الملك في 'رام الله' و'النقب' دون 'شرعية أردنية' وبينيت منع غانتس… لماذا وما هي الخلفيات؟
بسام بدارين
كاتب اردني
نيسان ـ نشر في 2022-03-29 الساعة 06:53
نيسان ـ مجدداً، أولوية الأردن ملكياً وسياسياً في المسألة الفلسطينية ثابتة حتى اللحظة وواضحة الملامح بعنوان الحاجة الملحة دوماً لتحفيز إطلاق عملية سياسية والعودة لمسار عملية السلام والتفاوض.
الجملة التكتيكية الوحيدة واليتيمة التي تظهر في سياق ملاعبة اتجاهات الإدارة الأمريكية الحالية هي حصرياً تلك التي تدعو الفلسطينيين الرسميين للاستثمار والتوظيف في البرنامج الوحيد الذي يقدمه الرئيس جو بايدن حتى الآن، وهو تحسين معيشة المواطنين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
يدعم الأردن هذا المسار لعدة أسباب، أهمها أن التغذية الراجعة اقتصادياً يستفيد منها الأردن أيضاً، وأن تحسين معيشة المواطنين يحول دون تصعيد الخيار العسكري لأهالي قطاع غزة ودون انطلاق انتفاضة ثالثة ستخلط كل الأوراق بما فيها الأمريكية والإقليمية والعربية والإبراهيمية في الضفة الغربية.
الأردن بإصراره على تجنب الجلوس على طاولة ما يسمى بلقاء النقب، يشرح ضمنياً موقفه في نطاق استراتيجية ما سمّاه يوماً وزير الاتصال الأسبق مروان دودين بـ»تدوير الزوايا». وعمان بعودتها عبر الملك عبد الله الثاني إلى رام الله في المقاطعة، تجدد القول وبصرخة دبلوماسية مرصودة بأنها لا تزال في سياق دعم وتمكين مؤسسة الشرعية الفلسطينية، حيث الحلول والمقاربات والمعالجات غير واقعية وغير ممكنة أساساً إلا عبر بوابة السلطة الفلسطينية.
في التقييم الأردني الأمني العميق لا يزال بديل السلطة وتثبيت أركانها وصفة فوضى في الأرض المحتلة تسمح بصعود أجندة التصعيد العسكري من غزة وبانتفاضة ثالثة من الطبيعي القول إن توقيتها حساس للغاية عشية شهر رمضان المبارك، والأهم القول بأن هذا التوقيت يراكم على الأعباء الأردنية الداخلية المرهقة في كل الاتجاهات. لذلك حصراً، «تدوزن» القيادة الأردنية بوصلتها السياسية بعدما وصل أمر مباشر بالامتناع عن إيفاد وزير الخارجية أيمن الصفدي إلى لقاء النقب، ثم لإقرار زيارة ملكية غير مسبوقة في ظرفها الحالي لدعم الرئيس محمود عباس، لا بل لدعم سيناريو بقاء السلطة في عمق الحدث وعلى الطاولة الإقليمية.
جملة التوازن التكتيكية هنا ليست مبنية على المجهول؛ فعمان تساند ترتيبات التفاهمات الأمنية والمعيشية سواء تلك التي يدعمها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أو تلك التي انتهت قبل أسابيع ببروتوكول تفاهمات بين الثلاثي عباس – غانتس – حسين الشيخ. بمعنى آخر، تراوح عمان وتناور سياسياً ودبلوماسياً حتى لا تستسلم للبقاء في زاوية محشورة قوامها تحالف اليمين العربي – الإسرائيلي «الإبراهيمي»، بالرغم من قناعة الدوائر الأردنية بأن كلفة البقاء بعيداً عن «الإبراهميات» واستحقاقاتها برمتها قد تصبح كبيرة لاحقاً، لكن على المحك في واقع البوصلة الأردني ثوابت تمس الأمن القومي والوطني ولا مجال لأي تساهل فيها.
وعلى المحك تفهم أمريكي خلف الستارة لرغبة عمان في مسافة تباين عن أجندة لقاء النقب، حيث الإحساس سياسياً ينمو بأن عمان وإن كانت لا تستطيع مقاومة أو معاكسة بوصلة لقاء النقب في مسائل محددة مثل الملف الإيراني أو الأزمة الأوكرانية أو حتى مستقبل مدينة القدس والمسجد الأقصى والوصاية، فما تستطيع فعله في الواقع الموضوعي هو تجنب إضفاء شرعية أو بركة أردنية على أي ترتيبات في هذا السياق يمكن أن تكون قيد الطهي خلف الكواليس أو تولد لاحقاً.
