اتصل بنا
 

تركيا والولايات المتحدة ، هل انتهى شهر العسل ؟

نيسان ـ نشر في 2021-04-08 الساعة 20:22

نيسان ـ بحث في تطورات العلاقات التركية الامريكية خلال الاعوام الماضية
لا شك بأن مكانة امريكا العالمية بدأت بالتراجع والتآكل خلال العقود الماضية لصالح دول وقوى عالمية اخرى كما أشار " فريد زكريا " في كتابه عالم ما بعد امريكا ، وهي طبعا لن تتحول لدولة ضعيفة بسرعة بل ان الانهيار يحدث تدريجيا ويستغرق عقوداً وربما قرن او قرنين من الزمان ما لم تحدث عوامل مسرّعة خلال فترة الانحدار ، قد يسأل سائل وما علاقة هذا بتركيا ؟ وهل هذا سيؤثر على العلاقة الاستراتيجية والتحالف بين البلدين عبر العقود الطويلة الماضية ؟ ربما ، لأن تركيا من الدول والقوى الصاعدة الى جانب الهند والصين وروسيا والبرازيل ودول اخرى تسعى مثل تركيا لتعديل اوضاعها الاقتصادية بكل كفاءة خلال العقدين الماضيين ثم تعديل موقعها السياسي الدولي لتحظى باستقلال وتحكم اكبر بقرارها الوطني ، واضعا هذا في الاعتبار بدأت احاول فهم محتويات نشرة الاخبار في قناة الحرّة الامريكية والناطقة باللغة العربية وسواها من المحطات الامريكية والغربية للاسابيع الماضية ، لاحظت تصدّر الاخبار السيئة المتعلقة بتركيا لنشرات الاخبار ، مثل الانخفاض الحاد في سعر صرف الليرة التركية أو إقالة محافظ البنك المركزي التركي ذو الشعبية الكبيرة وتأثير ذلك على الاقتصاد التركي بعد قراره رفع قيمة الفائدة لكبح التضخم المستشري في تركيا ، وحتى انباء اعتقال نواب وقيادات سياسية في حزب الشعوب الديمقراطي HDP ذو التمثيل الكردي الكبير والمتهم من قبل انقره بأنه ذراع سياسية لحزب العمال الكردستاني PKK ، الحزب الانفصالي الارهابي حسب تركيا والولايات المتحدة معا ، ثم هناك اخبار انسحاب تركيا من معاهدة استنبول للحد من العنف تجاه المرأة وتغطية مظاهرات النساء التركيات والمثليين في يوم المرأة بميدان التقسيم بشكل كبير ، ثم تعليق السيد بايدن على هذا الانسحاب من الاتفاقية وإشارته للحكومة في تركيا بشكل سلبي في الوقت الذي لم تكن تركيا الدولة الوحيدة التي انسحبت من هذه الاتفاقية وتحفظت عليها الى جانب ست دول اخرى من بينها بولندا وبلغاريا واستونيا وسواها ، ثم سلسلة من التغطيات السلبية الاخبار عن الاحتجاجات والمظاهرات في اي جزء من تركيا ، يضاف اليها خبر ٌ عن القلق التركي !! من عدم اتصال الرئيس بايدن بالرئيس اردوغان والتركيز على هذا الخبر على مدى ايام ثلاثة ، وإذا ما انعمنا النظر جيدا فهذا الموقف الحاد تجاه تركيا من الادارة الامريكية بات واضحا منذ اليوم الاول وحتى ما قبل اليوم الاول ، فأثناء الحملة الانتخابية لبايدن صرّح بأنه" يعرف جيدا كيف يتعامل مع المستبد اردوغان " وعلّق من خلف الاطلسي على قرار انسحاب تركيا من معاهدة استنبول لحماية المرأة ، وهي معاهدة تسمح لاعضاءها بالانسحاب منها اذا رغبوا متهما نظامها بالدكتاتورية والاستبداد رغم ان انسحاب الحكومة من المعاهدة مفهوم ويخضع بالغالب لموازنات داخلية تركية تتصل بمحاولات الحكومة واردوغان بناء علاقات اكثر قوة مع التيارات المحافظة لاحداث توازنات انتخابية لا بد منها على المديين القريب والمتوسط ، وبايدن لم يتصل ايضا كما اسلفت باردوغان حتى تاريخ كتابة المقال للتنسيق بأي شأن ملتزما بالصمت الدبلوماسي المتمثل بعدم اتصاله بأي رئيس في الشرق الاوسط ، متذرعا بأنه يفضل ترك الشؤون الخارجية للمؤسسات ولوزارات الخارجية والدفاع ، وقد يكون هذا مفهوما لولا اتصاله بنتنياهو في اسرائيل فقط مما يثير موجة من التوتر والقلق في المنطقة .
