اتصل بنا
 

إلى أين تأخذني يا أبي؟

نيسان ـ نشر في 2025-04-05 الساعة 02:18

x
نيسان ـ في حضنك، يا أبي، تتشابك يداك مع حلم ضاع في لحظة انفجار وشتات، حلم ترك وراءه شظايا وأرواحًا مشرَّدة، وجروحًا غسلتها دماء الأرض، نظرتك تأخذني إلى مكان لا أراه، إلى حيث تلتف السماء بظلالها الثقيلة، الملبدة بالرماد، من وراء قميصك، المشبع بأوجاع الذاكرة، أسأل: إلى أين تأخذني؟ إلى النجاة؟ أم إلى شاطئ لا يعرف الجلوس عليه سوى أصحاب الذاكرة المنهكة والمبتورة؟
يداك، يا أبي، تشدني بقوة، كأنك تنقش في جسدي وعدًا لا يغادره، وعدًا بأن الحلم لن يفارقنا أبدًا، لكنها يدٌ ملتهبة بالألم، تحملني كما تحمل الرياح زهرة اجتثها الوقت من جذورها، فتسابقني إلى ضوء بعيد خارج هذا الظلام، إلى حيث يرتاح وطنٌ لا يزال يتلاشى بين الأشلاء. كم كانت خطواتك في هذا الطريق مرهقة، لكنك تمضي بها، وتحميني من وحشة المدى، ومن العدم الذي لا ينتهي.
إلى أين تأخذني يا أبي؟ هل تأخذني إلى حيث الحروب تكون كالأشباح، نائمة في أعماق الذاكرة؟ أم إلى حيث يتناثر السلام على أرصفة الأشواق التي طالما حلمنا بها؟ أسئلتي تتناثر في الرياح، في الجهات الأربع، لكنك، يا أبي، تواصل المسير، تمضي قدما، متجاوزًا ظلال الحرب وركامها، تتجاوز عمق الليل الذي لا ينتهي، كأنك تأخذني إلى الأفق الذي يحمل وعدًا بأن غدًا سيكون أقرب من الأمس، وأننا لن نبقى في هذا المدى المغبر إلى الأبد.
لحظة، يا أبي، أرجوك، نسيت دفاتري، وفي صدري ثمة ضلوع تنزف الدموع حول قلبٍ مكسور، ثمة حنين لا ينتهي إلى دفء العروبة المفقودة، إلى النخيل الذي لم يعد يتمايل مع رياح الكرامة، حنين يأخذني إلى مكان بعيد، إلى النجاة من هذا الخراب.
أين إخوتي، يا أبي؟ أين أمي؟ لماذا تركناهم نائمين تحت السقف المنهار؟ ولمَ غادرناهم دون وداع؟ أم أن الزمن اجتاحهم كما اجتاحنا، فترك لنا أطيافًا من ذكرياتهم؟
لا تقل لي إنهم يحرسون البيت، لا تقل لي إن البيوت تموت إذا مات أصحابها، لا تقل لي إنهم مع الملائكة. هل يعقل، يا أبي، أن نتركهم هناك دون أن نعود؟
آه، يا أبتي... لقد تعبت من حشرجات صمتك، ومن أمل خبأته في حنايا الجرح، خبأته تحت الآكام، خبأته في حقيبة تدثرت بالغبار.

نيسان ـ نشر في 2025-04-05 الساعة 02:18

الكلمات الأكثر بحثاً