اتصل بنا
 

بين جُمعٍ سود وبيض هل يثق المستهلك بالتخفيضات؟

نيسان ـ نشر في 2022-11-25 الساعة 07:15

x
نيسان ـ سياسة العروض وتخفيضات الأسعار التي تنتهجها أغلب المحال التجارية في ظروف ومناسبات عديدة يكون الغرض منها غالبا: التخلص من السلع الراكدة أو بطيئة الحركة، الترويج لمنتج جديد على سبيل المثال الموديلات الجديدة من السيارات والأجهزة بكافة أنواعها، أو أن تكون السلع والمنتجات على مشارف انتهاء صلاحيتها للاستخدام.
وقد تلجأ الشركات للعروض التجارية والتخفيضات للحصول على سيولة نقدية أو للتخلص من شبح الركود الاقتصادي في البيع والشراء في السوق. أيضا فقد يكون بمثابة تقليد موسمي يعتاد عليه الزبائن كما يحدث في مواسم أعياد الميلاد في الدول الغربية ويوم الجمعة الأسود (Black Friday). كما أن موسمية التخفيضات آخذة في الانتشار في الدول العربية ومنها الأردن حيث تم ابتداع الجمعة البيضاء التي تصادف اليوم.
على وجه العموم فإن السلع والمنتجات لها تكاليف إنتاجية وتكلفة نقل ومصاريف تشغيلية وفي النهاية هناك هامش للربح يحدده التاجر بما يتناسب مع سياسة العرض والطلب وعوامل المنافسة. فعندما تقوم الشركات والمحلات بعمل العروض والتخفيضات على الأسعار فإن غايتها هي السيولة المالية والحصول على عائد مناسب لتستطيع الاستمرار في ممارسة نشاطها التجاري. فعلى سبيل المثال، في حال التخفيضات ذات النسب العالية، فإن السلعة التي قيمتها 100 دينار، وفي حال إجراء تخفيض عليها بنسبة 50% سوف يكون سعرها بعد التخفيض 50 دينارا وهكذا. هذا التخفيض يأخذ عدة احتمالات: إما بيعها بأقل من تكلفتها الحقيقية وهو يقود للخسارة وهذا الرأي من الصعوبة قبوله حتى في حالات تصفية الشركة أو المحل. الرأي الآخر هو أن تكون تلك العروض أو التخفيضات لعدد قليل جدا من السلع والمنتجات وبالتالي فإن تكلفة بقائها في المحل أكثر من العائد منها، وإما أن يكون هدفه إغراء المستهلك نحو زيارة المحل أو الشركة التي أعلنت عن العرض أو التخفيض وبالتالي قد تقوده الزيارة غير المخطط لها مسبقا لشراء سلعة ما بحيث لا يخرج صفر اليدين.
وسردا لبعض المشاهدات من الواقع العملي: فإن محلا تجاريا العام الماضي أعلن عن عروض تجارية على المواد والسلع التي يبيعها بنسبة تخفيض وصلت إلى 80% ونتج -وفق ما تم تداوله في وسائل التواصل الاجتماعي- تدافع شديد عند بوابة الدخول للمحل. كما أن عروض مراكز اللياقة البدنية لا تخفى على أحد، فتأتيك الرسالة النصية عبر الهاتف بأن هناك عرضا مغريا مدته يوم واحد بسعر معين ثم بعد ثلاثة أيام يأتي العرض نفسه وأيضا لمدة يوم وبالسعر السابق نفسه. مثال آخر من إحدى شركات المفروشات «مهرجان المفروشات تنزيلات من 20 إلى 85%»، والغريب في الرسالة النصية عند فتح رابطها الإلكتروني تجد الكلام نفسه بمعنى أنه لمعرفة تفاصيل العرض يجب عليك زيارة الشركة لكي تقيّم بنفسك تفاصيل العرض أو التخفيض. وفي قطاع الاتصالات وما يخص الإنترنت المنزلي يأتيك العرض أو التخفيض الغريب من نوعه من إحدى شركات الإنترنت المنزلي وبأنه مخصص للمشتركين الجدد فقط. وإن كنت مشتركا معهم لسنوات فمع صبرك وتحمّلك لمشاكل بطء سرعة الإنترنت فإن عرض الشركة يقول لك ادفع أكثر وبمزايا أقل من المشترك الجديد. كما أنه في حال الاتصال بالشركة محاولا إقناعهم بمبدأ المساواة في التعامل وإن هذا غير مقبول تجاريا فلن يقتنع الموظف حتى وإن طالبت بإلغاء العقد، فإنه يستوفي المبلغ الذي كنت قد دفعته مسبقا.