يؤكد المحلل الاقتصادي والسياسي الدكتور أنور الحفش، بأن الأردن يمشي بين الألغام هنا، لكن مؤسساته وقيادته يملكان الخبرة والمهارة اللازمتين، وورقة الجيوسياسي في صالح الاستراتيجية الأردنية عند التعاطي والاشتباك، مقترحاً على حكومة بلاده ونخبها وأدواتها الالتزام أكثر بالهوامش والحيثيات التي توفرها القيادة. طبعاً، بقاء الأردن في مسافة أبعد نسبياً عن طاولة النقب لا يزعج شريكاً مثل الإمارات أو البحرين، ولا يقلق دولة صديقة مثل المغرب، ويتفهمه الأمريكيون، لكن ذهنية القلعة عند اليمين الإسرائيلي هي التي مالت وستميل إلى الرد والمناكفة، وبرز ذلك بسرعة؛ فقد قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت منع وزير دفاعه بيني غانتس من المشاركة في ساعة اجتماع بالمقاطعة في رام الله خلال استقبال الرئيس عباس للملك الأردني.
لذلك معنى في التلغيز السياسي؛ فنفتالي بينيت واضح أنه منزعج من عدم تلبية الأردن لدعوة لقاء النقب، وبالتالي منع غانتس من المشاركة في لقاء ثلاثي كان بمثابة رد حتى بتفسير بعض المجسات الإعلامية الأردنية الرسمية، وإن كان الشريك الإماراتي يتكفل في الحوارات بأن ينقل ما يجري للصديق الأردني. الجنرال غانتس هو المسؤول الإسرائيلي الوحيد الذي تفاهمت وتواصلت معه عمان 3 مرات على الأقل، ومصنف بأنه يمثل الدولة العميقة في الكيان الإسرائيلي، التي تؤمن بعدم المساس بالمصالح والدور الأردني. والانطباع معروف معلوماتياً بأن الأردن دعم بروتوكول عباس – غانتس في الماضي القريب، لكن حتى بالنسبة لمراقبين محليين فالانطباع يزيد بأن غياب الأردن عن أي طاولة في المسألة الإسرائيلية أو أي لقاء يؤسس مساحة يجلس فيها الاماراتي أو المغربي.
ذلك أقرب للخطر الداهم في السياسة لا بد من الانتباه له إذا كان المقصود، في رأي المحلل الاستراتيجي عامر السبايلة، هو البقاء في عمق الدور والمصلحة، حيث تحذير سياسي من الاسترسال في حالة دبلوماسية تعمل فقط على إضعاف هوامش الأردن وتعزيز الأطراف الإبراهيمية بالمقابل. وفي الخلاصة، تقول عمان ما تؤمن به، وتتصرف في إطار تموقعها بزاوية ضيقة بعد مستجدات حيوية ولا يمكن الاستهانة بها.
(القدس العربي)
الجملة التكتيكية الوحيدة واليتيمة التي تظهر في سياق ملاعبة اتجاهات الإدارة الأمريكية الحالية هي حصرياً تلك التي تدعو الفلسطينيين الرسميين للاستثمار والتوظيف في البرنامج الوحيد الذي يقدمه الرئيس جو بايدن حتى الآن، وهو تحسين معيشة المواطنين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
يدعم الأردن هذا المسار لعدة أسباب، أهمها أن التغذية الراجعة اقتصادياً يستفيد منها الأردن أيضاً، وأن تحسين معيشة المواطنين يحول دون تصعيد الخيار العسكري لأهالي قطاع غزة ودون انطلاق انتفاضة ثالثة ستخلط كل الأوراق بما فيها الأمريكية والإقليمية والعربية والإبراهيمية في الضفة الغربية.
الأردن بإصراره على تجنب الجلوس على طاولة ما يسمى بلقاء النقب، يشرح ضمنياً موقفه في نطاق استراتيجية ما سمّاه يوماً وزير الاتصال الأسبق مروان دودين بـ»تدوير الزوايا». وعمان بعودتها عبر الملك عبد الله الثاني إلى رام الله في المقاطعة، تجدد القول وبصرخة دبلوماسية مرصودة بأنها لا تزال في سياق دعم وتمكين مؤسسة الشرعية الفلسطينية، حيث الحلول والمقاربات والمعالجات غير واقعية وغير ممكنة أساساً إلا عبر بوابة السلطة الفلسطينية.
في التقييم الأردني الأمني العميق لا يزال بديل السلطة وتثبيت أركانها وصفة فوضى في الأرض المحتلة تسمح بصعود أجندة التصعيد العسكري من غزة وبانتفاضة ثالثة من الطبيعي القول إن توقيتها حساس للغاية عشية شهر رمضان المبارك، والأهم القول بأن هذا التوقيت يراكم على الأعباء الأردنية الداخلية المرهقة في كل الاتجاهات. لذلك حصراً، «تدوزن» القيادة الأردنية بوصلتها السياسية بعدما وصل أمر مباشر بالامتناع عن إيفاد وزير الخارجية أيمن الصفدي إلى لقاء النقب، ثم لإقرار زيارة ملكية غير مسبوقة في ظرفها الحالي لدعم الرئيس محمود عباس، لا بل لدعم سيناريو بقاء السلطة في عمق الحدث وعلى الطاولة الإقليمية.