لقد راقبت تركيا مؤشرات أخرى كثيرة ذات ظلال سلبية على العلاقات مع الولايات المتحدة ومنها تصريح وزير الخارجية الامريكي انتوني بلينكن بشهادته امام الكونجرس عند ترشيحه لشغل منصبه ووصفه لتركيا " بالشريك الاستراتيجي المزعوم " ، ثم هناك بعض التعيينات ذات المساس بتركيا والمنطقة وذات الدلالة المهمة لمستقبل علاقاتها مع الادارة الجديدة ، فقد تم مثلا تعيين لويد اوستن وزيرا للدفاع وهو القائد السابق في القيادة المركزية الامريكية ومن اصول افريقية وكان مسؤولا عن الجيش الامريكي بالعراق وعن التنسيق مع الاكراد بشمال سوريا .
بالاضافة الى تعيين بريت ماكغورك عضوا في مجلس الامن القومي منسقا للشرق الاوسط وشمال افريقيا ، وهو الذي كان يشغل منصب المنسق مع قوات قسد القوات الكردية في شمال سوريا في عهد الرئيس اوباما وكان حاضرا ومتابعا لاستيلاء داعش على الموصل واقامة دولتها هناك ، ومعروف عنه معرفته للعربية والفارسية وتنقله بين منطقة الحدود السورية العراقية انذاك ودعم تسليح الاكراد السوريين في وحدات الحماية الكردية " قسد " ،وهي المنظمة التي لا تخفي رغبتها الانفصالية وتنسيقها مع الامريكان والغرب بكل مجال والتي صرّح قائدها مظلوم عبّادي بعد انتخاب بايدن " بأن الاكراد يأملون من ادارة بايدن اصلاح جميع الاخطاء التي وقعت بالسنوات الماضية " .
فمعنى هذا اننا امام مؤشر ما زال يتعاظم عن حجم الانزعاج الامريكي التركي المتبادل من بعضهما البعض تجاه سياساتهما المتعلقة بالمنطقة والعالم وربما يكون مؤشرا على سعي امريكي مباشر او غير مباشر على كبح جماح تقدم تركيا وتحسن ظروفها الاقتصادية والسياسية لصالح اطراف اخرى اقليمية او دولية ، وربما يؤذن بانتهاء شهر العسل التركي الامريكي خلال فترة حكم الرئيس ترامب للولايات المتحدة ، هذا ان كان هناك فعلا شهر عسل ، لذلك دعونا نلقي نظرة فاحصة على العلاقات التركية الأمريكية مؤخرا .
من المعروف تاريخيا ان الادارة التركية ترتاح اكثر في التعامل مع الادارات الجمهورية في البيت الابيض ، ومع ان العلاقات مع ادارة ترامب لم تكن تخلو من منغصات لتركيا وتهديدات وعقوبات وتوترات بالغة كان منها إيقاف مشاركتها ببرنامج تطوير اف-٣٥ وعدة ملفات اخرى ، إلا ان اللافت هو العلاقة الشخصية الحميمية بين الرئيسين التركي والامريكي وحسب عدة مراقبين فإن هذه الخصوصية بالعلاقة قد حمت تركيا من عدة اجراءات عقابية محتملة سواء عند التدخل في ليبيا واذربيجان وارمينيا وسوريا وشرق المتوسط ، طبعا علينا ان نعرف أن كلا الدولتين تحظيان بنظام مؤسسي للحكم يراعي المصالح الاستراتيجية لكل منهما ولا يتأثر بتغير الادارات السياسية الى حد كبير ولكن في ظل التغيرات الكبرى التي تمر بالمنطقة والعالم وزيادة التوتر بالاقليم واحتمال تغير خرائط النفوذ في الخرائط الحاضرة ، دعونا نلقي نظرة على التغييرات الحاصلة ظاهريا بعد قدوم الادارة الامريكية الجديدة بقيادة جو بايدن الرئيس الديمقراطي للبيت الابيض .
