'أوديب' لجورج أونسكو: اللعنة تطارد البطل الأسطوري
نيسان ـ نشر في 2022-12-17
نيسان ـ لعل من أولى خصائص الأوبرا التي نتحدث عنها هنا، والتي غابت تماماً عن الخشبات وفي الأقل بعد أن قدمت للمرة الأولى في باريس عام 1936، كونها ولدت في ذهن مؤلفها ذات مساء من عام 1910 فيما كان يشاهد عرضاً لا ينسى في "الكوميدي فرانسيز" الباريسية لمسرحية سوفوكليس "أوديب ملكاً" في ذلك المساء وكما سيروي الموسيقي جورج أونسكو لاحقاً "رحت أدون أولى نوتات عمل أوبرالي شئته منذ البداية كبيراً ويتضمن الأجزاء الثلاثة من مسرحية (أوديب)، من دون أن أعرف ما إذا كنت سأنجز العمل الذي أكد لي أصدقائي وقد أطلعتهم عليه أنه عمل جنون". وكان من بين الأصدقاء الكاتب إمون فليغ الذي كان يشارك الموسيقي بعض جنونه فأخبره أنه بصدد تحويل الثلاثية إلى نص أوبرالي سيقسمها لتقدم على ليلتين يستغرق كل جزء منهما ساعتين ونصف الساعة. وفي نهاية الأمر سيتم دمج الليلتين في واحدة تستغرق أربع ساعات، لكن ذلك الدمج سيحتاج إلى ربع قرن ونيف قبل أن يكتمل.
مسار متعرج
من ناحية مبدئية ونظراً إلى شهرة العمل الأصلي كان من المفروض لأوبرا "أوديب" أن تقدم مراراً وتكراراً بعد عرضها الصاخب الأول، في فرنسا أو الولايات المتحدة الأميركية، في برلين أو حتى في فيينا. ومع هذا نراها انتظرت قرابة قرن من السنين قبل أن تقدم في عرض أميركي أول عام 2005، ونراها تنتظر 45 سنة كاملة بعد أن قدمت في عرض فرنسي أخير عام 1963، ليعاد تقديمها في الفرنسية ولكن ليس في باريس بل في عام 2008 في مدينة تولوز، عرضاً استعيد في العام التالي، 2009، في بوخارست مسقط رأس أونسكو. إذاً أليس غريباً أمر هذه الأوبرا التي كان يفترض أن تكون الأكثر تقديماً، حتى وإن كان مؤلفها أونسكو لا يعتبر من أشهر موسيقيي القرن العشرين؟ مهما يكن من أمر، لا بد من الإشارة اليوم إلى أن أوبرا "أوديب" لأونسكو، تعرف منذ سنوات حياة جديدة، مما يسمح بالافتراض أنها ستقدم أكثر وأكثر خلال الزمن المقبل، وما سيتيح أخيراً لملحنها أن يستعيد شهرة ومكانة، في عالم الموسيقى الأوبرالية كانتا من حقه دائماً. أما السبب الأساس الذي يخيل إلينا أنه يكمن في خلفية ندرة تقديم أوبرا "أوديب"، فيكمن في طولها الاستثنائي، ذلك أن أونسكو، وعلى خشبة الأوبرا شاء أن يقدم في أربعة فصول مكثفة، حكاية أوديب كلها من الولادة إلى الموت، وهو ما لم يقدم عليه من قبله أو من بعده أي مسرحي على خشبة المسرح أو أي سينمائي على الشاشة الكبيرة. فهؤلاء كانوا دائماً يأخذون جزءاً من حياة أوديب ومغامرته الوجودية، محولين إياه عملاً فنياً، لأن في كل جزء من أجزاء هذه الحياة غنى يكفي أعمالاً فنية كثيرة.
