اتصل بنا
 

تركيا ... إنعطافات مهمة وثوابت

نيسان ـ نشر في 2021-02-04 الساعة 08:17

نيسان ـ في برنامج عن البحار التركي المشهور خير الدين بارباروس يتم ذكر حكاية ان هذا البحار في العام ١٥٤٣ قام بفك حصار فرضة الايطاليون من جنوا على مدينة " نيس "الفرنسية الجميلة وساعد " العثمانيون " بقيادة "بارباروس "على تحرير المدينة من الطليان وطردهم وعلى الاثر تشكل اول حلف اسلامي مسيحي في حوض المتوسط ، وقد تكون فكرة البرنامج " سياسية " اذ تهدف الى تذكير باريس بالود التاريخي القديم وأن تركيا بالمحصلة تنحو نحو الحوار والتهدئة مع الاتحاد الاوروبي في مواجهة التصعيد الخطير الذي تتبناه فرنسا والذي بلغ ذروته بالاعلان عن انجاز صفقة لبيع ١٨ عشر طائرة رافال لليونان في مواجهة جهود تركيا للاستفادة من موقعها الاقليمي لتحسين وضعها الاقتصادي والنفطي وتموضعها الجيوسياسي في ظل التغيرات الكبرى التي يشهدها العالم والمنطقة على حد سواء ، وابرزها التغيير الحاصل في الولايات المتحدة ووصول ادارة الرئيس بايدن التي لم تخف توجهاتها المخالفة لتوجهات تركيا في اكثر من ملف على رأسها سياسة تركيا في سوريا وموقف ادارة بايدن من الملف الانفصالي للجماعات الكردية في كل من تركيا وسوريا والدعم الغربي لكل الحركات الانفصالية رغم انها مصنفة كحركات ارهابية ، فضلا عن الدعم الامريكي المشبوه لحركة" غولن " التي تقول انقرة انها وراء الانقلاب الدموي الفاشل عام ٢٠١٦ ، لذلك قد تكون تركيا التقطت الاشارات العديدة من عدة جهات من العالم وابرزها الاتحاد الاوروبي كي تعمل انعطافات محسوبة نحو عدة اطراف دولية طالما قارعتها خلال الاعوام المنصرمة ، ابتداء من الجوار اليوناني الذي عقدت اجتماعها الاستكشافي معه في استنبول ب ٢٥/١٢/٢٠٢٠ بعد توقف زاد على ٥ سنوات بسبب انسحاب اليونان من تلك المباحثات في الماضي وتصر اليونان اليوم على قصر هذه المباحثات على نقطة واحدة وهي تحديد الحدود البحرية لكل من تركيا واليونان وحل مشكلة تداخل مناطقهما الاقتصادية الخالصة في بحر ايجة وشرق المتوسط وما كان لهذا الاجتماع ان يحصل لولا بادرة حسن النوايا التي ابتدأتها انقرة بالتوقف عن التنقيب عن الغاز والنفط في المناطق المتنازع عليها وابداء رغبتها العميقة عن استعدادها للتباحث في كل الملفات العالقة بينهما كقبرص والجزر واللاجئين وسواها من الملفات .
ثم هناك زيارة وزير الدفاع خلوصي اكار ومحادثاته الشاملة ببغداد مع كافة القوى السياسية العراقية بما فيها القيادات الكردية وتأكيده على رغبة تركيا العميقة لمساعدة العراق في مكافحة الارهاب وتطوير الجيش العراقي بكل ما يلزم من معدات واستشاريون وصل منهم بالفعل ؛ ٢٥ مستشارا عسكريا احدهم برتبة عقيد ضمن بعثة الناتو ، مما يؤكد فعلا تصميم انقرة على تأمين الحدود من الجهتين خاصة تهديدات جماعة حزب العمال الكردستاني " البي كي كي " المنطلقة من سنجار غرب الموصل كما لم يفوت الوزير تأكيده على أهمية دعم العراق ووحدة اراضيه .
اما في ليبيا فإن تركيا بعد توضيحها الطرف الذي تدعمه بقوة هناك بالتدريب والمعدات ، فإنها سارعت الى دعم التقارب الليبي الليبي واحترام الهدنة المعقودة هناك ثم باركت اجتماعات ملتقى الحوار الليبي في جنيف لاختيار اعضاء السلطة التنفيذية بعد ان تم اعتماد ترشيح ٢١ مرشحا لرئاسة مجلس الوزراء و ٢٤ مرشحا للمجلس الرئاسي وما زالت هذه الاجتماعات مستمرة للحظة كتابة هذا المقال بعد التوترات والتصعيد المستمر بهذا الملف خلال العام المنصرم .