لنحاول استعراض ذلك واسقاطه على مجموعة من الملفات
1. الملف الكردي
2. الموقف والشراكة الاستراتيجية داخل الناتو والموقف من روسيا
3. ملف فتح الله غولن وعدم تسليمه وملف حقوق الانسان في تركيا عموما والموقف من المعارضة ودعم الانقلاب ضد الحكومة التركية عام ٢٠١٦
4. التحركات التركية بالمنطقة .

1. المسألة الكردية وهي مسألة حساسة جدا بالنسبة للأتراك وتهم الامن القومي التركي ووحدة اراضي الدولة التركية ومن اجل ذلك خاضت تركيا ثلاث عمليات مركزية في شمال سوريا لاحباط مشروع تقسيم شمال سوريا في الاعوام ٢٠١٦ بعملية درع الفرات ثم عملية غصن الزيتون في العام ٢٠١٨ في عفرين وما حولها وتبعتها عملية نبع السلام عام ٢٠١٩ لابعاد الوحدات الكردية عن الحدود التركية ومنعهم من التواصل الجغرافي رغم الدعم الامريكي والغربي لهذه الوحدات ؛
فهي اذن فالموضوع الكردي ميزان مهم لتطور العلاقات بين الدولتين او تدهورها ، عثر الجيش التركي اثناء عملية له ضد بي كي كي في جبال قنديل بالعراق على جثث ١٣ رهينة تركية مقتولين باطلاق النار على الرأس ما عدى واحد منهم تم قتله بشكل عادي ، وهؤلاء الاتراك هم جنود ورجال امن وموظفين حكوميين تم اختطافهم في الاعوام ٢٠١٥-٢٠١٦ من قبل المنظمة الانفصالية ثم تم نقلهم الى شمال العراق ، ورغم الغضب التركي الشديد من فظاعة الحادثة الا ان الرد الامريكي اتّسم بالبرود ولم يدنْ مسؤولية ال بي كي كي عن الحادثة كما اشارت الرواية التركية ، وحينها صعّد الرئيس اردوغان من غضبه ضد الامريكان قائلا " انكم تدّعون ليل نهار انكم تحاربون الارهاب ولا تؤيدونه ولكن بالنظر الى رد فعلكم على مقتل جنودنا الرهائن فإنكم فعليا تقفون مع الارهابيين وتؤيدونهم " بعد ذلك فقط تم اصدار بيان من الخارجية الامريكية ادان فيها ال بي كي كي بالاسم على هذا العمل الاجرامي والارهابي .
بعد هذه الحادثة المدوية تصاعد الغضب التركي ضد حزب الشعوب الديمقراطي واستفادت الحكومة من عدة تجاوزات قانونية وسياسية ارتكبها قيادات في هذا الحزب تجاه الدولة التركية ووحدة اراضيها وامنها القومي لتنفيذ حملة اعتقالات واسعة ضد قيادة الحزب وسياسييه على طول تركيا وعرضها طالت من بين من طالت سفدا سوباشي مسؤولة الحزب في ولاية قارس في اقصى الشمال الشرقي التركي فضلا عن مئات اخرين ووجهت لهم تهمة عضوية حزب العمال الكردستاني المحظور .
ثم قام احد المدعين العامين برفع دعوى على حزب الشعوب الديمقراطي وطالب بحلّه بدعوى انه الذراع السياسي للمنظمة الانفصالية المحظورة البي كي كي . مما استدعى من الادارة الامريكية التعليق على الوضع المتردي لحقوق الانسان في تركيا في اشارة لهذه الاعتقالات ، في الوقت الذي تستمر فيه الحكومة التركية بالتمهيد لازاحة هذا الحزب الكردي من الساحة الشرعية للأحزاب السياسية وتوجيه ضربة لتاريخ طويل من التنسيق ما بين الادارة الامريكية والعلاقات القوية مع الاكراد على طرفي الحدود سواء في سوريا او العراق او تركيا حتى ان خبيرا امريكيا صرّح " بأن الادارة الامريكية ربما اصبحت تعتمد على الاكراد وقسد على الخصوص كحليف اوثق في معركتها المزعومة ضد داعش بدلا من الدولة التركية " مما يشير الى تغيير استراتيجي في موازين القوى والتحالفات في المنطقة .
