الحرب المفتوحة على كل الاحتمالات
د. زيد النوايسة
أكاديمي وكاتب
نيسان ـ نشر في 2022-03-01 الساعة 06:41
نيسان ـ قبل ستة سنوات سُئل الرئيس بوتين حول فرص عودة الاتحاد السوفياتي الذي تفكك رسميا نهاية العام 1991، في عهد جورباتشوف ثامن وآخر رئيس سوفياتي وصاحب نظرية البروسترايكا؛ أجاب «من لا يراوده الأسى لغياب الاتحاد السوفياتي، انسان بلا قلب ومن يراوده التفكير بإمكانية عودته، انسان بلا عقل».
يبدو أن تلك الإجابة لم تعد صالحة على الأقل في شقها الثاني بعد تلك التطورات التي حصلت منذ احداث الثورات الملونة في أوكرانيا العام 2014، وقبلها التدخل الروسي في جورجيا العام 2008؛ إذ يبدو أن خيارات اعادته بشكل وصيغة جديدة من خلال روسيا جديدة صاحبة نفوذ وتأثير ضمن مجالها الحيوي؛ ضرورة تتعاظم رغم الكلفة الكبيرة والمخاطرة بنفس الوقت.
من المهم العودة للتاريخ قليلا لقراءة تطورات المشهد الحالي؛ ففي العام 1999 بدا حلف الناتو يتوسع شرقاً خلافاً لكل التعهدات بين روسيا والأوروبيين؛ كانت الوجبة الأولى بولندا والمجر والتشيك ولاحقاً في الفترة الممتدة من العام 2004 وحتى العام 2009 التحقت تسعة دول بالحلف وهي بلغاريا ورومانيا ودول البلطيق الثلاث (استونيا ولاتفيا وليتوانيا) وهي دول صغيرة مجاورة لروسيا وشديدة القلق منه لكنها لا تشكل خطرا مباشرا ومعنية بالانفتاح على أوروبا لتأمين الرفاهية لشعوبها ولن تجدها في التحالف مع روسيا، وانضمت أيضاً كرواتيا والبانيا وسلوفاكيا وسلوفانيا، وفي العام 2017، التحقت مقدونيا الشمالية والجبل الأسود.
بينما كان القلق الروسي يزداد من سوار الناتو الذي يلتف حوله لم تكن الولايات المتحدة الاميركية والأوروبيون يبدون أي اهتمام لمخاوف روسيا وهواجسها؛ الى أن قررت روسيا التدخل في جورجيا في شهر آب العام 2008، على إثر هجوم جورجيا على مقاطعتي اوستيا وابخازيا وعلى إثر ذلك اعتبرت روسيا العملية الجورجية تطهير عرقي مرفوض وألحقت بالجيش الجورجي هزيمة كبيرة خلال خمسة أيام واعترفت باستقلال اوستيا الجنوبية وابخازيا، وانسحبت بعد وساطة فرنسية قادها الرئيس الفرنسي حينذاك ساركوزي.
ذات السيناريو تكرر عندما تدخلت في أوكرانيا العام 2014 دعما لانفصاليين موالين لها وضمت شبه جزيرة القرم بعد سقوط حليفها الرئيس فيكتور بانكوفيتش ووصفت القادة الجدد بالفاشيين ولكنها وقعت مع اوكرانيا اتفاقية مينسك برعاية فرنسية المانية انهت الصراع بين الموالين لها في إقليم دونباس مع الحكومة الأوكرانية.
قبل أيام من العملية العسكرية في أوكرانيا وفي خطاب مسكون بالتاريخ وممزوج بالأسى والحنين؛ أعلن بوتين بأن روسيا خدعت وان كل التفاهمات ابان نقاش الوحدة الألمانية العام 1990، التي كانت تضمن لموسكو عدم تمدد حلف الناتو مترا واحدا شرق أوروبا ذهبت ادراج الريح وتنكر لها الغرب وهذا يعني استهدافا مباشراً لأمنها القومي ولا يمكن القبول أن تكون خاصرة روسيا تحت مرمى صواريخ الناتو.
الخطر الأكبر بمنطق حسابات الامن القومي الروسي هو انضمام أوكرانيا لحلف الناتو لأنه يعني نصب صواريخ متقدمة وإمكانية امتلاك قنابل نووية تكتيكية بالاستناد للخبرات السابقة لها كعضو في الاتحاد السوفياتي وفيها مفاعل تشيرنوبيل النووي.
الازمة الروسية الأوكرانية هي ازمة معقدة تتضارب فيها الحسابات والمصالح ولم يعد من الممكن تجنب الصدام الذي راهن الجميع على بقائه محدوداً ولكن هذا لم يعد مضموناً بعد تسارع الاحداث خلال الخمسة أيام الأولى من العملية العسكرية الروسية ورد الفعل الأميركي والاوروبي بدعم أوكرانيا عسكريا واقتصاديا وفرض أقسى عقوبات اقتصادية في التاريخ على روسيا لعزلها.
أوروبا وعلى لسان الرئيس الفرنسي تتهيأ لحرب قد تطول ولا أحد يملك إجابة عن نهايات المشهد الروسي الاوكراني أو يملك إجابة على التقديرات التي دفعت الرئيس بوتين لخوض هذه الحرب وما هي السيناريوهات التي أعدها للتعامل مع ردود الفعل الاميركية والأوروبية والتي يبدو انها تكبر ككرة جبل الجليد السيبيري؛ انها حرب مفتوحة على كل الاحتمالات.
