اتصل بنا
 

الخاسرون في الحرب

نيسان ـ نشر في 2022-02-26 الساعة 15:23

نيسان ـ استفاق العالم على صدمة أول حرب تقليدية شاملة تشهدها القارة الأوروبية العجوز منذ أكثر من 75 عاما .. المكان أوكرانيا ، والزمان حددته عقارب الساعة الروسية بدقة ، والطريق هنا بحري وجوي وبري .. والهدف حماية الأمن القومي لروسيا باحتلال دولة مستقلة ، والتكلفة خسائر مالية ضخمة تصل إلى تريليون دولار بين تجميد أصول وعقوبات اقتصادية ضخمة على الدب النووي تجمع عليها الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين .
التساؤلات المطروحة أمام هذا المشهد ، هل نشهد حربا طويلة الامد تمتد رحاها الى باقي دول أوروبا ومناطق توتر أخرى في العالم ؟ وهل سيتأثر الاقتصاد الروسي بوابل العقوبات المفروضة أم سينجو الدب من الأزمة بدعم التنين الصيني؟ ومن سيدفع فعلا تكلفة هذه الحرب العبثية ومن سيتأثر بنيرانها وهل ستقتصر الخسائر على روسيا لوحدها أم تمتد الى الاقتصاد العالمي برمته؟
الحقيقة المجردة تقول بأن الجميع خاسر في هذه الحرب وتأثيرات دوي الرصاص المتساقط من السماء على أوكرانيا سيصل الى بقية دول العالم حتى البعيدة الاف الكيلومترات عن ساحة المعركة.
بجردة حساب أولية هناك خاسرون كثر من التصعيد في أوكرانيا ، والاقتصاد الروسي سيتأثر بالعقوبات لكنه لن يخنق أو يتداعى بسهولة .
وبلغة الارقام بنى الروس تحصينات مالية كبرى ستقلص تأثير العقوبات على المدى القصير على اقتصادهم بامتلاك احتياطي نقدي من العملات الاجنبية يبلغ 640 مليار دولار، ولديهم غطاء مالي يعادل 12 % من اجمالي الناتج المحلي عبر صندوق الثروة الوطني ، ولدى موسكو أيضا مفاتيح صنابير النفط والغاز التي يمكن أن تزيد أعباء اوروبا والعالم الاقتصادية ، فهي تنتج واحدا من بين كل عشرة براميل من الخام في العالم . وتمتلك وجارتها أوكرانيا 30 % من صادرات القمح العالمية وكذلك الحال بالنسبة للذرة ، وتعتبر أحد اكبر مصدري المعادن في العالم ، فضلا عن قوتها النووية الهائلة وامتلاكها ترسانة عسكرية متطورة جدا وتعتبر أحد أكبر مصدري الأسلحة في العالم ، ويمكنها أن تقوم بالاخلال بالمعادلة الأممية الأمنية برمتها .
قول فلاديمير بوتين، الذي أعطى شارة بداية الحرب بأن روسيا تظل جزءا من الاقتصاد العالمي، وأنها لا تريد تقويض النظام الدولي ، تبدو واقعية لأن عزل بلاده اقتصاديا سيزيد التكلفة على الاقتصاد العالمي المتأزم أصلا وليس على موسكو لوحدها.
بصراحة وبدون مواربة جاء خطاب جو بايدن بعد الغزو الروسي لأوكرانيا دون التوقعات ، فقد حيدت القوى الاقتصادية الكبرى قطاع النفط من العقوبات وتم ابقاء روسيا ضمن نظام المدفوعات العالمي سويفت ، كما لم يعزل الاقتصاد الروسي نهائيا عن العالم كما توعد الغرب ، وهذا يدل أن الأزمة أكثر تعقيدا من قدرة أمريكا وحلفائها على التحرك بحرية لانهائها .
الخسائر الرئيسية للاقتصاد الروسي تتركز في قطاعات المصارف والتكنولوجيا والمعدات الحيوية والمتطورة والصادرات غير النفطية ، و ستواجه موسكو ضعفا في قدرتها على إجراء تعاملات بالدولار والين واليورو ولن تتمكن من الوصول الى الاسواق العالمية لأدوات الدين بهدف تمويل مشروعاتها نتيجة العقوبات .
لكن التوقعات أن تلجأ روسيا إلى مصادر وطنية وإلى سوقها الخاصة لتمويل اقتراضها ، حيث تتمتع بمستوى دين عام منخفض (16 %من الناتج المحلي الإجمالي) ووفورات مالية تمكنها من تحمل عواقب المواجهة .
إذا .. تبدو روسيا في موقف مريح ماليا لتحمل تكلفة حرب قصيرة وليس طويلة الأمد بفضل ثرواتها الطبيعية ، فعائدات ميزانيتها أعلى من المتوقع بدعم تصدير الغاز والنفط التي تجاوزت أسعاره حاجز 100 دولار للبرميل.
الخاسرون في الطرف المقابل من الحرب هم المستهلكون الذين سترتفع تكلفة معيشتهم من جديد وعلى العالم التعايش مع تضخم طويل الامد ، فتداعيات الأزمة رفعت اسعار البضائع والخدمات وخصوصا فاتورة الطاقة، والعواقب الأولى تمثلت في تضاعف أسعار الشحن للتحميل في الموانئ الروسية والتفريغ في شمال أوروبا إلى ثلاثة أمثال في يوم واحد لتصل إلى حوالي 2.3 مليون دولار للسفينة .
أخيرا السؤال المطروح هل ستنتهي الحرب عند حد تعيين بوتين حكومة موالية لموسكو في كييف أم أن أوكرانيا بداية المواجهة بين روسيا والغرب ، لتمتد بعدها الى دول البلطيق وهي لاتفيا وليتوانيا وإستونيا وكل القوى المعادية الأخرى لروسيا؟
العالم اليوم تسوده لغة القوة وخطاب الكراهية والتحالفات المصالحية والاختلافات العرقية والدينية.. تخيلوا كيف تداعت كل القوى الحرة في العالم لشجب احتلال روسي لأوكرانيا بينما يتعايش الجميع مع أسوأ وأطول احتلال في العالم مستمر من 74 عاما .

نيسان ـ نشر في 2022-02-26 الساعة 15:23


رأي: د. محمود مشارقة

الكلمات الأكثر بحثاً