اتصل بنا
 

كتب محمد عرسان: (هنا إذاعة القدس)

نيسان ـ محمد العرسان ـ نشر في 2015-09-29 الساعة 12:14

x
نيسان ـ

“هنا إذاعة القدس الإذاعةُ الفلسطينيةُ العربيةُ على طريقِ تحرير الأرضِ والإنسان”… على هذا الصوتِ المدوي كنت أشق طريقي بين الأزقةِ المتشابكةِ في مخيمِ الشهيد ِعزمي المفتي إلى مدرستي الابتدائية التي تقع في أطراف المخيم.

كان صوت هذه الإذاعة التي تبث من دمشقَ يخترق كافة الشوارع والأحياء في المخيم حيث كانت الانتفاضة الفلسطينية الأولى في أوجها، ولا تنفك مذيعة تطلق على نفسها بيسان عن نشر البيانات وأخبار الانتفاضة العاجلة عبر أثير الإذاعة مصحوبة بموسيقى حماسية للسيدة فيروز بمقدمة “أيها الأخوة المناضلون جاءنا الآن ما يلي” كان ذلك قبل 23 عاما.

مؤخرا– أثناء زيارتي إلى اربد- و أنا أقلب في محطات المذياع و قع سمعي على ” هنا إذاعة القدس” سرت إلى جسدي رعشة أعادت لقلبي الحنين إلى طفولة بائسة عشتها في كنف المخيم، و استرجعت شريط ذكريات وصورا عصية على النسيانِ.

أذكر كيف كنت أستيقظ كل يوم في السادسة صباحا وأقفز من فوق سور منزلي لأسلك زقاقا ضيقا ينتهي بي إلى مدرسة ” الوكالة” المصنوعة من صفيح الـ”زينكو” بعد مسير نصف ساعة أقضي أغلبها بالتطفل على “طوابير النساء” اللواتي يقفن بالساعات في انتظار مساعدات وكالة الغوث من الطحين والـ”البكج” حيث يتربص بهن هناك البائع أبو عماد لشراء هذه المساعدات بأبخس الأسعار.

و لا تفارق مخيلتي صورة جارنا العجوز أبو طلال الذي اعتاد أن يجلس على عتبة بيته التي تشققت ولم تعد قادرة على حمله هو وحفيده محمد المتخم بالروايات البطولية عن أجداده في الحرب العربية الإسرائيلية.

والسؤال المحير الذي يدور في رأس أبو طلال منذ 62 عاما ” كيف استطاعت مجموعة صغيره من العصابات اليهودية هزيمة الجيوش العربية الجرارة”!! وكيف فقد بيارات البرتقال التي كان يملكها في قريته طوباس؟؟ أسئلة لم تجد طريقها إلى حل حتى الآن.

اليوم أبدو غريبا عن مسقط رأسي وكأن هوية المخيم قد طمست فلم تعد المحلات التجارية تصدح بصوت إذاعة القدس و باستغاثة جوليا بطرس “وين الملايين” ولم أعد اسمع أغنية ” ثوري ثوري ثوري” ولم أعد أسمع قرع زخات المطر على أسقف المنازل المعدنية، حتى العبارات اختفت عن جدران المخيم فلم تعد “نموت وتحيا فلسطين” إلى مكانها!!

من سرق ذكرياتي؟؟؟.

نيسان ـ محمد العرسان ـ نشر في 2015-09-29 الساعة 12:14

الكلمات الأكثر بحثاً