درب مختلف
ومن هنا، حين اختار أونسكو أن يسير في درب مختلف محولاً كل سيرة البطل الأسطوري إلى عمل أوبرالي، كان يعرف أنه يجازف، لكنه لم يبال، فهو، قبل بدء اشتغاله على العمل بسنوات كان قرأ كل النصوص المتعلقة بأوديب لا سيما المسرحيات، كما قرأ الدراسات النفسية الكثيرة التي صدرت عن أوديب، قائلاً في نفسه: هذا عمل لا يقدم سوى دفعة واحدة وإلا يفقد معناه ومبناه. والطريف أن أونسكو بدأ يخط نوتات الأوبرا، ويبتكر المواقف الموسيقية، ويرسم إيقاع العلاقات والأفكار، حتى قبل حصوله على أي نص شعري ليلحنه.
سنوات انتظار طويلة
لقد بدأ أونسكو ابتكاراته الموسيقية في شأن "أوبرا يلحنها عن أوديب" كما قال بنفسه عام 1910، وفقط في عام 1913، جاءه الفرنسي إدمون فليغ بالاقتباس الشعري في اللغة الفرنسية، الذي يختصر أجزاء سيرة أوديب الثلاثة في نص واحد موزع على أربعة فصول. من فوره، رأى أونسكو أن النص كما كتبه فليغ يناسب تماماً رؤيته للعمل فشرع يركب الموسيقى التي كان أوجد معظمها غيباً على أشعار فليغ وحواراته، فأنجز العمل عام 1922... لكنه استغرق تسع سنوات تالية قبل أن ينجز التوزيع الأوركسترالي، حيث إن هذا التوزيع لم يكتمل إلا عام 1931. ومع هذا لم يقدم العرض الأول وكان عرضاً باريسياً إلا عام 1936. وإثر ذلك العرض نامت الأوبرا في الخزائن سنوات طويلة لم تقدم خلالها سوى مرات قليلة كاملة، ومرات لا بأس بها متفرقة، حتى كان عرضها العالمي الجديد، في برلين هذه المرة، عام 1996... وهو العرض نفسه الذي سرعان ما انتقل إلى فيينا، لتبدأ الأوبرا حياة جديدة، أوصلتها بعد ذلك بعقد تقريباً إلى جامعة إلينوي الأميركية لتقدم هناك في عرض أميركي أول... عام 2005.
ذاتية شبه خفية
مهما يكن من أمر، لعل أفضل ما يمكننا قوله هنا هو أن هذا المسار الذي رسمناه لولادة وحياة أوبرا أونسكو هذه إنما يكشف بعداً ذاتياً في تعامل مع حكاية أوديب نادر الوجود في عالم الأوبرا، لكن هذا حدث بالفعل مع أونسكو، حتى وإن كانت الصيغة التي نشاهدها اليوم على الخشبة لا توحي أبداً بمثل هذه الذاتية. فأوبرا "أوديب" كما صيغت آخر الأمر تتألف من أربعة فصول، لا تقل ساعات عرضها عن ثلاث ساعات ونصف الساعة. وخلال ساعات العرض هذه يتجول على الخشبة أمامنا كل أصحاب الأسماء الشهيرة التي تشكل المكونات الأساسية للحكاية، من أوديب، طبعاً، إلى أنطيغون وكريون وجوكاستا ولايوس وأبي الهول وتيريزياس. هم جميعهم هنا يتنقلون من مشهد إلى آخر، ومن فصل إلى فصل، يواجهون البطل المأزوم، يحكون عنه، يواسونه، يرجمونه، فيما هو يعبر أمامنا، فصلاً بعد فصل، مراحل وجوده ومأساته المتلاحقة. فنجد في الفصل الأول ولادته في القصر الملكي في طيبة، والناس يحتفلون بمجيء ابن لايوس وجوكاستا هذا، قبل أن يقطع تيريزياس، العراف الأعمى العجوز، فرحة الاحتفال معلناً لعنة أوديب لأن أباه لايوس لم يطع أبولون، متنبئاً بكيف ستكون هذه اللعنة وبالاً على الوليد الذي سيكون هو من يقتل أباه ويتزوج من أمه، من دون أن يعرف ذلك، مما سيحل فيه كارثة الكوارث. وينتهي هذا الفصل على رعب يؤدي إلى إرسال الطفل إلى الجبال حيث سيترك ليموت.
