اتصل بنا
 

كثرة مشاريع الحلول للأزمة السورية

نيسان ـ نشر في 2023-01-25 الساعة 22:57

نيسان ـ من المفيد، مع اقتراب الأزمة السورية من بلوغ عامها الثاني عشر، تعداد وتحليل مشاريع الحلول للأزمة، التي بلغت رقماً كبيراً في عدد مشاريع الحلول لها، وهي أزمة طويلة من حيث الزمن الذي بلغته، وقوية التغذية في عوامل اشتعالها الداخلية والخارجية، وهي ملفتة في عدد كبير من الذين تدخلوا بها من الخارج الإقليمي والدولي ومن المنظمات العابرة للحدود (“القاعدة”و”داعش”) ومن الميليشيات المتعددة الجنسيات التي حاربت في الأراضي السورية، ومن كثرة عدد المقاتلين العرب والأجانب الذين توافدوا للأراضي السورية للقتال إلى جانب منظمات إسلامية معارضة وبحيث وازى هذا ما أتى منهم لأفغانستان بعد الغزو السوفياتي عام1979 أو للعراق مابعد احتلال 2003.
بعد أن لم يستطع السوريون الاتفاق فيما بينهم منذ أن بدأت الأزمة السورية مع ماجرى من مظاهرات وحراك في درعا 18آذار/مارس2011 ومن ثم انتشار ذلك في بقاع جغرافية عديدة من الأراضي السورية من مدن وبلدات وأرياف. والأزمة في تعريفها هي استعصاء توازني بين طرفين متصارعين لايستطيع أحدهما حسم الصراع ولايستطيعان إيجاد تسوية بينهما تنهي الصراع. تأقلمت الأزمة السورية في خريف 2011، ثم تدوّلت في ربيع عام2012، وهي مازالت مدوّلة حتى الآن ولو أن هناك أطراف إقليمية مازالت فاعلة، ولكن القوى الدولية، أي الولايات المتحدة وروسيا، مازالت هي الأقوى في التحكم بمسار الأزمة من قوى إقليمية فاعلة، مثل تركيا وايران ، فيما السوريون جميعاً هم الأضعف في هذه المعادلة، وبحيث يمكن القول بأن مبنى الأزمة السورية يتألف من طوابق دولية- اقليمية- داخلية- منظمات وميليشيات عابرة للحدود، هذا طبعاً غير متفرعاتها ومنها اللاجئون السوريون خارج الحدود ويبلغ عددهم ستة ملايين، وموضوع إعادة الإعمار .
بدأت مشاريع الحلول مع مبادرة الجامعة العربية التي اعتمدها مجلس وزراء الخارجية العرب في 2 تشرين الثاني/نوفمبر2011 وتنص على “حكومة وحدة وطنية ائتلافية ” من السلطة والمعارضة يرأسها رئيس حكومة “يكون مقبولاً من قوى المعارضة المنخرطة في عملية الحوار” التي دعت لها الجامعة العربية في القاهرة بين “المجلس الوطني” و”هيئة التنسيق الوطنية” وأنتجت وثيقة 30 كانون الأول/ديسمبر2011، على أن تشرف الحكومة على انتخابات نيابية لمجلس نيابي يكون بمثابة جمعية تأسيسية تنتج مسودة دستور يُعرض على استفتاء عام، وليكون الدستور الجديد هو الناظم للانتخابات الرئاسية في موعدها المقرر عام 2014. كان رفض “المجلس” لما وقّعه رئيسه برهان غليون لتلك الوثيقة مع نائب المنسق العام للهيئة هيثم منّاع سبباً في فشل المبادرة، ضافة إلى ما أعلنه مجلس وزراء الخارجية عن “عدم التزام الحكومة السورية بالتنفيذ الكامل والفوري لمبادرة الجامعة” وهو مادفع المجلس في 12 تشرين الثاني/نوفمبر “إلى تعليق مشاركة الجمهورية العربية السورية في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها”. ومن ثم قام مجلس وزراء الخارجية العرب بإصدار مبادرة الجامعة العربية الثانية في اجتماعه بيوم 22 كانون الثاني/يناير2012 التي تنص على شيء جديد يضاف للمبادرة الأولى وهو “تفويض رئيس الجمهورية نائبه الأول بصلاحيات كاملة للقيام بالتعاون التام مع حكومة الوحدة الوطنية لتمكينها من أداء واجباتها في المرحلة الانتقالية”، وقد كان الملفت في المبادرة الثانية هو حملها إلى نيويورك لأخذ موافقة مجلس الأمن الدولي عليها، حيث قامت روسيا بممارسة حق الفيتو ضدها في 4 شباط\فبراير2012، وهو ماكان إعلاناً عن فشل التعريب أو الأقلمة.
