اتصل بنا
 

بوتين الذكي

نيسان ـ نشر في 2022-07-30 الساعة 16:10

نيسان ـ للأسواق أسرارها وحكاياتها، تمزج بين المال والفهلوة وتتأثر بالسياسة وتطوراتها.. وما بين صفقات خاصة وبيع بالآجل وبيع على المكشوف تبدو النتيجة خسارة مدوية ومحافظ خاوية هنا وهناك.
يصف أحدهم القيصر الروسي فلاديمير بوتين بالبطل القوي وآخر يصفه بالذكي، ولأن ذاكرتنا ذاكرة سمكة لا تدوم طويلا، ولا نقرأ التاريخ جيدا، أصبح بالإمكان تبرير السياسة هنا ورفض السياسة ذاتها هناك.. هي إذا معادلة جديدة في قاموس الدبلوماسية الحديثة، حين يتفق الخصوم في ملف ويختلفون في ملفات، ولا ضير من استكمال التنسيق والتعاون طالما يلبي ذلك المصالح.
الحرب الروسية في أوكرانيا تبدو غريبة وهجينة تستخدم فيها كل أنواع الأسلحة ضمن المواجهة، ومقابل عقوبات اقتصادية أمريكية غربية بكل أنواعها على روسيا ، تجد موسكو نفسها في وضع مريح تماما باستخدام سلاح الطاقة وأمن الغذاء ضد الغرب والعالم.
السؤال هل قرأ بوتين المشهد الدولي بذكاء حين أقدم على ما يصفه بالعملية العسكرية الخاصة أم أنه أعاد روسيا للوراء لعقود تحت أوهام استعادة الإمبراطورية السوفيتية البائدة؟
الإجابة تبدو غير سهلة، لكن رغم أن الحروب فيها منتصر واحد فقط، إلا أن خسائرها المباشرة وغير المباشرة لا يمكن إخفاء فداحتها، نحن اليوم أمام معاناة اقتصادية أشبه بالكارثية، لأن أصوات المدافع في أوكرانيا تدوي في كل دول العالم، التضخم غير مسبوق ومئات الملايين من شعوب العالم الثالث تئن تحت وطأة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ونقص حاد في السلع الأساسية كالحبوب التي تأتي من روسيا وأوكرانيا، فيما نجد عشرات الملايين من أطنان القمح حبيسة صوامع، والعالم محروم من الوصول إليها.
إنها مشكلة سلاسل توريد بامتياز وغلاء غير مسبوق في أسعار النفط والغاز والمعادن يؤثر في صناعة الغذاء والسيارات والإلكترونيات والتشييد وحتى معدات الفضاء، ويمتد إلى أدوات المطبخ وما يوضع فيها من أطعمة.
ربما قرأ بوتين المشهد جيدا وربما تبدو العملية محسوبة اقتصاديا على الأقل، لكنه يواجه عراقيل ومقاومة عسكرية، لاسيما أنه لا يحارب أفرادا من كتيبة آزوف وحدهم، بل يواجه أعتى وأحدث الأسلحة والتكنولوجيا الغربية التي تضرب موازين القوى على الأرض ، وتحقق انتصارات في مناطق وفشلا ذريعا في مناطق أخرى.
اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية الذي عقد برعاية الأمم المتحدة ووساطة تركيا ولد ميتا قبل أن يطبق، لأن روسيا المهيمنة على الأرض الأوكرانية تحتاج لثمن لإحداث انفراجة غذائية عالمية، وذلك بعودة صادراتها إلى العالم دون قيود بإزالة العقوبات عنها، ودون تحميلها تكاليف تأمين إضافية وعلاوات في الشحن تقلل تنافسيتها ومكاسبها الاقتصادية.
الخلاصة.. الحرب غبية وليست ذكية أيا كان المنتصر فيها، وإذا طال أمدها سيدخل العالم في أتون صراعات تمتد طويلا ولا تعرف نهايتها، نحن على أبواب صدام أمريكي – صيني وربما هندي – باكستاني، والتوترات في افريقيا من جنوبها حتى شمالها ماثلة للعيان، ومنطقتنا التي تعاني من احتلال إسرائيلي جاثم على أنفاسها من 1948 ستستفيق يوما على مواجهة حتمية، والحال ليس ورديا بين غرب أوروبا وجنوبها.. الحروب وتأجيج الصراعات العالمية يحتاج لشرارة وفرتها روسيا في أوكرانيا وستكوي بنيرانها الجميع إذا لم تتوقف.
سنوات وتنفض الحرب غبارها، لكن آثارها ستمتد لعقود، وستعاني منها الشعوب جيلا بعد جيل في وقت تكون فيه الحكومات المسببة للأزمات قد رحلت وتوارت في كتب التاريخ.
*كاتب اقتصادي ومختص في الشؤون الروسية

نيسان ـ نشر في 2022-07-30 الساعة 16:10


رأي: د. محمود مشارقة

الكلمات الأكثر بحثاً