الحقيقة المدمرة
لكن الطفل لن يموت، كما نعرف. سينجو إنما من دون أن يعرف شيئاً عن هويته. وهذا ما سيطالعنا به الفصل الثاني، حيث نجد الفتى وقد صار اسمه أوديب يعيش في كورانثا، بصفته ابناً لملكة وملك آخرين. وهنا إذ يساوره القلق الغامض يتوجه إلى كاهن دلفي سائلاً إياه النصيحة، فيحدثه هذا عن لعنته وعما كتبت له الأقدار أن يفعل بأمه وأبيه. يرتعب أوديب ويقرر الابتعاد حتى لا يفعل هذا، من دون أن يدري أنه بابتعاده إنما يسير على درب تحقق النبوءة... مع والديه الحقيقيين. وفي الفصل الثالث نجدنا، إذاً، قرب طيبة، حيث يعيش ويحكم لايوس وجوكاستا... وحيث يوجد أبوالهول، الوحش الذي يرعب السكان. ونعرف طبعاً أن وصول أوديب إلى هنا ينقذ الناس من الوحش، لكنه يدفعه هو دفعاً إلى لعنته، حيث في الفصل الثالث تستعيد الأوبرا أحداث مسرحية "أوديب ملكاً" التي تقع فيها الأحداث الجليلة المعروفة والمحققة للنبوءة. أما الفصل الرابع فإنه يحتوي على أحداث المسرحية الأخيرة في حكاية أوديب: "أوديب في كولونا".
شغف فنان
طبعاً لسنا في حاجة هنا إلى استعادة بقية الأحداث المعروفة، منذ فجر التاريخ والتي حرص أونسكو في هذه الأوبرا الطويلة أن يرويها كما هي، ولكن مموسقة في شكل أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه كلاسيكي، حاول في لحظات كثيرة، أن يترجم مشاعر أوديب ومخاوفه، لا سيما في تلك المشاهد التي يكون فيها وحيداً ساهماً يفكر في أي طريق عليه أن يسلك حتى يهرب من تحقق النبوءة، فيختار دائماً الطريق التي تقوده إلى مصيره المظلم. في مثل هذه اللحظات عبر جورج أونسكو (1881 – 1955) خير تعبير عن شغفه بهذا العمل وبهذه الشخصية، هو الذي لا شك كان مظلوماً دون جميع أقرانه، إذ نعرف أن الأميركيين عرفوه طوال الربع الثاني من القرن العشرين قائداً للأوركسترا، أما الفرنسيون فقد عرفوه خصوصاً عازفاً للكمان، وأستاذاً لكثر، بينهم يهودي مينوحيم في هذا المجال. أما هو فكان يعتبر نفسه مؤلفاً موسيقياً. والحقيقة أن "أوديب" من بين أعماله جميعاً، هي خير ما يؤكد هذا.
مسار متعرج
من ناحية مبدئية ونظراً إلى شهرة العمل الأصلي كان من المفروض لأوبرا "أوديب" أن تقدم مراراً وتكراراً بعد عرضها الصاخب الأول، في فرنسا أو الولايات المتحدة الأميركية، في برلين أو حتى في فيينا. ومع هذا نراها انتظرت قرابة قرن من السنين قبل أن تقدم في عرض أميركي أول عام 2005، ونراها تنتظر 45 سنة كاملة بعد أن قدمت في عرض فرنسي أخير عام 1963، ليعاد تقديمها في الفرنسية ولكن ليس في باريس بل في عام 2008 في مدينة تولوز، عرضاً استعيد في العام التالي، 2009، في بوخارست مسقط رأس أونسكو. إذاً أليس غريباً أمر هذه الأوبرا التي كان يفترض أن تكون الأكثر تقديماً، حتى وإن كان مؤلفها أونسكو لا يعتبر من أشهر موسيقيي القرن العشرين؟ مهما يكن من أمر، لا بد من الإشارة اليوم إلى أن أوبرا "أوديب" لأونسكو، تعرف منذ سنوات حياة جديدة، مما يسمح بالافتراض أنها ستقدم أكثر وأكثر خلال الزمن المقبل، وما سيتيح أخيراً لملحنها أن يستعيد شهرة ومكانة، في عالم الموسيقى الأوبرالية كانتا من حقه دائماً. أما السبب الأساس الذي يخيل إلينا أنه يكمن في خلفية ندرة تقديم أوبرا "أوديب"، فيكمن في طولها الاستثنائي، ذلك أن أونسكو، وعلى خشبة الأوبرا شاء أن يقدم في أربعة فصول مكثفة، حكاية أوديب كلها من الولادة إلى الموت، وهو ما لم يقدم عليه من قبله أو من بعده أي مسرحي على خشبة المسرح أو أي سينمائي على الشاشة الكبيرة. فهؤلاء كانوا دائماً يأخذون جزءاً من حياة أوديب ومغامرته الوجودية، محولين إياه عملاً فنياً، لأن في كل جزء من أجزاء هذه الحياة غنى يكفي أعمالاً فنية كثيرة.