جملة التوازن التكتيكية هنا ليست مبنية على المجهول؛ فعمان تساند ترتيبات التفاهمات الأمنية والمعيشية سواء تلك التي يدعمها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أو تلك التي انتهت قبل أسابيع ببروتوكول تفاهمات بين الثلاثي عباس – غانتس – حسين الشيخ. بمعنى آخر، تراوح عمان وتناور سياسياً ودبلوماسياً حتى لا تستسلم للبقاء في زاوية محشورة قوامها تحالف اليمين العربي – الإسرائيلي «الإبراهيمي»، بالرغم من قناعة الدوائر الأردنية بأن كلفة البقاء بعيداً عن «الإبراهميات» واستحقاقاتها برمتها قد تصبح كبيرة لاحقاً، لكن على المحك في واقع البوصلة الأردني ثوابت تمس الأمن القومي والوطني ولا مجال لأي تساهل فيها.
وعلى المحك تفهم أمريكي خلف الستارة لرغبة عمان في مسافة تباين عن أجندة لقاء النقب، حيث الإحساس سياسياً ينمو بأن عمان وإن كانت لا تستطيع مقاومة أو معاكسة بوصلة لقاء النقب في مسائل محددة مثل الملف الإيراني أو الأزمة الأوكرانية أو حتى مستقبل مدينة القدس والمسجد الأقصى والوصاية، فما تستطيع فعله في الواقع الموضوعي هو تجنب إضفاء شرعية أو بركة أردنية على أي ترتيبات في هذا السياق يمكن أن تكون قيد الطهي خلف الكواليس أو تولد لاحقاً.
يؤكد المحلل الاقتصادي والسياسي الدكتور أنور الحفش، بأن الأردن يمشي بين الألغام هنا، لكن مؤسساته وقيادته يملكان الخبرة والمهارة اللازمتين، وورقة الجيوسياسي في صالح الاستراتيجية الأردنية عند التعاطي والاشتباك، مقترحاً على حكومة بلاده ونخبها وأدواتها الالتزام أكثر بالهوامش والحيثيات التي توفرها القيادة. طبعاً، بقاء الأردن في مسافة أبعد نسبياً عن طاولة النقب لا يزعج شريكاً مثل الإمارات أو البحرين، ولا يقلق دولة صديقة مثل المغرب، ويتفهمه الأمريكيون، لكن ذهنية القلعة عند اليمين الإسرائيلي هي التي مالت وستميل إلى الرد والمناكفة، وبرز ذلك بسرعة؛ فقد قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت منع وزير دفاعه بيني غانتس من المشاركة في ساعة اجتماع بالمقاطعة في رام الله خلال استقبال الرئيس عباس للملك الأردني.
لذلك معنى في التلغيز السياسي؛ فنفتالي بينيت واضح أنه منزعج من عدم تلبية الأردن لدعوة لقاء النقب، وبالتالي منع غانتس من المشاركة في لقاء ثلاثي كان بمثابة رد حتى بتفسير بعض المجسات الإعلامية الأردنية الرسمية، وإن كان الشريك الإماراتي يتكفل في الحوارات بأن ينقل ما يجري للصديق الأردني. الجنرال غانتس هو المسؤول الإسرائيلي الوحيد الذي تفاهمت وتواصلت معه عمان 3 مرات على الأقل، ومصنف بأنه يمثل الدولة العميقة في الكيان الإسرائيلي، التي تؤمن بعدم المساس بالمصالح والدور الأردني. والانطباع معروف معلوماتياً بأن الأردن دعم بروتوكول عباس – غانتس في الماضي القريب، لكن حتى بالنسبة لمراقبين محليين فالانطباع يزيد بأن غياب الأردن عن أي طاولة في المسألة الإسرائيلية أو أي لقاء يؤسس مساحة يجلس فيها الاماراتي أو المغربي.
ذلك أقرب للخطر الداهم في السياسة لا بد من الانتباه له إذا كان المقصود، في رأي المحلل الاستراتيجي عامر السبايلة، هو البقاء في عمق الدور والمصلحة، حيث تحذير سياسي من الاسترسال في حالة دبلوماسية تعمل فقط على إضعاف هوامش الأردن وتعزيز الأطراف الإبراهيمية بالمقابل. وفي الخلاصة، تقول عمان ما تؤمن به، وتتصرف في إطار تموقعها بزاوية ضيقة بعد مستجدات حيوية ولا يمكن الاستهانة بها.
(القدس العربي)
نيسان ـ نشر في 2022-03-29 الساعة 06:53
رأي: بسام بدارين كاتب اردني