اتصل بنا
 

الدِّين بالنصّ لا بالعلم!

نيسان ـ نشر في 2023-09-07 الساعة 08:22

نيسان ـ لا شك في أن الدين هو أمر خاص بالله سبحانه، فقد تكفل سبحانه ببيانه وتفصيله وحفظه، من خلال النص القرآني، يقول تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ﴾، ويقول: ﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾، وغير ذلك من الآيات الواضحات الجليات في أن القرآن العظيم مكتف بذاته لا يحتاج لغيره لبيانه وتفصيله وشرحه، وهو الحجة المعتبرة على المسلمين وغيرهم، وعلى الناس أجمعين أبصعين أكتعين. هو حجة واضحة بينه في كلياته ومقاصده ومغازيه، وفي تفاصيله من إيمان وكفر، حلال وحرام، وفضائل وفواحش، وعبادات وشرائع، وغير ذلك مما يدرك بالفهم المباشر للقرآن الكريم، وشيء بالفهم المتدبر في بعضه، وبمعنى آخر، فإن القرآن خطاب إلهي لكل الناس قاطبة، وفهمه ليس مرهونا بفئة منهم دون أخرى.
هذا يعني أن القرآن بوصفه حجة لا يحتاج إلى معلم بالمفهوم الدارج للمعلم، المعلم الشارح والمفسر والمبيِّن، فضلا عن عدم احتياجه إلى عالم يغوص في تأويله وسبر أغواره والبحث في أسراره، والتبحر في استدلالاته واستنباطاته باحثا عن حكم هنا أو حكم هناك. ولست عانيا في قولي هذا، عدم جواز الفعلين الصادر من المعلم أو العالم؛ إنما أجد نفسي بصدد نفي ما يصدر عنهما من نتائج تفضي إلى التعدد الدلالي والمقاصدي والمفاهيمي، التعدد القابل للنقد والنقض من زاوية نظر أخرى، باعتبار كل ذلك التعدد ونقده أو نقضه نصا دينيا، أي باعتباره نصّا مقدسا يبيح لنفسه التكفير والتحليل والتحريم والتشريع وإصدار الأحكام وغير ذلك من أمور، نراها واضحة جلية في المؤسسة الدينية الفقهية والتفسيرية.
إن العمل على القرآن بوصفه عملا لغويا أو تاريخيا أو أدبيا أو علميا أو فلسفيا هو عمل علمي بامتياز، وهو مطلب محمود بلا شك، يتعاطى مع نتائج بحثه، كما يتعاطى مع نتائج البحث العلمي المتعارف عليه، أي يتعاطى معه على جهة الإفادة منه في الحياة العلمية والعملية بما ينفع الناس، ويتعاطى معه من باب المعرفة القابلة للأخذ والرد، والإثبات والإنكار، لا من باب أنه نص ديني مقدس، أي أنه ملزم وواجب على المكلف من البشر.
بمعنى آخر، لا يجوز أن ننسب كلمة (شرعا)، عندما نقول مثلا: يجوز شرعا أو لا يجوز إلى اجتهادات الفقهاء والعلماء من أهل اللغة والتفسير وغيرهم، فالشارع هو الله سبحانه تعالى، من خلال النص القرآني الواضح المبين، الذي لا يحتاج إلى مفسر أو مجتهد أو شارح، في ما يتعلق بالآيات المحكمات في أمور الإيمان والأخلاق والمعاملات والعبادات، ولا يجوز أيضا، أن يكون (الشرع)، من أحاديث تروى عن النبي، متفق على ظنيتها من حيث الثبوت، وصلت إلينا عن طريق مناهج وقواعد بشرية، يؤخذ بها عند فلان، ولا يؤخذ بها عند آخر، فالصحيح نسبته إلى النبي عند أحدهما، هو ضعيف أو موضوع عند آخر، وهكذا هو الواقع في الصناعة الحديثية عبر تاريخها. فالشريعة لا تكون إلا من نص قطعي الثبوت، من حيث الإيمان به كنص ديني، وقطعي الدلالة من حيث الأحكام والشرائع والمعاملات والأخلاق وغير ذلك من أمور الناس في دينها ودنياها.
فالشرع والشريعة لا تأخذ إلا من نص قطعي الثبوت والدلالة، ولا يكون ذلك إلا بنص القرآن، الذي بيّن الله سبحانه فيه أنه آيات بينات، وأنه بلسان عربي مبين، وأنه ميسّر للفهم والإدراك والذكر والتشريع ومعرفة الحلال والحرام والعقائد والأخلاق، لا مجال فيه للاختلاف والتنازع والأخذ والرد، وإن حدث هذا، وهو حادث للأسف، فالخلل عند متلقيه لا في النص، وهذا هو سبب تمزيق الأمة إلى طوائف ومذاهب متناحرة، طوائف أسست على الفهم الخاطئ من أساسه حول التعاطي مع القرآن، من خلال اجتهادات المشتغلين به عبر التاريخ لا من خلال النص القرآني الواضج البيّن، وأن أي اختلاف، من وجهة نظري، حول الآيات البينات في القرآن هو طعن للقرآن الموصوف بالعربي المبين، والمفصل تفصيلا، والميسر للذكر.
وهذا الاختلاف المزعوم المبني على أسس طائفية ومذهبية ذات أبعاد سياسية وعرقية واجتماعية هو الذي أباح لهم أن يمزقوا الشريعة الواحدة إلى شرائع، فتفرقت بنا السبل، فللسني شريعته، وللشيعي شريعته، ولكل فرقة أيضا شرائع وسنن ما أنزل الله بها من سلطان، والقرآن العظيم بريء من تلكم الشرائع ذات الأهواء والعصبيات الجاهلية.
فالدين ليس "بفهم الأمة"، و"أجمعت الأمة"، و"عند الجمهور"، و"هذا ما قال به حذاق العلم"، و"في هذا إجماع"، إذ واضح أنها عبارات يقصدون بها المذهبية الضيقة وليس الأمة الإسلامية، لأن الأمة لم تجتمع أصلا فهي مفرقة ومشتتة ومتناحرة وهي مختلفة في كل مسألة من المسائل التي طرحوها ويطرحونها. ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾.

نيسان ـ نشر في 2023-09-07 الساعة 08:22


رأي: د. يوسف محمد الكوفحي

الكلمات الأكثر بحثاً