مع تبني مجلس الأمن الدولي عبر بيانه الرئاسي في 21 آذار/مارس 2012 لمبادرة مبعوثه الدولي إلى سوريا كوفي عنان بنقاطها الستة ومنها “الالتزام بالعمل من أجل عملية سياسية شاملة يقودها السوريون ” كان تدويل الأزمة السورية قد بدأ.
الفصل الأول من التدويل جاء مع (بيان جنيف1) في 30 حزيران/يونيو2012 عندما تبنّت الدول الخمس الكبرى ومعها الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي وتركيا نص بيان يدعو إلى “تشكيل هيئة حكم انتقالي باستطاعتها أن تهيىء بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية وتمارس فيها هيئة الحكم الانتقالية كامل السلطات التنفيذية ويمكن أن تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومن المجموعات الأخرى، ويجب أن تتشكل على أساس الموافقة المتبادلة”، والنص يتابع سيرورة مبادرتي الجامعة العربية في أن الحكم الانتقالي يسبق ويشرف على الدستور الذي تصيغه وفق بيان جنيف “عملية الحوار الوطني “التي تضم “جميع فئات ومكونات المجتمع”من أجل أن “يعاد النظر في النظام الدستوري والمنظومة القانونية وتُعرض نتائج الصياغة الدستورية على الاستفتاء العام” ثم تجري الانتخابات لانتخاب المؤسسات والهيئات الجديدة.
لم يتم تبني بيان جنيف1 في مجلس الأمن الدولي سوى منذ القرار 2118 الصادر في 27 أيلول/سبتمبر2013 الذي لم يتبنى القرار فقط في أحد بنوده بل وضعه بنصه الكامل في ملحق نص القرار ودعا لعقد (مؤتمر جنيف2) من أجل تنفيذ نص بيان جنيف1، وكان هذا القرار الدولي قد أتى حصيلة لاتفاق14أيلول/سبتمبر الأميركي- الروسي حول السلاح الكيماوي السوري. فشل (جنيف2)السوري بسبب الخلاف الروسي- الأميركي حول أوكرانيا بعد اتهام موسكو لواشنطن بالضلوع في عملية المظاهرات التي قادت لاسقاط الرئيس الأوكراني المنتخب الموالي لموسكو في أواخر شهر شباط/فبراير2014، وقد انفضّت جلسات (جنيف2) السوري على وقع الحدث الأوكراني، وفي أيار/مايو2014 استقال المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي من مهمته بعد أن خلف كوفي عنان.
تعطّلت محركات التسوية السورية على وقع تباعد موسكو وواشنطن، ثم التقيا، وهذا مايلفت النظر، في الشهر التالي للدخول العسكري الروسي إلى سوريا البادىء بيوم 30 أيلول/سبتمبر2015 حيث التقيا في لقاء فيينا الأول، ثم التقيا في لقاء فيينا الثاني في تشرين الثاني/نوفمبر ثم كان لقاء الكرملين والبيت الأبيض على القرار 2254 الدولي في 18كانون الأول/ديسمبر2015 الذي دعا إلى (مؤتمر جنيف3) بين وفدي الحكومة السورية والمعارضة التي حددها القرار بوصفها ناتجة عن مؤتمرات المعارضة المنعقدة في الرياض (كانون أول 2015) وموسكو (نيسان2015) والقاهرة (حزيران2015) من أجل تنفيذ بنود القرار 2254 خلال مدة ستة أشهر من تاريخ بدء جلسات المؤتمر التي بدأت في 29 كانون الثاني/يناير2016.