كما تم الحديث عن تشكيل مجموعة عمل مشتركة مع الولايات المتحدة لمناقشة تداعيات قانون " كاستا " إثر شراء انقرة منظومة صواريخ إس ٤٠٠ الروسية . واستمرت هذه الخطوات الدبلوماسية لزحزحة الجمود في كثير من الملفات فقد لجأ الرئيس اردوغان للهجة تصالحية خلال اجتماعه مع ممثلي الاتحاد الاوروبي بتركيا وقام وزير الخارجية بزيارة لبروكسل للتواصل المباشر مع الاوروبيين بعد التلويح بفرض مزيد من العقوبات على تركيا بآذار المقبل ، وفي تصريح اخر لم ينف الوزير التركي استعداد بلاده لتطبيع العلاقات مع القاهرة وانهما يسعيان لفتح صفحة جديدة سواء فيما يتعلق بالشؤون الخارجية وحتى الإستخبارية وصولا الى كل المجالات .
وحتى العلاقات مع تل ابيب وابو ظبي المح الوزير جاووش اوغلو الى انها تخضع للتقييم كذلك ، رغم ان انقرة لطالما اتهمت هاتين الدولتين بالعمل ضدها وانهما تشنان حربا باردة في المنطقة تستهدف مجمل النشطات للسياسية والاقتصادية والعسكرية التركية ومحاولتهما تحجيم النفوذ التركي والحد منه ، وأشار السيد جاووش اغلو ان سبب التصعيد مع تل ابيب نابع من تصرفات اسرائيل العدوانية تجاه فلسطين والفلسطينيين وإجراءاتها المستمرة فيما يتعلق بالاستيطان وحصار غزة والقتل والانتهاكات اللانسانية التي لم تتوقف ، غير أنه أكد ان كل شئ قابل لإعادة التقييم في حالة تغيير الأطراف إياها سياساتها تجاه تركيا والمنطقة .
اذن فإن ما يقلق تركيا ويدعوها لتحديد ثوابتها الخارجية ينطلق اساسا من موقف الاطراف المتعددة واولها الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي من القضايا الأساسية التي تهم انقرة وأولها الخوف من تفاقم تداعيات السياسة الخارجية التركية اقتصاديا على تركيا خاصة في ظل العقوبات التي فرضت أو التي ستفرض لاحقا والتي من الممكن ان تؤثر سلبا على الداخل التركي وبالتالي حظوظ الحزب الحاكم في انتخابات ٢٠٢٣ رغم ان الحزب قد سارع مؤخرا لانتهاج سياسة تصالحية مع منافسيه الاسلاميين وغيرهم وحاول ان يمد يده لهم بزيادة قاعدة حلفاءه اكثر فأكثر فضلا عن الانقسامات والانشقاقات التي طالت حزب الشعب الجمهوري واضعفته .
لذلك فإن تركيا يهمها بالدرجة الاولى وحدة اراضيها واستمرار نموها الاقتصادي بما ينعكس على رفاه شعبها وتحسين علاقاتها مع جيرانها بتصفير الخلافات معهم شريطة التعامل بالمثل منهم فهي بالتالي تخشى من العزلة ضدها بسبب مواقفها في اكثر من ملف من سوريا التي تفتك بشعبها الى ارمينيا التي تحتل اراضي جارتها اذربيجان او دول الخليج حين قاطعت قطر ثم آبت اخيراً للحق والجوار الحسن وصولا الى ليبيا ومحاولة العسكر استنساخ التجربة المصرية لتطبيقها على الشعب الليبي الذي لم يقبل بذلك بعد ان ذاق طعم الحرية وعرف اصدقاءه من اعداءه ، لذلك فإن تركيا تعيد ترتيب اوراقها وتنتهج سياسة خارجية نشطة على اكثر من صعيد كي تخدم الهدف الاهم لكل السياسية التركية وهو ؛ إستمرار دعم جهود القوة الذاتية والتقدم والرفاه والاستقرار الذي حققته لشعبها في كثير من الملفات ورغبتها المطلقة في نقل هذه التجربة لجيرانها وعلى رأسهم سوريا والعراق ومصر والسعودية ولا يخفى وصول اشارات ايجابية من هذه الدول على المحاولات التركية مما قد يبشر بمستقبل اكثر نصاعة وتصالحية وتشاركية في كل المجالات .

نيسان ـ نشر في 2021-02-04 الساعة 08:17


رأي: د. اسامة المجالي

الكلمات الأكثر بحثاً