اتصل بنا
 

إفلاس أمريكا

نيسان ـ نشر في 2023-01-22 الساعة 19:14

نيسان ـ عنوان صادم وأقرب إلى الخيال أن يفلس أكبر اقتصاد في العالم ، لكن الحقيقة الماثلة للعيان تقول أن الولايات المتحدة قد تعجز عن الوفاء بسداد ديونها المتراكمة التي وصلت إلى الحد الأقصى لسقف الاقتراض عند 31.4 تريليون دولار.
وقبل الدخول في السيناريوهات المحتملة للإفلاس ، وتداعيات ذلك على الاقتصاد العالمي، لا بد من الإشارة إلى أن معركة سقف الدين ليست جديدة وشهدت الإدارات الأمريكية المتعاقبة معارك مشابهة إنتهت إلى حلول وسطية بين الحزبين قبل الدقيقة الأخيرة ، لكن الأزمة الراهنة تعكس بلا شك حالة المواجهة المحتدمة بين الادارة الديمقراطية والمعارضة الجمهورية بعد أن أسفرت انتخابات التجديد النصفي عن واقع جديد لا يضع الرئيس جو بايدن في موقف مريح لتنفيذ مشاريعه وبرامجه التي أعلن عنها خلال العامين الماضيين ، وخصوصا في مجال البنية التحتية والانفاق على تعزيز المنافسة الاستثمارية والتكنولوجية مع الصين في صدارة الاقتصاد العالمي.
ولأهمية معركة الدين للبيت الأبيض حذرت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين نهاية الأسبوع الماضي من إمكانية حدوث أزمة مالية عالمية في حال عجز الولايات المتحدة المحتمل عن سداد ديونها ، كما لوحت بإمكانية تقويض دور الدولار كعملة للاحتياطيات في العالم .
السؤال المطروح هل تهول يلين وهي المرأة "الحديدية"في أمريكا ، والتي سبق لها إدارة مجلس الاحتياطي الفيدرالي ، من تداعيات الموقف لإجبار الجمهوريين على التنازل أم أن الولايات المتحدة تواجه بالفعل أزمة سيولة حقيقية؟
الأنباء الواردة من واشنطن تقول أن وزارة الخزانة بدأت بالفعل إجراءات استثنائية لإدارة السيولة يمكن أن تجنب أمريكا خطر التخلف عن السداد حتى الخامس من يونيو العام الجاري ،وبعدها سيصبح المشهد أكثر تعقيدا وألما للاقتصاد الأمريكي الذي يعاني من مشكلات مركبة في ظل التضخم وارتفاعات الفائدة التي بدأت تؤثر في النشاط الاقتصادي مما يثير احتمالية الدخول في ركود واردة جدا.
يلين حذرت أيضا من ارتفاع تكاليف الاقتراض وإثارة الذعر في الأسواق الماليّة ومن ثمّ في الاقتصاد العالمي، مما قد يؤدي إلى فوضى اقتصادية عارمة، لكن الجمهوريون الذين يتمتّعون بنفوذ في مجلس النوّاب حاليا، يضغطون على إدارة بايدن لخفض الإنفاق الحكومي بحجة أن الأوان قد آن للحدّ بشكل جذري من الاقتراض المتزايد سنويا.
المعركة إذا تسويفية بين الحزبين المتصارعين، إذ تسعى الإدارة الديموقراطية أن لا يمس أي خفض في الإنفاق برامج الضمان الاجتماعي والإنفاق العسكري، وأن يتجنّب فرض ضرائب جديدة تنعكس على الناخبين والرأي العام في أمريكا.
والمطروح بشدة الآن ماذا يعني التخلف عن السداد بالنسبة لاقتصاد ضخم من الأمريكي ومن الخاسر في معركة الدين الأمريكي اليوم؟
بداية وجود أزمة مالية في أمريكا سيكون له انعكاسات على الاقتصاد العالمي المتأزم أصلا، وخصوصا بعد الحرب الروسية الأوكرانية التي أدخلتنا في آتون ديون فلكية وتضخم مؤلم تعاني من تبعاته كافة الدول الفقيرة والغنية.
وفي حال التخلف المحتمل عن السداد ستقوم المؤسسات الدولية بخفض التصنيف الائتماني للدين الامريكي ما يهدد بهلع وفوضى في أسواق المال لا يحمد عقباها. وهذا يعني تراجع سوق السندات الامريكية، وخسارتها مئات المليارات من قيمتها ، وربما ينعكس ذلك على حملة السندات والمستثمرين في الأوراق المالية في الولايات المتحدة وأبرزهم الصين واليابان وبريطانيا ودول أوروبا وبعض دول الشرق الأوسط ، لأن العائد على السندات مربوط بالثقة بالاقتصاد الأمريكي وقوته ، وينسحب الأمر على تراجع قوة الدولار وعملات الدول المرتبطة بفلكه لصالح عملات صاعدة أبرزها اليوان.
ورغم أن إفلاس أمريكا مستبعد من الناحية النظرية بالنظر إلى تنوع الاقتصاد وقوة مؤسساته إلى أن غبار معركة الدين سيؤثر في قوة بايدن وستدفعه للتوصل إلى تفاهمات مع المعارضة الجمهورية تتلخص في ضبط الانفاق وتقنين المساعدات والتمويلات المالية والعسكرية إلى دول العالم وخصوصا أوكرانيا، مما قد يترك أوروبا لوحدها في مواجهة الدب الروسي العنيد ،ويترك بعض الحلفاء التقليديين أيضا أمام خيارات الانتقال إلى محاور جديدة باغراءات الاستثمار والعطاء السخي.
الخلاصة: لا شيك على بياض من الجمهوريين لإدارة بايدن في تمويل مشاريعه وتمويل سياساته الاقتصادية الداخلية ولا ضوء أخصر لسياسته الخارجية القائمة على التصعيد مع روسيا والصين. من هنا قد نواجه تغيرا في سياسات سيد البيت الأبيض خلال العامين المقبلين ، ما لم تحدث تغيرات على الأرض تجعل مواقف الحزبين موحدة ضد الأخطار السياسية والاقتصادية التي تهدد أمريكا كأكبر قوة في العالم.

نيسان ـ نشر في 2023-01-22 الساعة 19:14


رأي: د. محمود مشارقة

الكلمات الأكثر بحثاً