الجديد في القرار 2254، ورغم تبنيه لنص بيان جنيف 1 الذي يقول القرار أنه “ما من حل دائم للأزمة الراهنة في سورية إلا من خلال عملية سورية جامعة ..بهدف التنفيذ الكامل لبيان جنيف .. وذلك بسبل منها هيئة حكم انتقالية جامعة تخول سلطات تنفيذية كاملة” فإن الملفت هو استخدامه عبارة “حكم ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية ” يقود إلى “عملية لصياغة دستور جديد” وإلى “انتخابات حرة تجري عملاً بالدستور الجديد”، من دون أن يحدّد أويقول باستفتاء على الدستور الجديد، بخلاف بيان جنيف1، الذي يقول باستفتاء على مسودة الدستور المصاغة من قبل “عملية الحوار الوطني”، ومن أناس غير منتخبين ولكن يتفق عليهم، ثم دستور جديد تجري الانتخابات على أساسه .
قام رياض حجاب منسق “الهيئة العليا للمفاوضات”بالانسحاب من (جنيف3)وايقاف مشاركة وفد المعارضة في المؤتمر بدفع من الأتراك الذين كانوا يومها في 18نيسان/إبريل2016على خلاف مع موسكو وواشنطن. بعد التقارب التركي- الروسي منذ قمة بوتين- أردوغان في 9آب/أغسطس2016 بدأ مسار من التعاون التركي- الروسي قاد إلى مسار أستانا الذي بدأ منذ الأسبوع الأخير من عام2016 ولكنه كان مساراً أمنياً اقتصر على حلول لمناطق “خفض التصعيد” في الغوطة وشمال حمص وحوران، وعندما حاول الروس والأتراك إنشاء مسار سياسي في “مؤتمر سوتشي”في كانون الثاني/يناير2018 فإن الجنين الذي أولده ذلك المؤتمر لم يكن ممكناً أن يرى النور إلا عبر “القابلة القانونية” التي اسمها منظمة الأمم المتحدة التي قالت بتبني مقررات ذلك المؤتمر حول “لجنة دستورية سورية” تشتغل تحت إشراف الأمم المتحدة، تكون أطرافها الحكومة السورية و”هيئة المفاوضات السورية” المنبثقة عن مؤتمر الرياض2 للمعارضة المنعقد في تشرين الثاني/نوفمبر2017 وطرف ثالث هو “المجتمع المدني”.
هنا، إذا تفحّصنا مشاريع الحلول ،المذكورة آنفاً، نجد أن التعريب، وكان مرفوضاً روسياً وغير مرضي عنه من تركيا وغير متحمس له أميركياً ،لم يمشي، فيما التدويل كان يمشي على رجلين أميركية وروسية، وعندما يصطدم الكرملين والبيت الأبيض كانت لا تمشي عربة التدويل كمافي (جنيف2)، والمفارقة الملفتة كانت قدرة الأتراك مع رياض حجاب في عام 2016 على تفشيل الإرادة المشتركة لتنجيح (جنيف3) التي أبدتها واشنطن وموسكو. كما أن منظومة سوتشي، المؤلفة من روسيا وتركيا وإيران، التي أرادت إنشاء حل سياسي منفرد عبر مؤتمر سوتشي السوري في عام 2018 قد كانت بلا قدرة على تحقيق ذلك لأن واشنطن والرياض والاتحاد الأوروبي كانوا في الموقع المضاد، كما أن “هيئة المفاوضات” المعارضة والمنبثقة عن مؤتمر الرياض2، لم تقبل بحل سياسي لا يكون تحت المظلة الدولية حتى وهو يقول بتنفيذ القرار 2254.
في الأثناء تقوم موسكو وأنقرة، ومنذ خريف2022، بمحاولة جديدة من أجل حل للأزمة السورية يقوم على تنفيذ القرار 2254 ولكن في ظل صدام روسي- أميركي أشعلت إواره الحرب الأوكرانية وهو مايجعله مشروعاً للحل من دون مظلة دولية يؤمنها تلاقي واشنطن وموسكو حصراً، الأمر الذي سيؤول به إلى أن يكون على الأغلب من دون حظوظ بالنجاح، وهو أقرب إلى مسعى روسي للضغط على الأميركان من خلال الساحة السورية لحسابات تتعلق عند الكرملين بالحرب في أوكرانيا، أكثر من أي أمر آخر.

نيسان ـ نشر في 2023-01-25 الساعة 22:57


رأي: محمد سيد رصاص

الكلمات الأكثر بحثاً