(بازار) الحرب الأميركية
علي قاسم
رئيس تحرير صحيفة الثورة السورية التابعة لنظام الاسد
نيسان ـ نشر في 2015-11-05 الساعة 21:35
لم يكن مفاجئاً أن تعتبر أميركا دعوة روسيا ما يسمى ممثلي المعارضة إلى الحوار سابقة لأوانها، وهي التي ما برحت تبيع في الوقت وتشتري بحجج تتلون وفق المقاس أو حسب الحاجة، حيث لا استعجال في القصة، ولا عجلة من أمرها،
ما دام مرتزقتها حتى اللحظة يؤدون دور المؤجج للصراع، فيما تلعب أدواتها على عامل المبازرة من أجل المزيد من الدمار والخراب، ولا تمانع أميركا في إدارة ما ينتج عن الحالين.
وفحين تضطر أميركا للدخول مباشرة، أو عبر رسائل مقاربة للوجود المباشر، فإنها في الغالب محاكاة لواقع تكون فيه مرغمة، وفي معظم الأحيان يكون بمثابة رسائل امتعاض من أداء مرتزقتها، أو يعبر عن خشية انهيارهم أو نتيجة إحباط من تواضع دورهم والأدوات التي تشغلهم في الوقت ذاته، ولا تتردد في إبعاد لهذا أو تجاهل لذاك وفق معطيات الميدان أو حسب الرائج في سوق العرض.
في قراءة مبسطة للموقف والدور الأميركي، لا أحد كان يعوّّل على حماسة أميركية يمكن أن تظهر في البحث عن حل سياسي، ولا أعتقد أن أحداً يمكنه أن يراهن على تبدل يقود إلى غير هذه المحصلة، بحكم أن السياسة الأميركية لم تكتفِ بنهج التسويف والتعطيل والنفاق، بل أضافت إلى القاموس سياسة تفخيخ ما يتحقق من خطوات على المشهد الدولي، وفيينا لن تكون الأخيرة.
فما حققته الجهود الروسية بالجملة حين تمكنت من جمع ما يمكن جمعه في فيينا، سارعت أميركا إلى تبديده ولو بالمفرق، عبر محاولات لا تخفي حضورها في سياق الخطاب الأميركي المتداول من جهة وفي إطار الخطوات التصعيدية المباشرة، وبعضها سبق حتى نتائج اللقاء من جهة ثانية، حيث الحديث عن إرسال قوات استشارية لم يكن عفو الخاطر، ونستطيع الجزم بأن التسريبات حول نقل تدريب مرتزقة جدد إلى داخل الأراضي السورية لم يأتِ من فراغ ولا ينطلق من العدم السياسي في ظل محاور عمل متحركة على جبهات لا تتوقف، بدءاً من تحريك الدور الوظيفي لأدواتها.. وليس انتهاء بما أصدرته من أمر عمليات تصعيدية لمرتزقتها .
في كل الأحوال لا يبدو المنعطف الأميركي مستجداً في خطواته، ولا هو وليد قرار اقتضته الضرورة السياسية واتجاهات الحدث، بقدر ما يعبر عن استراتيجية أميركية باللعب على عامل الوقت حتى إشعار آخر، حيث الاستنزاف والاستمرار في الدمار والخراب منهجاً يتصاعد بحكم ما تمليه لحظة الاختبار التي فرضتها معطيات لقاء جنيف، وخصوصاً لجهة التوقيت.
فالحديث الوارد في فيينا عن لقاء كان يفترض أن يتحقق بعد أسبوعين يبدو أنه ذهب أدراج الرياح أو كاد، والكلام عن رغبة في تسريع خطوات العمل على المسار السياسي يصطدم بخطوات أميركية تصعيدية تقود إلى الانفجار أكثر مما تحمل في طياتها بوادر التهدئة، والأخطر أن يكون الناتج في النهاية مجموعة منزلقة وصادمة من المعوقات ليس في السياسة فقط، بل وعلى الأرض أيضاً، في ظل ما هو متداول من حراك أميركي على جبهات المرتزقة وفي أروقة أدواتها لتحشيد أقصى طاقات تعطيل العمل السياسي، وفرد الساحة أمام الميدان بما يتطلبه من عوامل تفجير إضافية تؤجج ما هو قائم، وتضيف جبهات مواجهة.. ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.
فالانتقاد الأميركي للخطوة الروسية يعني عملياً أن كل من هو متحرك بفعل أمر العمليات الأميركي سيرفض الدعوة الروسية، وكل من هو مرتبط بالأدوات الأميركية في المنطقة لن يكون بمقدوره الاختيار بقدر ما ينفذ ما هو مطلوب، بحيث يتحول الانتقاد الأميركي إلى منصة للهجوم على المسعى الروسي بدأت معالمه ومؤشراته قبل أن تبدأ روسيا بتوجيه الدعوات، ولن ينتهي عند حدود الانتقاد بقدر ما سيكون قصفاً تمهيدياً لاستهداف لقاء فيينا ذاته لاحقا، بحيث تُبدد أميركا ما تبقى من تراكماته أو احتمالاته.
لا نعتقد أن المشهد يحتاج إلى إسهاب في الشرح ولا إلى غوص في الأسباب، حيث إنَّ أميركا التي بدأت رحلة الخراب والدمار في المنطقة، لا تزال تراهن على إبقائها والحفاظ على زخمها، أقله في عهد الإدارة الحالية التي بدأت تتحضر لجمع حقائب وجودها تاركة خلفها إرثاً من التراكمات المفجعة، وبعضها سيبقى مؤجلاً، وفي مقدمتها ملفات مفخخة.. وشرق أوسط متفجر.. ونزاعات لا تنتهي في لعبة البيع والشراء بالوقت في بازار الحرب الأميركية المتنقلة.