اتصل بنا
 

المثقفون تحت المجهر.. مرحلة التردي لا تحتمل مزيدا من الزيف والخداع

كاتب صحافي

نيسان ـ نشر في 2021-02-05 الساعة 16:16

نيسان ـ كثيرون هم من يدعون الثقافة والمعرفة ويصنفون أنفسهم مع طبقة المثقفين "الانتلجنسيا" لمجرد أنهم حصلوا على شهادات جامعية أو قرأوا بضعة كتب من هنا أوهناك، أو شغلوا وظيفة ما مكنتهم من مخاطبة جزء من الشعب وبث أفكارهم في البيئة المحيطة.
تجد أحدهم يخوض في كل الأمور، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ويهرف بما لا يعرف مقترحا حلولا لكل مشاكل الكون.
لم تكن الشهادات أو كثرة القراءة والاطلاع أو حتى فصاحة اللسان في يوم، المعيار الثابت للتعريف بالإنسان "المثقف" كما يعتقد البعض، بل هنالك عدة سمات أخرى يجب أن يتسلح بها الانسان ليستحق لقب مثقف بجدارة، منها؛ امتلاك أبجديات العلم والاختصاص وتوظيفها بالشكل الصحيح في توسيع المعرفة، وتحكيم العقل والمنطق لا الأهواء الشخصية في تفسير وقراءة وفهم الأمور، وفوق هذا كله، لا بد أن يكون هنالك ضمير يقظ وحي يراقب أقواله وأفعاله.
يقول أحمد شوقي:
واطلبوا العلم لذات العلم لا * لشهادات وآراب أخر
وبالعودة لحالة الغوغائية المتفشية هذه الأيام، والتي جعلت أغلبية الناس تتوهم بالنجومية، باعتبارهم مثقفين، يحملون فكرا راقيا، فإن السبب ربما يرجع إلى حالة التشتت الذهني للمجتمع بفعل الكم الهائل من المعلومات المضللة التي نستقيها من مصادر عدة يوميا، وانحدار الوعي الثقافي للمجتمع نتيجة لتدني جودة التعليم، وضغوطات الحياة والجري وراء تأمين لقمة العيش، إضافة إلى فشل النخبة في تحقيق إنجازات حقيقية من شأنها تحسين الوضع الراهن.
لطالما كانت لغة العقل المحرك الأساسي الذي يقود دفة التحليل والتفكير الناقد بشكل مبني على البراهين والحجج الدامغة، والخوض في تفاصيل التفاصيل والحفر عميقا وقلب المعادلات للوصول إلى تفسير دقيق للحالة، وبالتالي الخروج بحلول ناجعة، ذلك لأن الشيطان دائما ما كان يكمن في التفاصيل.
أما أن تأخذ الأمور كما هي بشكل سطحي وعلى علاتها، فهذا أمر في غاية السذاجة!
اليوم وحتى لا تختلط علينا الأمور، ينبغي الوقوف عند كلمة "مثقف" وتشريحها تشريحا دقيقا، ووضعها تحت المجهر لأخذ نظرة فاحصة لها عن قرب من أجل إعادة تعريفها، لنتمكن من التفريق بين المثقف الحقيقي والمثقف المزيف، لنميز الخبيث من الطيب، ذلك لأن مرحلة التردي التي وصلنا اليها لم تعد تحتمل مزيدا من الزيف والخداع!.
اليوم، نحن في أمس الحاجة إلى مثقفين ومفكرين حقيقين، يأخذوا بيدنا ويخرجوننا من عنق الزجاجة السياسية والاقتصادية التي ما انفكت تزداد ضيقا يوما بعد يوم.
المجتمع في غنى عن مثقفين مخادعين أو تابعين، يحفظون العبارات المنمقة ليسحروا الجمهور بإيقاعها، مدعين امتلاكم الحلول السحرية لمشاكل المجتمع، وفي نفس الوقت، يدافعون عن أفكار غير مؤمنين بها ويرفضونها في أعماقهم.
إن هذا النوع من المثقفين خطير جداَ وفاسد ووصولي، درس وتعلم واطلع كثيرا ليس في سبيل خدمة المجتمع كما يدعي، بل من أجل استمالة الجمهور حوله وكسب الود والتأييد للوصول لأهداف شخصية، فالحذر الحذر من هذا النوع فهم جزء من المشكلة لا الحل!
في حين أن للمثقف الحقيقي صفات ينبغي ادراكها، فهو شخص يمتلك علما وفراسة وحكمة، دمث الخلق، متوازن، صابر ومثابر، مستقل وبعيد عن العصبية، منهجي وموضوعي في طرحه، واسع الاطلاع وكثير البحث، يشعر بهموم المجتمع، متواصل مع الاخرين وغير اقصائي، صاحب مبادئ حقيقية وأهداف واضحة، مواكب للعصر وملم بأحواله، يمتلك نظرة ثاقبة يستطيع من خلالها التنبؤ بسيناريوهات محتملة لكل قرار تتخذه السلطة ويمتلك حسا أمنيا قويا يمكنه من استشعار الأخطار المحدقة بالمجتمع.
أما غاياته الحقيقية، فهي رفعة وطنه، وحماية قيم الخير والعدل والحرية، والدفاع عن المظلومين وحقهم بحياة حرة وكريمة، والأهم من هذا كله، أن أفعاله تسبق أقواله، يحاول التغيير للأفضل وهو في مكانه كمعلم أو كاتب أو طبيب وغير ذلك، ولا يطمع بسلطة أو جاه، ويرفض بشكل قاطع أن يكون في جوقة الظلمة والمنافقين!

نيسان ـ نشر في 2021-02-05 الساعة 16:16


رأي: إسماعيل ياسين كاتب صحافي

الكلمات الأكثر بحثاً