اتصل بنا
 

المشي بين الألغام ، قراءة في رواية أسيد الحوتري 'كويت -بغداد - عمّان '

نيسان ـ د.أسامة المجالي ـ نشر في 2023-03-15 الساعة 15:11

x
نيسان ـ الذاكرة ، الذاكرة الممتدة عبر السنين والتي تُراكم الوعي والتصورات وتصنع منا ما نحن عليه الآن ، الذاكرة المخاتلة التي يغيب عنها ما يغيب ويُغيُّب عنها ما يُغيَّب ، هي ما يتبادر إلى ذهني وأنا أطالع الرواية الشيقة للزميل والصديق " أُسيد الحوتري " " كويت بغداد عمان " فالإسم اصلا مأخوذ عن حافلة عتيقة لنقل الركاب ما بين مدينة القدس ومدينة الكويت على ساحل الخليج مروراً بعواصم العرب على الطريق ؛ الشام " دمشق " وبيروت وعمان فبغداد فالكويت أخيراً ، لذلك فالتاريخ وثنايا الذاكرة هي ما أراه في كل خطوات الكاتب وفصول روايته فبالتذكر والتذكير المستفز والدامي يمارس كما لو جرّاح متمرس فتأ الدمامل المتقيحة وفتحها وتنظيفها واحداً واحداً ، وهو يتناول في روايته أحد الموضوعات العربية " المحرّمة " وهو النظر ملياً في الأحداث ، تقديم تفسير ما للأحداث ؛ كيف حدثت ؟ ولمَ حدثت ؟ ثم ما أحدثت من جراح وزلازل لامست حياة بطل الرواية وقلبتها رأساً على عقب ، ثم هو يتنقل بين مراحل عمره ومدارسه والاحياء التي عاش بها بالكويت والدول الاخرى التي سافر اليها أو أجبر على السفر إليها مرورا عابراً أو لاجئاً ومهاجراً مرة أُخرى . وفي كل مرحلة يفصِّل الندوب التي لحقت به وتركت آثارها على روحه ثم يعكسها مجيباً على كثير من الأسئلة وتاركاً أسئلةً اخرى قيد التفكير والتأمل .
تلمست عروبته الدافقة وهو يصف العلاقات الاجتماعية الصحية التي عاشها مع أصدقاءة العرب من كل الجنسيات في ربوع الكويت وأهل الكويت حيث مهد طفولته الوادعة والجميلة قبل ان يزلزلها ما زلزل كل حياة العرب ودولهم وأودى بعاصمة الرشيد "بغداد" إلى الإحتلال والدمار والفتك بها في النهاية ، لينتقل اللاجئ الفلسطيني المهاجر الى لجوء وهجرة جديدين ، ولكن على يد " عربي " هذه المرّة . ثم يمضي متفحصا ومدققاً في دلالات لوحته المدرسية بيوم استقلال الكويت وأبيات الصفي الحلّي :
بيضٌ صنائعنا
سودٌ وقائعنا
خضرٌ مرابعنا
حمرٌ مواضينا
وتأثيرات هذا الوصف اللوني المهيب على أعلام كثير من الدول العربية في توحّد ملفت ثم ينقلب كل شئ عندما يتحول الأحمر القاني إلى دم العربي المذبوح بيد العربي الشقيق ثم يتبع ذلك سوادٌ غامر يغطي كل الأرجاء .
وما بعد حَوَلِّي والنقرة والأحمدي والسالمية يصل القادسية وأبراج الكويت والشرق الذي يجتاح شرقُه بعد أن مارس الشرق إياه المماحكات الخالية من أي إعتبارات للشرق نفسه ، لم يراع الجيرة والاخوة والاحتياجات المشروعة والمخاوف المقلقة والسنين الصعبة الطويلة التي مرّ بها .
وفصلا فصلا لمست الثقافة العالية للكاتب ومعرفته الدقيقة بالتاريخ ، تاريخ فلسطين وتاريخ الكويت وتاريخ العراق والعراقيين ، وهو إذ يمضي بتشريح الوقائع وإماطة اللثام عن كثير من المسكوت عنه تتلمس روح الوفاء لديه للكويت الذي احتضنه طفلاً وشاباً وللعراق الذي مرّ به وللأردن الذي وصل إليه في نهاية المطاف ، فتراه يتحدث عن النصر الذي حققه الجيش العراقي وتضحياته على ثرى فلسطين بقيادة الضباط في الجيش العراقي " عمر علي " و " صالح زكي " وكلاهما تمت محاكمته من حكومة بلاده آنذاك بسبب انتصاره علي اليهود ودحرهم في " جنين "وعلى مشارف " تل ابيب " ثم يعرّج على الأمير الفدائي "فهد الاحمد الصباح " وبطولاته على ارض فلسطين وغور الاردن وهو يتنقل بكل تواضع بين قواعد الفدائيين الفلسطينيين الذي كانوا يحاربون المحتلين الغاصبين ويتكونون من كل فئات الشعب الفلسطيني والعربي الكويتي منهم والسوري والمصري واليمني وغيرهم سواءٌ بسواء .
وبينما اتنقل بمعية الكاتب في ثنايا الحلم والمرح والطفولة اللذيذة وقصصها البريئة يصر الحوتري على إستدعاء الجِد وعرض تفاصيل التفاصيل في تعمدٍ حيٍ وواعٍ لمشاركتنا ساعات ودقائق حياته وما مرّ به وهو الفلسطيني الحساس المثقف العضوي كما يحلو للبعض تسمية المثقفين الفاعلين .
هناك الكثير مما يمكن قوله عن هذه الرواية الحيّة والخطيرة والصعبة في هذا الزمن الصاخب والخطير والصعب ، أتركه للقارئ كي يصطحبه الأستاذ أسيد في طريقه متنقلا بين الالغام بإحتراف ومهارة وتشويق يُحسد عليه.

نيسان ـ د.أسامة المجالي ـ نشر في 2023-03-15 الساعة 15:11

الكلمات الأكثر بحثاً