الغد
يبدو أن تلك الإجابة لم تعد صالحة على الأقل في شقها الثاني بعد تلك التطورات التي حصلت منذ احداث الثورات الملونة في أوكرانيا العام 2014، وقبلها التدخل الروسي في جورجيا العام 2008؛ إذ يبدو أن خيارات اعادته بشكل وصيغة جديدة من خلال روسيا جديدة صاحبة نفوذ وتأثير ضمن مجالها الحيوي؛ ضرورة تتعاظم رغم الكلفة الكبيرة والمخاطرة بنفس الوقت.
من المهم العودة للتاريخ قليلا لقراءة تطورات المشهد الحالي؛ ففي العام 1999 بدا حلف الناتو يتوسع شرقاً خلافاً لكل التعهدات بين روسيا والأوروبيين؛ كانت الوجبة الأولى بولندا والمجر والتشيك ولاحقاً في الفترة الممتدة من العام 2004 وحتى العام 2009 التحقت تسعة دول بالحلف وهي بلغاريا ورومانيا ودول البلطيق الثلاث (استونيا ولاتفيا وليتوانيا) وهي دول صغيرة مجاورة لروسيا وشديدة القلق منه لكنها لا تشكل خطرا مباشرا ومعنية بالانفتاح على أوروبا لتأمين الرفاهية لشعوبها ولن تجدها في التحالف مع روسيا، وانضمت أيضاً كرواتيا والبانيا وسلوفاكيا وسلوفانيا، وفي العام 2017، التحقت مقدونيا الشمالية والجبل الأسود.
بينما كان القلق الروسي يزداد من سوار الناتو الذي يلتف حوله لم تكن الولايات المتحدة الاميركية والأوروبيون يبدون أي اهتمام لمخاوف روسيا وهواجسها؛ الى أن قررت روسيا التدخل في جورجيا في شهر آب العام 2008، على إثر هجوم جورجيا على مقاطعتي اوستيا وابخازيا وعلى إثر ذلك اعتبرت روسيا العملية الجورجية تطهير عرقي مرفوض وألحقت بالجيش الجورجي هزيمة كبيرة خلال خمسة أيام واعترفت باستقلال اوستيا الجنوبية وابخازيا، وانسحبت بعد وساطة فرنسية قادها الرئيس الفرنسي حينذاك ساركوزي.
ذات السيناريو تكرر عندما تدخلت في أوكرانيا العام 2014 دعما لانفصاليين موالين لها وضمت شبه جزيرة القرم بعد سقوط حليفها الرئيس فيكتور بانكوفيتش ووصفت القادة الجدد بالفاشيين ولكنها وقعت مع اوكرانيا اتفاقية مينسك برعاية فرنسية المانية انهت الصراع بين الموالين لها في إقليم دونباس مع الحكومة الأوكرانية.
قبل أيام من العملية العسكرية في أوكرانيا وفي خطاب مسكون بالتاريخ وممزوج بالأسى والحنين؛ أعلن بوتين بأن روسيا خدعت وان كل التفاهمات ابان نقاش الوحدة الألمانية العام 1990، التي كانت تضمن لموسكو عدم تمدد حلف الناتو مترا واحدا شرق أوروبا ذهبت ادراج الريح وتنكر لها الغرب وهذا يعني استهدافا مباشراً لأمنها القومي ولا يمكن القبول أن تكون خاصرة روسيا تحت مرمى صواريخ الناتو.
الخطر الأكبر بمنطق حسابات الامن القومي الروسي هو انضمام أوكرانيا لحلف الناتو لأنه يعني نصب صواريخ متقدمة وإمكانية امتلاك قنابل نووية تكتيكية بالاستناد للخبرات السابقة لها كعضو في الاتحاد السوفياتي وفيها مفاعل تشيرنوبيل النووي.
الازمة الروسية الأوكرانية هي ازمة معقدة تتضارب فيها الحسابات والمصالح ولم يعد من الممكن تجنب الصدام الذي راهن الجميع على بقائه محدوداً ولكن هذا لم يعد مضموناً بعد تسارع الاحداث خلال الخمسة أيام الأولى من العملية العسكرية الروسية ورد الفعل الأميركي والاوروبي بدعم أوكرانيا عسكريا واقتصاديا وفرض أقسى عقوبات اقتصادية في التاريخ على روسيا لعزلها.
أوروبا وعلى لسان الرئيس الفرنسي تتهيأ لحرب قد تطول ولا أحد يملك إجابة عن نهايات المشهد الروسي الاوكراني أو يملك إجابة على التقديرات التي دفعت الرئيس بوتين لخوض هذه الحرب وما هي السيناريوهات التي أعدها للتعامل مع ردود الفعل الاميركية والأوروبية والتي يبدو انها تكبر ككرة جبل الجليد السيبيري؛ انها حرب مفتوحة على كل الاحتمالات.
الغد
نيسان ـ نشر في 2022-03-01 الساعة 06:41
رأي: د. زيد النوايسة أكاديمي وكاتب