اتصل بنا
 

عن موفق محادين وعريب الرنتاوي وحوار الدهماء في البلد

صحافية وكاتبة أردنية

نيسان ـ نشر في 2021-07-02 الساعة 20:11

نيسان ـ إن ما يجري في الأردن منذ سنوات من تطاول الناس على مثقفين وكتاب أردنيين لأمر يدعو للدراسة..
وفي ظرف عشرة أيام يتعرض كاتبين أردنيين للتنمر، ولكن مِنْ مَن؟
في كلية الشريعة، أخبرنا أحد الأساتذة، أن لغة الحوار في عصور الانحطاط حول قضايا فقهية وتفسيرية كانت تتم على النحو التالي: كان أنصار رأي معين يدعون أنصار الرأي الآخر للمبارزة، لا تفهموني خطأ، ليست المبارزة الفكرية، لكن مبارزة بالنعال والحجارة لإثبات رأي على آخر!
وإنني اليوم إذا أردت وصف الترند ومقاربته إلى العصور القديمة لا أجد وصفاً خيراً له إلا النعال!
سأبدأ بالأستاذ عريب الرنتاوي، وأتحدث عنه من زاوية صحافية مثلي، تجتهد في البحث عن محللين ذوي كفاءة ينقذونها في فهم الأحداث، وإن الأستاذ الرنتاوي من القلة القليلة الذين لا أتصل بهم كي أحصل على تصريح للمؤسسة التي أعمل بها وحسب، ولكن كي أتعلم منه في أغلب الأحيان.. وإنه بالنسبة إلي نموذج في المتابعة والفهم والتحليل.
وإن الهجمة الأخيرة عليه، لا تسيء إليه بقدر ما ترسم الصورة المحزنة التي وصلنا إليها في النقاش، يمكن لأي أحد أن يخالف الاستاذ الرنتاوي لكن يكفي أن يكتب مقالاً يواجه فيه مقاله، وأن يجري نقاش حضاري للأدلة التاريخية حول ما جرى في جزء مهم من تاريخنا، لكن ما جرى إنما يدفع الكتاب والباحثين للخوف من التعبير عن آرائهم.. وإننا إن كنا نسيء هنا نسيء لصورة بلدنا عندما ينحو الحوار والنقاش منحى هجومياً.
أما الدكتور موفق محادين..
فلا أظن أن أحداً في الأردن شهادته غير مجروحة في د. محادين مثلي، فلا يخفى على أحد خلافاتنا منذ أزمة العرب اليوم الأردنية.. لكن لا يمكنني التقليل من قيمة فكره وما يقدمه، كما لا يمكنني عدم الاشارة الى نقاء هذا الانسان،فكيف سأسمح لمراهقين أو جهلة أن يهاجموا فكرة طرحها في أحد البرامج!
والسؤال الذي يتكرر دائماً؛ إلى متى أيها الأردنيون ستبقون تحترفون قتل أنبياءكم، وإذا فاخر الناس بما لديهم من مثقفين لذتم إلى الصمت واعتقدتم أنكم لا تملكون شيئاً!
وإن د. محادين بما لديه من فكر إنما يستحق الاحترام والفهم والمتابعة، وليس الهجوم، وإنني بمتابعة بسيطة لمن هاجمه ومَن وقف معه وجدت أن الجهلة ومَن لم يقرأوه وقفوا ضده ومَن يقرأ ويتابع لم يملك إلا الوقوف معه..
إن الترند في خلاصة الأمر أصبح لعنة، تُنَصّبُ الجهلة علينا، وتمنحهم حجماً أكبر من حجمهم، ففي الواقع المكان السليم لمَنْ لا يقرأ ولا يتابع هو الانغماس بعمله اليومي وحسب، أما إذا أراد أن ينغمس في النقاشات الفكرية، فعليه أن يقرأ ويفهم أولا.. وإن طغيان ترند على آخر لا يعني في النهاية تفوقاً فكرياً معيناً!
لقد تربيت منذ طفولتي على عزلة غريبة من نوعها، فكنت لا أخرج ولا أخالط الناس فترة مراهقتي، لكنني غرقت في كتب الأدب والشعر العربي القديم، حتى أنني اعتقدت أن العصر الحاضر لا يقدم الأدباء والمفكرون فيه شيئاً جديداً..
وعندما عملت في العرب اليوم، وبينما كنت أنتظر انتهاء أزمة السير في أحد أيام الصيف في عام 2006، ونظراً لأنني لم أحمل كتاباً من مكتبتي، وجدتني أمد يداي إلى كتاب لناهض حتر (رحمه الله) اسمه "الملك حسين بقلم يساري أردني" كان من ضمن مكتبة القسم الذي أكتب فيه حينها.
أذكر جيداً أنني وليومين بعدها كنت أفكر؛ هل يوجد في الأردن شخص يكتب بهذه السلاسة!
وشعرت أنني أعيش في بلد لا أراه فعلياً.. ومنذ ذلك الحين عقدت العزم أن أرى جيداً بلدي التي ربتني (الأردن)..
بعدها بعشر سنوات قتل الدهماء ناهض!
مشكلتنا في الأردن أننا لا نفهم ولا ندرك قيمة الثقافة والفكر لذلك نخسر مثقفينا ومفكرينا.. فإن لم نقتلهم جسدياً قتلناهم معنوياً.
أشخاص مثل د. محادين وأ. الرنتاوي، الأجدى منكم أن تحاولوا فهمهما، وإن اختلفتم معهما في الرأي وهذا حق، الأجدى أن تواجهوهما بأدواتهما الفكرية، وإن هذا سينعكس على الناس الذين سيتابعون سجالات فكرية وتاريخية، على الأقل لن يعود الناس مجرد دهماء يحركها الترند! الترند الذي بات أداة في يد الجهلة لا أكثر ولا أقل.
إن هذا البلد (الأردن) أنجب شعراء وأدباء وباحثين جميلين، لا يمكن للشعب رؤيتهم، وكأنهم يعيشون في عالم موازٍ للناس، تبدو المكتبة الأردنية ورغم بساطتها، صندوق مجوهرات غني وجميل لجدة ودودة لا أحد يعبأ لأمرها..
لقد استحضرت هنا نموذج ناهض، لأنه (بالعاطل أو بالمنيح) علينا أن ندرك أننا بخسارتنا لمثقفينا نخسر الكثير، وما زال أمثال ناهض يعيشون بيننا (سواء اختلفوا مع فكره أو وافقوه) فعلينا أن نحاول الفهم لا السخرية واغتيال الشخصيات، لأننا بذلك نغتال هويتنا وذاتنا باغتيال شخصيات تحمل ثقافة وفكراً.

نيسان ـ نشر في 2021-07-02 الساعة 20:11


رأي: رانية الجعبري صحافية وكاتبة أردنية

الكلمات الأكثر بحثاً