ولكن العرض المغري من شركة الإنترنت لم ينته بعد، فعندما تذهب إلى إحدى صالات الشركة نفسها وتتحدث مع موظفي خدمة العملاء فإن لديهم بديلا آخر وهو إلغاء عقدك الحالي والدخول بعقد جديد باسم شخص آخر من العائلة بهذه الطريقة الالتفافية فإنه بإمكانك الاستفادة من العرض الجديد. المثال الأخير من شركة الإلكترونيات عقب إعلانها عن التخفيضات الكبرى في هذه الأيام والتي تتراوح نسبتها بين 20 إلى 50%، هذه التخفيضات قد يكون فيها شيء من القبول حيث لم تتم المغالاة في نسبة التخفيض كما تم تحديد سعر المنتجات قبل وبعد التخفيض. ولكن عند تصفح موقع الشركة تجد بأن بعض السلع المشمولة لا تصل نسبة التخفيض بها 20% وإنما أقل وهو ما يعد غير متوافق مع الإعلان الذي وصل للمستهلك، كما أنه يعد مخالفا لضوابط التخفيضات المتوافق عليها في التشريعات في معظم الدول.
ولعل التساؤل الأكثر جدلا هو: هل تدخل الدولة في ضبط سياسات التخفيضات والعروض التجارية أفضل، أم أن سياسة ترك السوق يتفاعل مع نفسه وبالتالي عوامل العرض والطلب والمنافسة الحرة (في حال عدم وجود احتكار) هي التي تحدد الموجهات التي تبنى على أساسها نسب التخفيضات والعروض التجارية متى ما رغبت الشركات والمحلات التوجه نحو هذا المسار.
إن ترك سياسة التخفيضات والعروض التجارية تحكمها عوامل السوق والعرض والطلب دون رقابة من الحكومة يتطلب وجود بيئة تنافسية قوية يوجد بها تعدد في نوعية وأصناف السلع والمنتجات ولا يتحكم بها ما يسمى «الوكيل الحصري» للمنتج والذي قد تكون لديه البيئة التجارية التي يستطيع من خلالها الهيمنة على الأسعار وأيضا قد يتحكم في توقيت العروض أو التخفيضات إن وجدت. نأخذ مثالا على ذلك قطع الغيار لأغلب أنواع السيارات فقلما تجد بأن الوكيل الوحيد قام بعمل تخفيضات أو عروض تجارية في أسعارها وذلك لأن لديه نوعا من الهيمنة على المنتج في السوق.
ولعل أغلب دول العالم لديها ضوابط تتعلق بالعروض التجارية وتخفيضات الأسعار وقد تختلف تلك الضوابط باختلاف اقتصاد الدولة وهل هي دولة جل سلعها ومنتجاتها مستوردة أم أنها محلية الصنع. على سبيل المثال في الولايات المتحدة الأمريكية والتي تختلف قوانينها المحلية عن القوانين الفيدرالية فهناك ما يسمى لجنة التجارة الفيدرالية (Federal Trade Commission) والتي تسن القوانين والنظم التي تحكم العروض والإعلانات التجارية التي تطبق على المستوى الفيدرالي. في الجانب الآخر فإن المملكة المتحدة يحكم العروض والإعلانات التجارية على الأرجح قانون حماية المستهلك (Consumer Protection Act) والذي يحاول منع الإعلانات المضللة والخداع والغش التجاري. وعلى مستوى الإجراءات فإنه في تلك الدول قد يطلب من الشركات والمحلات الحصول على تصاريح لعمل عروض أو إعلانات تجارية، إلا أن تلك التصاريح ليست بالضرورة أن تكون في كل مرة وإنما ممارسة لدى الشركات تستخدمها في الجوانب الدعائية وتكون الجهات الحكومية الرقابية لها علم بذلك.
إن العروض التجارية وتخفيضات الأسعار التي تصل للمستهلك بأية وسيلة دعائية كانت، يفترض أن تتسم بالشفافية وبعيدة عن التضليل والخداع التجاري، عليه يتطلب الأمر للوصول إلى فاعلية أكثر في هذا الجانب، العمل على إيجاد نوع من التكامل في الأدوار الحكومية مما قد يكون مناسبا معه الاكتفاء بجهة حكومية تقر ضوابط العروض وتخفيضات الأسعار.

نيسان ـ نشر في 2022-11-25 الساعة 07:15

الكلمات الأكثر بحثاً