درب مختلف
ومن هنا، حين اختار أونسكو أن يسير في درب مختلف محولاً كل سيرة البطل الأسطوري إلى عمل أوبرالي، كان يعرف أنه يجازف، لكنه لم يبال، فهو، قبل بدء اشتغاله على العمل بسنوات كان قرأ كل النصوص المتعلقة بأوديب لا سيما المسرحيات، كما قرأ الدراسات النفسية الكثيرة التي صدرت عن أوديب، قائلاً في نفسه: هذا عمل لا يقدم سوى دفعة واحدة وإلا يفقد معناه ومبناه. والطريف أن أونسكو بدأ يخط نوتات الأوبرا، ويبتكر المواقف الموسيقية، ويرسم إيقاع العلاقات والأفكار، حتى قبل حصوله على أي نص شعري ليلحنه.
سنوات انتظار طويلة
لقد بدأ أونسكو ابتكاراته الموسيقية في شأن "أوبرا يلحنها عن أوديب" كما قال بنفسه عام 1910، وفقط في عام 1913، جاءه الفرنسي إدمون فليغ بالاقتباس الشعري في اللغة الفرنسية، الذي يختصر أجزاء سيرة أوديب الثلاثة في نص واحد موزع على أربعة فصول. من فوره، رأى أونسكو أن النص كما كتبه فليغ يناسب تماماً رؤيته للعمل فشرع يركب الموسيقى التي كان أوجد معظمها غيباً على أشعار فليغ وحواراته، فأنجز العمل عام 1922... لكنه استغرق تسع سنوات تالية قبل أن ينجز التوزيع الأوركسترالي، حيث إن هذا التوزيع لم يكتمل إلا عام 1931. ومع هذا لم يقدم العرض الأول وكان عرضاً باريسياً إلا عام 1936. وإثر ذلك العرض نامت الأوبرا في الخزائن سنوات طويلة لم تقدم خلالها سوى مرات قليلة كاملة، ومرات لا بأس بها متفرقة، حتى كان عرضها العالمي الجديد، في برلين هذه المرة، عام 1996... وهو العرض نفسه الذي سرعان ما انتقل إلى فيينا، لتبدأ الأوبرا حياة جديدة، أوصلتها بعد ذلك بعقد تقريباً إلى جامعة إلينوي الأميركية لتقدم هناك في عرض أميركي أول... عام 2005.
