اتصل بنا
 

'فكوسنا إي توتشكا'.. هل سقط الحلم الأمريكي؟

نيسان ـ نشر في 2022-06-12 الساعة 15:51

نيسان ـ أتذكر ذلك الصباح الشتوي البارد في يناير 1990 عندما افتتحت سلسلة مطاعم ماكدونالد الأمريكية أول فرع لها في ساحة بوشكن وسط العاصمة الروسية موسكو.
طوابير طويلة اصطفت يومها لتذوق طعم الحياة بالطريقة الأمريكية، كان "البيج ماك" طعما آخر للحرية والانطلاق نحو الرأسمالية المزدهرة بالنسبة لكثير من الروس، وكان علي وأنا أراقب ذلك المشهد المهيب أن أتوصل إلى نتيجة مفادها أن انهيار الاتحاد السوفياتي قادم وسريع لا محالة، فالروس وقتها كانوا يعانون من عزلة وانغلاق ويحلمون بتذوق "البورجر الأمريكي" وحمل علب سجائر "المالبورو" وارتداء جينز الراعي الغربي.. إنها البريسترويكا أو إعادة البناء التي لبست حلة صارخة أسست لميلاد ثقافة رأسمالية وكتبت شهادة وفاة للحقبة السوفيتية الشيوعية.
بالنسبة للمؤدلجين كان مشهد الاصطفاف ساعات طويلة للحصول على وجبة سريعة أشبه بالمكيدة الغربية لتذويب الهوية وطي صفحة الثورة البلشفية وإنهاء تجربة 70 عاما من تاريخ الاتحاد السوفيتي الذي سطره فلاديمير اليتش لينين بفكره الماركسي المتجدد.
المفارقة أن افتتاح أول فروع "ماكدونالدز" في الاتحاد السوفيتي جاء بعد شهرين فقط من سقوط جدار برلين، وانتهاء تقسيم ألمانيا الغربية والشرقية.
التاريخ بعد أكثر من 3 عقود من التجربة الروسية مع "البورجر الأمريكي" لا يعود إلى الوراء .. القوميون الروس يعيدون كتابة التاريخ بلغة جديدة تلعن التجربة الأمريكية التي تسببت في خسارة امبراطوريتهم التليدة ويتأهبون لسحق عصر العولمة العابرة للقارات والعلامات التجارية الأمريكية المزركشة.
بعد إعلان ماكدونالدز إغلاق 850 مطعما في روسيا بحجة أنها لا تستطيع تجاهل "المعاناة الإنسانية" التي سببتها حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أوكرانيا جاءت الإجابة الروسية سريعة بتغيير الاسم التجاري لماكدونالدز اليوم ليصبح " فكوسنا & توتشكا " حيث لم يعد لعلامة ماكدونالدز أثرا في موسكو للأبد.
الاسم الجديد معناه "حلو المذاق.. وكفى". أو إذا أردنا الترجمة الحرفية معناه " لذيذ المذاق ونقطة" ، والعبرة المستفادة من التجربة أن العلامات التجارية في ظل عالم ثلاثي الأقطاب تتشاركه أمريكا والصين وروسيا ستتغير، والخسارة هنا أمريكية بامتياز لأنها فقدت وهج ثقافتها الرأسمالية التي تغنت بها على مدار عقود، فروسيا اليوم وبعدها الصين، وربما الهند ودول الشرق الأوسط، ستكتب التاريخ بحروف لغتها وحضارتها، وكما سقطت الحقبة السوفيتية والفكر الاشتراكي معها، نواجه اليوم خطر سقوط الحلم الأمريكي وعلاماته العابرة للقارات في مستنقع الهويات وصراع الحضارات والأمم.
الحرب الروسية الاوكرانية كانت لحظة صادمة في تاريخ العالم، لكنها تنهي مكاسب حققتها أمريكا بشق الأنفس، والآن روسيا تعود إلى حلمها الأول لاستعادة إرث الاتحاد السوفيتي الدفين الذي هدمه الفكر الغربي بأدواته الناعمة.

نيسان ـ نشر في 2022-06-12 الساعة 15:51


رأي: د. محمود مشارقة

الكلمات الأكثر بحثاً