اتصل بنا
 

الأفق الترامبي والأردن

نيسان ـ نشر في 2025-01-31 الساعة 09:40

نيسان ـ لا اختلاف على أن وصول الرئيس ترامب لسدّة الرئاسة كان سيحدث أثره الكبير على العالم، فالرئيس ترامب يملك تصورات مختلفة للملفات العالمية وقد يكون أكثر حسماً فيها من سلفه، لم يكن الديموقراطيون أفضل حالاً من خَلفهم تاريخياً بل كان به سلبيات، وترامب ليس حالة حزبية أو رؤية للجمهوريين وأحلافهم وحسب، ممن رأوا التراجع في الدور الأمريكي في عهد الرئيس بايدن.
ترامب لم يخجل من شيء، اعلن انحيازا لقيم الحضارة الغربية الراسمالية المحافظة، واعلن في خطاب التنصيب تحرير أمريكا من ضعفها وترددها في زمن بايدن، ومن علاقاتها مع المؤسسات الدولية واتفاقية المناخ، ومع الملفات المؤجلة. وقدم رجال الأعمال فاختار ممثل الزمن الجديد أمريكياً إيلون ماسك، وهو اليوم أي ترامب يطرح الافكار التي قد لا تجد ترحيب البعض.
مع الصين هناك مشكلة قديمة وقفزت أول أمس مع تطبيق جديد للذكاء الاصطناعي ومع تطبيق تيك توك كانت أولى غزواته بعد العودة.
لم يكن من المتوقع أن يتحدث ترامب حين هاتفه جلالة الملك أو الرئيس السيسي بظروف تتعلق بإدانة حرب غزة او حسم حقيقي لخيار السلام وتأكيد حل الدولتين، فالرجل يرى أنّ غزة منطقة مدمرة وخَرِبَة، وهي فرصة استثمارية لإقامة نموذج لغزة الجديدة، والتي لن يرحل اهلها ومن وقع اتفاق السلام نيابة عن اهلها هم قادة حماس الذين لم يوضحوا الاتفاق للجميع وهو اتفاق يقضي بخروج مقاتلين من غزة لخارجها.
لا يُمكن أن ينفصل ذلك عن رؤية صهيونية تحرك الغرب كله، وقد كُشف النقاب عن وثيقتين اسرائيليتين تمّ إعدادهما من عناصر اليمين الصهيوني وتدعوان لتهجير أهل القطاع وقد تأثر بهما بايدن وكذلك ترامب، وكل ذلك مفهوم بحكم علاقة الولايات المتحدة مع اسرائيل، فالسلف بايدن ووزير خارجيته وليم بيرنز جاءا للمنطقة بعد «السابع من أكتوبر» يبكيان مصير اسرائيل خوفاً عليهاً، وعبّر السيد بيرنز في الزيارة الأولى بأنه جاء كيهودي.
ترامب لا يعتبر الاردن خصما او عدوا له، فعلاقات البلدين راسخة، وهو أكثر وضوحاً بالتعبير عن أفكاره، فأمريكا معنية بالمنطقة، وبرعاية اسرائيل، وأمريكا حين تدخلت في عهد أوباما بالشرق الأوسط بعد خطاب الرئيس اوباما في جامعة القاهرة، دعمت خيار الربيع العربي الذي فكك أكثر من دولة، لكن ترامب هو الذي أمر بقتل قاسم سليماني الذي كان يستهدف الدول العربية والذي غنم من امريكا في زمن أوباما حيث منحت له ثلاث دول اليمن وسوريا والعراق بالاضافة للبنان، وسيكون لترامب فضل في زيادة دحر إيران التي دمرت عواصمنا العربية.
صحيح أنه لا شرق أوسط هادئ بدون اللاعب الأمريكي، ولا مصائر ممكنة في السلام دون موقف واضح من خيار السلام والحل الذي يوفر للفلسطينيين دولة يستحقونها. وإن كان ترامب يريد ترحيل أهل غزة كما قال في تصريح متسرع فهم غير مستعدين للرحيل، وهم لم يفكروا بذلك حين كانوا تحت القصف فكيف بهم اليوم؟
نعود للأردن، الذي جرب زمن ترامب في ولايته الأولى، ولدى الأردن موقف واضح من موضوع التهجير كما للشقيقة مصر أيضاً، ولنا حصيلة صداقات وعلاقات دولية ومكانة محترمة، وقيادة فذة مكنتنا من عبور أزماتنا، والتي لن يكون أولها ولا آخرها حديث في مكالمة هاتفية للسيد ترامب، ولكن علينا التفكير جيداً في أن نضع موازنات الدولة بدون اتكاء كبير على مساعدات الشريك الأمريكي في بعض المشاريع.
الأردن بلد لديه فرصة اليوم للتفكير بما قالة الملك قبل نحو أربعة أعوام «علينا الاعتماد على أنفسنا» لذا علينا تدوير تعليمنا وخدمات الصحة ووقف الهدر في المشاريع وتجاوز ثقافة بالية عن التفاخر والانفاق الذي لا يحقق أي قيمة، وعلينا دفع ابنائنا للعمل المهني والحرف، وعلينا التخلي عن منطق الربابة والشيخة وانتظار المنح، يجب قبول نصف ما نقبله سنويا في الجامعات، وعلينا العودة للزراعة وفتح البلد للاستثمار العربي والمحلي بمنح حوفز حقيقية لمشاريع كبرى وتحقيق كفاءة في عمل المؤسسات وتطوير الأحزاب كي تخرج من أزماتها العميقة.
علينا التخلي عن المحاذير التي كنّا نتحرك بها وتحكمنا، ففي الأردن نصف الشعب الفلسطيني التاريخي، وفي الأردن 150 ألفا من سكان غزة، ونحن أكبر دولة احتضنت ورعت ودافعت عن فلسطين، ولدينا نزوح ولجوء عبر الزمن، ولدينا فقر كبير في المياه لكن لدينا إدارة جيدة له، لكن علينا أن نعي قيمة كيف يكون الأردن صلباً منيعاً وكيف نحميه بالوعي والعمل الجاد والوحدة الوطنية، واستخلاص التجارب.
تاريخيّاً واجهت القيادة الهاشمية أي مخاطر محتملة أو تهديديات خارجية او محليّة، باستدارات نحو الداخل، وبإحداث مقاربة جديدة لتجاوز حقب سنوات الأزمات ومواسمها، وأعتقد أننا نحتاج لتدبر البقاء والصمود الأردني ومنعة الدولة، مهما كانت التحديات.

نيسان ـ نشر في 2025-01-31 الساعة 09:40


رأي: مهند مبيضين

الكلمات الأكثر بحثاً