ذاتية شبه خفية
مهما يكن من أمر، لعل أفضل ما يمكننا قوله هنا هو أن هذا المسار الذي رسمناه لولادة وحياة أوبرا أونسكو هذه إنما يكشف بعداً ذاتياً في تعامل مع حكاية أوديب نادر الوجود في عالم الأوبرا، لكن هذا حدث بالفعل مع أونسكو، حتى وإن كانت الصيغة التي نشاهدها اليوم على الخشبة لا توحي أبداً بمثل هذه الذاتية. فأوبرا "أوديب" كما صيغت آخر الأمر تتألف من أربعة فصول، لا تقل ساعات عرضها عن ثلاث ساعات ونصف الساعة. وخلال ساعات العرض هذه يتجول على الخشبة أمامنا كل أصحاب الأسماء الشهيرة التي تشكل المكونات الأساسية للحكاية، من أوديب، طبعاً، إلى أنطيغون وكريون وجوكاستا ولايوس وأبي الهول وتيريزياس. هم جميعهم هنا يتنقلون من مشهد إلى آخر، ومن فصل إلى فصل، يواجهون البطل المأزوم، يحكون عنه، يواسونه، يرجمونه، فيما هو يعبر أمامنا، فصلاً بعد فصل، مراحل وجوده ومأساته المتلاحقة. فنجد في الفصل الأول ولادته في القصر الملكي في طيبة، والناس يحتفلون بمجيء ابن لايوس وجوكاستا هذا، قبل أن يقطع تيريزياس، العراف الأعمى العجوز، فرحة الاحتفال معلناً لعنة أوديب لأن أباه لايوس لم يطع أبولون، متنبئاً بكيف ستكون هذه اللعنة وبالاً على الوليد الذي سيكون هو من يقتل أباه ويتزوج من أمه، من دون أن يعرف ذلك، مما سيحل فيه كارثة الكوارث. وينتهي هذا الفصل على رعب يؤدي إلى إرسال الطفل إلى الجبال حيث سيترك ليموت.
الحقيقة المدمرة
لكن الطفل لن يموت، كما نعرف. سينجو إنما من دون أن يعرف شيئاً عن هويته. وهذا ما سيطالعنا به الفصل الثاني، حيث نجد الفتى وقد صار اسمه أوديب يعيش في كورانثا، بصفته ابناً لملكة وملك آخرين. وهنا إذ يساوره القلق الغامض يتوجه إلى كاهن دلفي سائلاً إياه النصيحة، فيحدثه هذا عن لعنته وعما كتبت له الأقدار أن يفعل بأمه وأبيه. يرتعب أوديب ويقرر الابتعاد حتى لا يفعل هذا، من دون أن يدري أنه بابتعاده إنما يسير على درب تحقق النبوءة... مع والديه الحقيقيين. وفي الفصل الثالث نجدنا، إذاً، قرب طيبة، حيث يعيش ويحكم لايوس وجوكاستا... وحيث يوجد أبوالهول، الوحش الذي يرعب السكان. ونعرف طبعاً أن وصول أوديب إلى هنا ينقذ الناس من الوحش، لكنه يدفعه هو دفعاً إلى لعنته، حيث في الفصل الثالث تستعيد الأوبرا أحداث مسرحية "أوديب ملكاً" التي تقع فيها الأحداث الجليلة المعروفة والمحققة للنبوءة. أما الفصل الرابع فإنه يحتوي على أحداث المسرحية الأخيرة في حكاية أوديب: "أوديب في كولونا".
شغف فنان
طبعاً لسنا في حاجة هنا إلى استعادة بقية الأحداث المعروفة، منذ فجر التاريخ والتي حرص أونسكو في هذه الأوبرا الطويلة أن يرويها كما هي، ولكن مموسقة في شكل أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه كلاسيكي، حاول في لحظات كثيرة، أن يترجم مشاعر أوديب ومخاوفه، لا سيما في تلك المشاهد التي يكون فيها وحيداً ساهماً يفكر في أي طريق عليه أن يسلك حتى يهرب من تحقق النبوءة، فيختار دائماً الطريق التي تقوده إلى مصيره المظلم. في مثل هذه اللحظات عبر جورج أونسكو (1881 – 1955) خير تعبير عن شغفه بهذا العمل وبهذه الشخصية، هو الذي لا شك كان مظلوماً دون جميع أقرانه، إذ نعرف أن الأميركيين عرفوه طوال الربع الثاني من القرن العشرين قائداً للأوركسترا، أما الفرنسيون فقد عرفوه خصوصاً عازفاً للكمان، وأستاذاً لكثر، بينهم يهودي مينوحيم في هذا المجال. أما هو فكان يعتبر نفسه مؤلفاً موسيقياً. والحقيقة أن "أوديب" من بين أعماله جميعاً، هي خير ما يؤكد هذا.
نيسان ـ نشر في 2022-12-17
رأي: إبراهيم العريس