اتصل بنا
 

السؤال الواجب طرحه في اجتماع عمّان التشاوري

صحافية وكاتبة أردنية

نيسان ـ نشر في 2023-05-02 الساعة 10:36

نيسان ـ كيف تمكنت السعودية من عَقد اتفاق مع إيران، ولم تتمكن حتى اللحظة من تحقيق التقارب المرتقب - منذ قرابة الخمس سنوات - مع سورية؟
لو حاول أحد الصحافيين طرح هذا السؤال على وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي الذي ترك ضيوفه (وزارء خارجية السعودية ومصر والعراق وسورية) لدقائق، يوم أمس، متوجهاً للصحافيين ليحدثهم عن تفاصيل الاجتماع التشاوري، لضاقت القاعة به، لأنه كان سيضيع ببساطة على الإعلام ما كان ينتظره من عناوين مهمة، لكن للأمانة هذا هو السؤال الواجب طرحه.
هذا هو السؤال المهم، الذي فرض نفسه أمام أبواب قاعة الاجتماع التشاوري الذي كانت أبوابه تُفتح تارة أمام أعين الصحافيين وتُغلق تارة أخرى. بل إنه أمام مشهد معاوني وزراء الخارجية وهم يجلسون في غرفة قريبة من غرفة الاجتماع ويتفقون على البيان الختامي، ظنّ البعض أن ثمة خبر سياسي يُطبخ في تلك الغرفة، وبأن الانتظار الطويل سيُثمر الخبر المنتظر منذ زمن؛ عودة سورية إلى جامعة الدول العربية ومن ثم مشاركتها في القمة العربية في الرياض.
للأمانة، أقولها بغصة كبيرة، فإن شكل الانتصار الذي تم في سورية لعب دوراً كبيراً في نتائج هذا الاجتماع وما سبقه من اجتماعات أخرى.
إن الانتصار في سورية كان انتصاراً بالدرجة الأولى لروسيا ولإيران، ومن ثم كان انتصاراً للدولة السورية، وفي هامش الانتصار المتاح هذا يُمارس إخواننا السوريون مهاراتهم السياسية بحرفية عالية، لكن إذا كُنّا صادقين مع أنفسنا فإن هامش النصر السوري قليل جداً مقارنة مع هامش النصر الروسي والإيراني في ذات المعركة.
حسب هامش النصر الذي حققته كل دولة من الدول الثلاث في معركتها ضد الغرب وحلفائهم، يمكننا متابعة مكاسبها التي حققتها فعلياً، الهامش الأكبر حققته روسيا الاتحادية بأن حمت مصالحها من خط انابيب الغاز الذي كان من المنتظر أن يمتد من قطر ودول الخليج العربي عبر الأردن وسورية إلى تركيا وأوروبا، ولنسأل أنفسنا؛ هل كانت ستتمكن روسيا من حماية محيطها الجيوسياسي اليوم وبد عمليتها العسكرية في أوكرانيا، ومجابهة الغرب بسلاح الغاز، لولا انتصارها في سورية؟
أما هامش النصر الذي حققته إيران في الأزمة السورية، يكاد يكون أقل، لكنه أكثر رحابة من هامش سورية؛ ففي ضوء الصراع الذي بدأ بين كل من تركيا وإيران وإسرائيل مطلع هذه الألفية لقيادة المنطقة، يبدو للعيان تقاسُم تركيا وإيران للمكاسب أمام تراجع دور إسرائيل، فكما أن إيران حققت مكاسب في وقوفها إلى جانب سورية، تمكنت تركيا من تحقيق مكاسب في حربها لسورية عرضتها للمساومة أمام روسيا المنتصرة في تلك الأزمة.
لكن ذلك الهامش المهم في النصر مكّن إيران من أن تكون لاعباً مهماً، يملكُ أمره، فيتمكن من المساومة على خيرات بلده التي بقيت في يده، والدليل سعي أميركا لإحياء الاتفاق النووي بداية الأزمة الروسية الأوكرانية، وأمام فشل المساعي الأميركية كانت الصفعة التي وجهها تيار روسيا والصين وإيران لأميركا يوم توقيع اتفاق سعودي إيراني برعاية صينية.
ذلك الاتفاق الذي تساءل العالم كله عن إمكانية صموده في ظل المتناقضات التي تحكم العلاقة السعودية الإيرانية.
لكن الواقع المتناقض لا يفرض إلا أحداثاً متناقضة؛ فالدول العربية الساعية لاستعادة سورية إلى الحضن العربي (أي إبعادها عن إيران)، كان من السهل عليهم الاتفاق مع إيران قبل سورية، هل يوجد تناقض أكبر من هذا؟
يزول التناقض إذا حاولنا رؤية المشهد من زاوية مختلفة، فالاتفاق السعودي الإيراني، يُعد اتفاقاً ذا خطوط عامة، وهو مهم اليوم للسعودية من زاوية مهمة، وكأن كل من السعودية والإمارات تتبادلان الأدوار في مسألة التواصل مع الأقطاب المهمة في الإقليم؛ فبينما تمد الإمارات خيوط التقارب مع إسرائيل، تمدّ السعودية خيوط التقارب مع إيران، وحتماً هذا السيناريو أكثر فائدة للعرب وأكثر كرامة من السيناريو الذي كان يرعب الجميع بأن تتقارب السعودية هي الأخرى مع إسرائيل، وحتماً هو يعكس مكانة إسرائيل المتراجعة في المنطقة تبعاً لمكانة أميركا المتراجعة.
في ظل ما سبق، من الصعب أن يتم التقارب العربي السوري، ما لم تمتلك سورية مساحة قوّة تمكنها من تحريك أحجار على رقعة الشطرنج، وللأسف فإن هذا غير متاح اليوم.
على سورية اليوم تنفيذ المطالب العربية وتحديداً المطالب السعودية المنتظرة من إيران، وكأن التطبيق العملي للاتفاق الايراني السعودي ستتم فصول كثيرة منه على أرض سورية، وهو ما لا يمكن لسورية تقديمه أبداً.
وفق مذكرات نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدّام فإن سورية في العام 1987 وهي كانت في وضع أقوى من اليوم ألف مرة، رفضت إدانة إيران أثناء الحرب العراقية الإيرانية.
ويقول خدام في مذكراته أنه وبعد إعلان قرارات القمة عام 1987 بثت وسائل الإعلام أخباراً تفيد بأن سوريا غيرت سياساتها وانحازت إلى جانب العراق، مما اضطر دمشق لإعلان بيان في 12 نوفمبر، جاء فيه: "سوريا أكدت في مناسبات مختلفة على علاقاتها القوية مع الجمهورية الإيرانية وهي لم توافق على أية عبارة تشكل إساءة واستفزازا لإيران ولم تساوم أحدا ولم يساومها أحد على هذه العلاقة".
أقول أنه ورغم حديث الصفدي بإيجابية يوم أمس للصحافيين عن الحوار في إجتماع عمّان التشاوري، إلا أن المطلوب من سورية اليوم ليتحقق التقارب العربي السوري هو صعبٌ للغاية بالنسبة لسورية، ورغم سعادتي وأنا أرى وزير خاجية بلدي يصافح وزير خارجية سورية في عمّان، إلا أن الواقع يقول أن سورية ما زالت بعيدة!

نيسان ـ نشر في 2023-05-02 الساعة 10:36


رأي: رانية الجعبري صحافية وكاتبة أردنية

الكلمات الأكثر بحثاً