2. العلاقة بروسيا وصفقة صواريخ اس -٤٠٠
رغم العداء التاريخي بين روسيا وتركيا والتنافس بينهما منذ قرون والذي زاد بعد تفاقم الازمة السورية حليفة روسيا ، ثم اسقاط الاتراك للطائرة العسكرية الروسية في شمال سوريا والتصعيد الخطير في نوفمبر من العام ٢٠١٥ بداية التدخل الروسي في سوريا بشكل متصاعد ومباشر ، هدد هذا الحادث بالمواجهة المباشرة بين البلدين ، وفي اثناء هذه الحادثة قام حلف الناتو بسحب صواريخ باتريوت من الاراضي التركية والتصرف ببرود شديد تجاه تركيا وخلافها مع روسيا رغم انها تعتبر الحليف التاريخي للغرب والناتو ، مما جعل تركيا تسلك طريقا خاصاً بها لحل هذا الاشكال وسواه مع روسيا والرئيس بوتين ، ثم ورغم الحاح تركيا المتكرر على طلب شراء صواريخ تحمي مجالها الجوي وبشكل مباشر من الولايات المتحدة الا ان امريكا تجاهلت الطلب التركي ايضا ، وبعد ان وافقت بعد مرور ١٧ شهرا رفضت نقل التكنولوجيا العسكرية اللازمة لتشغيل الصواريخ لتركيا مما ادى لرفض الصفقة تركياً ثم قامت تركيا بعمل التفافة استراتيجية والتوجه الى روسيا التي سارعت - ولعدة اعتبارات سياسية منها قد يكون منها رغبتها في خلخلة حلف الناتو وكذلك التنسيق مع تركيا لتخفيف الاثار الصعبة للتدخل الروسي بسوريا - للموافقة على بيع منظومة صواريخ اس - ٤٠٠ لتركيا بصفقة بلغت ٢.٥ مليار دولار ثم تسلمت تركيا الدفعة الاولى منها في تموز من العام ٢٠١٩ بعد ان قبلت روسيا ان تشغّل من قبل فنيين اتراك ، ومع ذلك علينا ان لا نغفل ان هذه الصفقة وما ترتب عليها من تداعيات وعقوبات امريكية تمثلت بفرض قانون كاتسا وسواه من تدخلات لضرب الاقتصاد واضعافه وبشكل علني ، كل هذا ليس هو المظهر الحقيقي للخلاف بين تركيا والولايات المتحدة بل ان الامر اقدم من ذلك بعقود وزاد من حدّته عدم موافقة تركيا على استخدام اراضيها لضرب العراق والاطاحة بصدام حسين بعد ان لمست الاثار الكارثية لضرب العراق في العام ١٩٩١ مما اغضب بالتالي ادارة الرئيس بوش التي كانت قد حزمت امرها على احتلال العراق في العام ٢٠٠٣ ، ثم زاد الجفاء اكثر بعد اندلاع موجة الربيع العربي والثورة السورية ووقوف الادارة التركية في صف الشعوب العربية المنتفضة ضد الاستبداد والفساد ، بينما تخبطت الادارة الامريكية تحت ادارة اوباما لأخذ موقف مبدئي من الصراع الدائر سلميا بين الشعوب وحكامها وانظمتها وارسلت اكثر من مرة اشارات متضاربة للأطراف كافة ودعمت اجهزتها عدّة اطراف ، كلاً على حده وقامت وكالة الاستخبارات المركزية والبنتاغون او وزارة الخارجية بتبني خيارات متعارضة دون ان يكون واضحا ان هذا التضارب بقصد زيادة تفتيت هذه القوى والدول وتدميرها ام بدون قصد ونابع عن جهل بالمنطقة وتوازناتها ، وبلغ التناقض مداه عندما دعمت السي اي ايه جهود تركيا لمحاولة حل الصراع السوري في بداياته بشكل سلمي للضغط على النظام لتقديم تنازلات للمعارضة السلمية آنذاك ، ثم بعد فشل هذا الطريق بدأت بدعم تدريب الجيش السوري الحر المكون من جماعات سنية موالية مقربة من تركيا ، بينما دعم البنتاغون وحدات حماية الشعب الكردية ذات التواصل المباشر مع حزب العمال الكردستاني في تركيا والذي باشر بعد ٢٠١٥ حربه مجددا ضد الدولة التركية طارحا من جديد اتجاهاته الانفصالية الى المقدمة مما جعل تركيا تحزم امرها في تدخلها في شمال سوريا بعد سنوات من طلبها من امريكا وقف دعم