اتصل بنا
 

سعود الشرفات.. حارس النَّهًر الأردني

كاتب أردني

نيسان ـ نشر في 2022-06-16 الساعة 10:52

سعود الشرفات.. حارس النهر الأردني ـ
نيسان ـ محمد قبيلات
ستُجرى هذا الأسبوع، في الجامعة الأردنية، مناقشة وإشهار كتاب ربما كان مثار الكثير من الجدالات والخلافات، ذلك لخوضه في المسكوت عنه في تأريخ الدولة الأردنية الحديثة، حيث صدر ضمن منشورات وزارة الثقافة مؤخرًا، وهو من تأليف الدكتور سعود الشرفات، موسومًا بعنوان: حارس النَّهَر أسطوغرافية الإرهاب في الأردن خلال الفترة 1921/2020، تتبّعَ فيه الكاتب عمليات الاغتيال والخطف والتفجير التي حدثت خلال المئة عام الماضية، والتي شكّلت عمر الدولة الأردنية الحديثة.
طبعًا من الممكن أن لا يثير هذا الكتاب زوابع من النقاشات، إذ أن الأردنيين لا يقرأون، والناس في هذه الأيام، تخطف اهتمامهم غفلاتهم، وإن اهتمّوا فإن اهتماماتهم تتركز على الأخبار العاجلة والعناوين، من دون تمحيص أو توسع في البحث في الخلفيات أو العمق، وأستطيع أن أزعم أن هذه الطريقة في المتابعة، تزيد من جمود الأفكار وتحوصلها، بل وتسهم في تشكيل ثقافة زائفة، يمكن أن نسميها ثقافة الأخبار العاجلة.
وإلا كيف لكتاب يعيد قراءة تاريخ العمليات في الأردن ويصمها جميعا بالإرهابية أن يمرَّ من دون نقاش؟! إنها ببساطة من علامات عدم القراءة، والانطواء، وبالتالي الجمود.
يُخضع الشرفات العمليات التي جرت على مدى مئة عام في الأردن لمنهجية بحث علمية صارمة، يمكن وصفها بالموضوعية القاسية، اذا صحّ التعبير، يصف فيها العمليات التي قام بها "الصهاينة" سواء الأفراد أو "الكيان" بالارهابية، لكنه في الآن نفسه يصف العمليات ضد الإسرائيليين، التي قام بها عرب وفلسطينيون بالإرهابية أيضا، سواء تلك التي وقعت ضد مدنيين أو عسكريين، وهنا يجب أن نميز بين البحث ومنهجيته بصفته العلمية والأكاديمية، والانحيازات المبنية على أساسات أيديولوجية أو سياسية.
من الضروري هنا الانتباه لما تطرق إليه الدكتور سعود الشرفات في كتابه عن خلفيات الإرهاب والعنف، حيث عزاها محليا إلى الأسباب الاقتصادية والاجتماعية، وعالميا إلى السياسات التوسعية والنزاعات، وبالفعل فإننا نرى كيف أن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية ودعمها للإرهاب في أفغانستان وأثر ذلك على قوى "الجهاد" في المنطقة، إبان حقبة الحرب الباردة.
ويمكن ملاحظة كيف أن الخطاب الديني الذي تتبناه كل من أمريكا و"اسرائيل" ومن قبلهما بكثير الحملات الصليبية، استدعت جميعا وجود ردة فعل دينية بالضرورة تتبنى العنف المضاد.
استخدم الكاتب منهجية علمية في قراءة التاريخ الأردني الحديث، حيث قام بجمع بيانات كثيرة وتم تحليلها كميا ونوعيا، وفي الخلاصات أدت الدراسة إلى التنبؤ بمسارات العمليات الارهابية، إذ خلص الشرفات إلى أنها ستكون في ازدياد نسبي مستقبليا، وليس هذا بالبعيد ونحن نرى اليوم المهددات في جبهة الأردن الشمالية، عقب تطورات الأزمة السورية الأخيرة، خصوصًا في ضوء انسحاب روسي محتمل.
إننا أمام دراسة تاريخية مميزة تكشف نتائج استسهال كثير من الدول العربية استخدام الدين كأداة، باعتبارها أداة حكم آمنة وغير مكلفة في حينها، تضمن سيطرتها على الشعوب، فدعمت المؤسسات الدينية والتشكيلات السلفية، وأطلقت أيادي هذه التيارات في قطاعات الاعلام والمساجد والتعليم، بل وتركت لها الحرية في صياغة وإعداد المناهج.
لقد خاطر الدكتور سعود الشرفات، واقترب كثيرا من المحظورات، لكنه قدّمَ بحيادية اشكالية تعريف الإرهاب، والفصل بينه وبين العمليات التي تندرج ضمن عمليات التحرر الوطني، أو العمليات ضد الطغاة، فاختار طريقا آمنا، نوعا ما، ليعبر هذا الحقل المزروع بالألغام، وقدّمَ مقاربة تستطيع أن تطرح مشكلة الإرهاب كأزمة مركبة؛ ناتجة عن الأزمات التي تلم بالعلاقة بين الذين يملكون والذين لا يملكون، وبين الغاصبين والمغتصبة حقوقهم.

نيسان ـ نشر في 2022-06-16 الساعة 10:52

الكلمات الأكثر بحثاً