها أن تغادر حالة الانفصام بين التهليل لرئيس أمريكي قادم، وبالشتائم يتمّ توديع رئيس سابق، فكم من تغيير "رؤساء" حصل في أمريكا؟ لكنّ سياسات أمريكا كانت وستبقى ثابتة، وللتذكير هنا، على سبيل المثال، في قضيتين؛ وهما إيران والقضية الفلسطينية، ففي الأولى لا خلاف على إخضاع إيران واحتوائها، لكنّ رؤية الديمقراطيين بإجراءات وسياسات ناعمة، مقابل إجراءات وسياسات خشنة من قبل الجمهوريين، وفي القضية الفلسطينية، يرى الديمقراطيون ضرورة التخفيف على الفلسطينيين، وإقامة الدولة الفلسطينية بمقاسات إسرائيلية، ويؤيد الجمهوريون إقامة الدولة الفلسطينية بمقاسات إسرائيلية، ولكن بضغوط "حادّة" على العرب والفلسطينيين.
المصدر: حفريات

نيسان ـ نشر في 2021-01-11 الساعة 16:33


رأي: عمر الرداد كاتب وخبير أمني

الكلمات الأكثر بحثاً