هذه الجماعات الكردية وتوفير منطقة طيران امنة غرب الفرات دون جدوى ، لكن كل هذا تحقق لتركيا بالتعاون مع الروس خطوة تلو خطوة دون ان تحس تركيا بأنها تخسر كثيرا جراء هذه الاستقلالية الضرورية لقرارها بحماية امنها القومي ، ومما زاد من شعور تركيا بالعزلة في المسألة الكردية ثم بروز موضوع الصواريخ وتبين انه مجرد حجة فقط للتصعيد الامريكي والكونغرس لدرجة ان ستيفن كوك اشار في مقالة له بمجلة فورين بوليسي " ان تركيا لم تعد تملك اصدقاء كثر في واشنطن " ومع ذلك وبعدة مناسبات لمست تركيا ان هذه الحجة ليست حقيقية لان تركيا حاولت عدة مرات تقديم حلول وسط وتوضيح اسباب قيامها بهذه الخطوة من اساسه وحتى تشكيل لجنة امريكية تركية مشتركة لدراسة تأثير المنظومة الصاروخية على الاسلحة الامريكية وطائرات اف -٣٥ ، وكان اخرها عدم تشغيل منظومة الصواريخ لتاريخه رغم احتمال التعرض لحملات النقد من المعارضة وانتقاداتها بدعوى اهدار ٢.٥ مليار دولار على سلاح لن يتم تشغيله ، ثم اشتراط ان مشغلي المنظومة سيكونون اتراكا وليسوا روسا بأي حال ، ومع هذا فالظاهر ان الادارة الامريكية لا تهمها كل الذرائع المقدمة من تركيا وتريد ان تستخدم قضية الصواريخ ذريعة للضغط على تركيا ليس في هذا الموضوع بالذات بل في قضايا اخرى ذات اهمية اكبر ، لأن العلاقة بينهما استراتيجية لاحتواء روسيا وتمدداتها والولايات المتحدة بعهد بايدن تحتاج تركيا لهذا الاحتواء اكثر من اي وقت مضى حسب مطلعين على كواليس السياسات التركية والامريكية على حد سواء .
3. الموقف من فتح الله غولن ومنظمته " خدمة "
لا شك بأن الانقلاب التركي وفشله بتموز ٢٠١٦ تعتبر نقطة فاصلة في التاريخ التركي المعاصر لأنه اولا كان النقطة الاخيرة في صراع دام على السلطة في تركيا من قبل منظمة سرية هي منظمة غولن المعتمدة على تغلغلها في مؤسسات الدولة والجيش التركي ، محاولتها التي انتهت بالفشل بشكل مختلف عما اعتاده الاتراك والعالم من انقلابات تطال الحكم المدني بتركيا كل عدة سنوات ، فشل الانقلاب رغم مسارعة دول كثيرة اقليمية ودولية لاستباق نتائج الانقلاب ومباركته بشكل فج ومكشوف ثم تجاهل نتائجه الكارثية والتعاطي مع الحكم المدني بتركيا ببرود وازدراء رغم انتصاره على العسكر بسبب وحدة القوى السياسية كافة خلف حكومة اردوغان وادارته وكانت امريكا احدى هذه الدول فضلا عن عدة دول غربية وعربية مركزية ، اما امريكا فإن المسؤولين الاتراك منذ اللحظة الاولى لم يخفوا شكوكهم من تورط الامريكان بهذه المحاولة الانقلابية الجديدة كما ثبت تأييدهم انقلاب كنعان افران عام ١٩٨٠ ثم توالت الاشارات عندما اشار مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية «سي أي أيه» جيمس كلابر، في ندوة في منتدى أسبن الأمني، بولاية كولورادو، عن قلقه من «إبعاد وإقالة عدد كبير من المسؤولين العسكريين الأتراك»، ممن تورطوا في محاولة الانقلاب الفاشلة، بدعوى أن ذلك «قد يعرقل التعاون التركي-الأمريكي في مكافحة تنظيم الدولة الإرهابي». وعندها ثارت ثائرة الرئيس اردوغان ورد بالقول : «إن تطهير قواتنا من الانقلابيين أزعج الجيش والاستخبارات الأمريكية. حيث انبرى أحد الجنرالات أو الأدميرالات في أمريكا (في إشارة لكلابر ) وبالتزامن مع ما يجري (في تركيا) ليقول: شخصيات من مستويات عليا في القيادة، كنّا نتواصل معهم، قد باتوا خلف قضبان السجون».
وأضاف أردوغان: «على الإنسان أن يخجل قليلًا، هل أنت مخوَّلٌ بالخوض في هذه الأمور واتخاذ قرارات في هذا الصدد؟ من أنت؟ عليك قبل كل شيء أن تعرف حدودك وتعرف نفسك»، وتابع: «عليك أن تقدم الشكر باسم الديمقراطية، لهذه الدولة التي تمكنت من دحر الانقلابيين، عوضًا عن الاصطفاف بجانبهم، لا سيما أنَّ متزعم الانقلاب مقيم في بلدك، ويتلقى الدعم منكم (في إشارة لفتح الله غولن)».
ثم ان هناك اعتقالات طالت رئيس قاعدة انجيرلك التركية التي ترابط بها قوات امريكية بعد ثبوت تورطه ومجموعة كبيرة من ضباط القاعدة وجنودها في محاولة الانقلاب ودعمها بما في ذلك اقلاع ثلاث طائرات اكثر من عشرون مرة لتزويد ٣٥ مقاتلة بالوقود كانت تدعم جهود الانقلابيين ومحاولتهم .
بعد ذلك طالبت تركيا مرارا وتكرارا امريكا بتسليم فتح الله غولن المتهم وحركته "خدمة" بتدبير الانقلاب والمقيم في بنسلفانيا بالولايات المتحدة منذ العام ١٩٩٩ في مجمع كبير بجبال بوكونو وتدير حركته استثمارات ومدارس ومعاهد جامعية ضخمة بمليارات الدولارات ، الا ان الولايات المتحدة اصرت على عدم تسليمه تحت اي ذريعة حتى عندما عرضت تركيا مبادلته بالقس الامريكي اندروا برانسون الذي اعتقل باكتوبر من ٢٠١٦ بتهمة المساعدة في تنظيم الانقلاب ، تمسكت الادارة الامريكية بموقفها مما فاقم الوضع سوءاً داخل تركيا خاصة مع تقدم التحقيقات وازدياد الادلة التي تشير من قريب وبعيد لضلوع ضباط ومسؤولين امريكيين في دعم وتنظيم محاولة الانقلاب رغم نفي ادارة اوباما هذه المزاعم الا ان هذه القضية بالاضافة للقضايا الاخرى فاقمت من احباط انقرة من حليفها الابرز ودفعها نحو محاولة الاستقلال بقرارها اكثر فأكثر .
4. نصل قضية مهمة وهي الموقف من تنقيب تركيا عن الغاز والنفط بشرق المتوسط مع ما يحمل من هذا من فرصة لا بديل عنها لتركيا في عالم متوحش ومتعطش للطاقة والاستقلال مما اثار نزاعاً جديداً مع اليونان وقبرص ومن ثمّ الاتحاد الاوروبي ، كما زاد من التوتر الى درجات كبيرة والتهديد بفرض عقوبات على تركيا على عدة مستويات وتم حشد قطع بحرية عسكرية من عدة دول ومناورات مشتركة اجرتها الولايات المتحدة ودول من الناتو مع اليونان بمعزل عن تركيا مما ادى الى جنوح تركيا للتهدئة وبدء مباحثات مع اليونان فيما يتعلق بمجالها البحري وحدودها الدولية ومنطقتها الاقتصادية ثم اوصى تقرير جوزيف بوريل الممثل السامي لمجلس الشؤون الخارجية الاوروبي بتاريخ ٢٢/٣/٢٠٢١ " يعمق الاتحاد الأوروبي من الزخم الحالي الناتج عن وقف تركيا للتصعيد في شرق المتوسط ويدعو الى توثيق العلاقات مع تركيا " مما انعكس على قرارات مجلس الاتحاد الاوروبي بتأجيل فرض عقوبات على تركيا ل ٣ شهور اخرى وكذلك البدء بمفاوضات تحديث الاتحاد الجمركي ، أي قرار يمثل العصا والجزرة معا ، وهو نهج بمسار مزدوج يشبه تماما النهج الامريكي وينسق معه في هذه المرحلة وقد تبين هذا من تصريحات بلينكن وزير الخارجية بعد اجتماعاته المكثفة ببروكسل مع وزير الخارجية التركي جاويش اوغلو وبقية وزراء الخارجية الاوروبيين بتاريخ ٢٤/٣/٢١ وخرج بعدها الوزير بلينكن بتصريح يقول فيه " التعاون والحوار مع تركيا مهم وضروري في محطات سوريا وليبيا وافغانستان والعراق والقفقاس دون اغفال الخلافات المتعلقة بمنظومة الصورايخ اس -٤٠٠ " ، مما يشير الى التنسيق طويل المدى بين واشنطن وبروكسل ضد تركيا مما يزعج تركيا ويضعها في كماشة " أما علاقات جيدة أو ...... " وهذا بالتالي يقود الى استمرار التجاذبات في هذا الملف وسواه خاصة اذا استمرت كلا من اليونان وقبرص اليونانية بالاصرار على مطالبهم الحدّية في مقابل الحقوق المشروعة لتركيا بالتنقيب عن الغاز والنفط في مجالها الحيوي وحدودها البحرية المعترف فيها .
ماذا بعد ؟
لا شك ان سياسات تركيا وعلاقاتها بمحيطها قد تطورت عبر السنين فبينما تحركت الادارة التركية خلال العقد الماضي واثناء سنوات الربيع العربي من اتجاهاتها العامة بقيادة رئيس الدبلوماسية التركية احمد داوود اغلو من "صفر مشاكل مع المحيط والجيران " الى اتجاه الردع الاقليمي والتدخل المباشر لإطفاء حرائق الاقليم الملتهب في ديناميكية متغيرة ونشطة ذات استجابة عالية ومؤثرة في كل من سوريا وقطر وليبيا واذربيجان وقبرص وشرق المتوسط ، وما ذلك الا لوعيها بأنها لا يمكن ان تقف مكتوفة الايدي سلبية الارادة بينما العالم من حولها يتداعى دولة وراء دولة مشكلاً ثقبا اسودَ قد يلتهم الانجازات التركية جميعها ان لم يتم التعامل مع الموضوع بحساسية واقتدار . وأنا هنا اتذكر في هذا السياق حديثي مع رجل اعمال تركي كبير في بداية الازمة السورية وتفاعلات الربيع العربي الدامي حيث قال : " على تركيا ان تحذر من كل هذه الحراكات والتغييرات لأن المستهدف قد يكون تركيا بالحقيقة بتوريطها وسحبها نحو المستنقع السوري العراقي الكردي اليوناني القبرصي رغم ممانعتها كثيرا هذا التورط المباشر ."
لذلك تركيا مؤخرا اقرّت وعلى لسان رئيسها اردوغان مؤخرا في مؤتمر للحزب الحاكم بتاريخ ٢٤/٣/٢٠٢١ بقوله " إن قدرنا في تركيا ان نواصل علاقاتنا مع الدول المحيطة بنا من الشرق والغرب وأن نساعد في تحويل منطقتنا الى واحة سلام والعمل ما امكن على زيادة اصدقاءنا ومعالجة الخصومات مع جيراننا " .
لذلك فتركيا لا تتوقع حل كل المسائل العالقة بين الطرفين خصوصا في ظل استمرار الضغط الامريكي على تركيا وعدم وجود دلائل على تغير موقف الادارة الامريكية من ملفات الاكراد ووحدات حماية الشعب الكردي في سوريا وملف غولن ودعم اليونان في مقابل تركيا في شرق المتوسط ولكنها ستبقى تحاول ان تجد نقاطا للتفاهم والتعاون ما امكن مع جميع الاطراف ، ومع ذلك وبحسب مراقبين فقد لفت انتباههم الى سعي تركيا بخطوات عملية للتعاقد مع مجموعات ضغط في الولايات المتحدة فضلا عن شركات قانونية للدفاع عن حقوق تركيا في العودة لمشروع اف - ٣٥ وتوضيح موقفها بخصوص صواريخ إس - ٤٠٠ .
مما قد يشير بشكل فاضح ان الحكومة التركية تراجعت امالها لقرب حوار جاد ومثمر فعلا مع الادارة الامريكية الحالية نتيجة لغياب الثقة والتوتر بين الطرفين والمخاوف المتنامية في الملفات المذكورة والتي من المؤكد انها لن تصل لحد القطيعة او الصدام بينهما لكنها ايضا مرشحة للاستمرار والتصعيد حسب المعطيات المتوفرة بأيدينا لهذه اللحظة .

نيسان ـ نشر في 2021-04-08 الساعة 20:22


رأي: د. اسامة المجالي

الكلمات الأكثر بحثاً