اتصل بنا
 

عن نظرية لـ 'الانتقال الديمقراطي' الأردني

وزير أردني سابق، باحث ومتخصص في الفكر الإسلامي والإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في العالم العربي. من كتبه "السلفيون والربيع العربي"و" الإصلاح السياسي في الفكر الإسلامي"و "الحل الإسلامي في الأردن" و"الإسلاميون والدين والثورة في سورية".

نيسان ـ نشر في 2025-02-05 الساعة 10:23

نيسان ـ على النقيض من الفكرة الشائعة بأنّنا في الأردن مبدعون في التنظير والتحليل، لكننا لا نعمل بذلك؛ فإنّ هنالك قصوراً شديداً وملحوظاً في مجال التنظير السياسي، بخاصة ما يتعلّق بعملية الانتقال الديمقراطي، فهنالك شُحّ في الأدبيات والكتابات التي تناولت هذا الموضوع؛ ربما هنالك كتب تحدثت عن تاريخ الحياة النيابية والديمقراطية والأحزاب السياسية، بخاصة كتب المؤرخ الكبير د. علي محافظة، سواء كتابه عن المعارضة السياسية الأردنية في مئة عام، أو كتابه الفكر السياسي الأردني أو حتى كتاب «الديمقراطية المقيّدة»، لكن لا تجد غالباً كتب وأدبيات تتناول التجربة الأردنية في التحول، من زاوية نظرية، مقارنةً بنظريات التحول الديمقراطي الأخرى.
هنالك كتابان رئيسان في هذا المجال الأول لنصير عاروري، الباحث الفلسطيني الراحل المعروف، وقد كتب كتاباً خاصاً بعنوان «الأردن: دراسة في التنمية السياسية (1921-1965)» وكتاب لدانيال ليرنر بعنوان «انحسار المجتمع التقليدي» تمدين الشرق الأوسط»، وفيه فصل خاص عن الأردن بعنوان «دولة واحدة بشعبين»، لكن ما عدا ذلك لا تجد كتباً متخصصة لمقاربة التجربة الأردنية من زاوية مقارنة بالتجارب العالمية الأخرى أو حتى في ضوء نظريات الانتقال والتحول الديمقراطي، سواء من زاوية الاتفاق أو الاختلاف، أو حتى كتب وأبحاث معمقة تجيب على السؤال الرئيس: لماذا تعثّرت تجربة الانتقال الديمقراطي في الأردن؟ وما هي العوامل التاريخية والسياسية والثقافية والاقتصادية التي تمثّل ديناميكيات إيجابية أو سلبية عبر التجربة التاريخية وكيف يمكن أن نشتق منها أنماطاً يمكن القياس عليها؟
استناداً إلى هذا الشعور بأهمية التفاعل والتعلّم من التجارب الأخيرة جاء مشروع مشترك بين معهد السياسة والمجتمع في عمان والسفارة النرويجية، الذي يدخل مرحلة جديدة في كيفية الإفادة من التجربة الديمقراطية النرويجية بصورة خاصة والاسكندنافية بصورة عامة، بخاصة أنّها جميعاً ممالك أوروبية نجحت في الانتقال والتطور السياسي والاقتصادي، وربما هذه المقاربة اثارت جدلاً لدى العديد من المشاركين الأردنيين الذين رأوا أنّ هنالك شروطاً وحثيثيات عديدة مختلفة وفارقة بين الدولتين والمجتمعين، وهذا صحيح، لكن – في المقابل- فإنّ هنالك العديد من الدروس التي يمكن أن نفيد منها أردنيّاً ونتعلم من تجارب الدول والمجتمعات الأخرى، مثل الدول الاسكندنافية التي تميّزت تجربتها على سبيل المثال بما يسمى «النموذج الشمالي للديمقراطي» الذي يقوم على الجمع بين الديمقراطية والسياسات الاجتماعية، وذلك محصلة نضال الطبقة العمالية والدور المحوري للأحزاب الديمقراطية الاجتماعية هناك.
وقائع النقاشات وأوراق العمل في المرحلة الأولى من هذا المشروع وُضعت بكتاب أصدره معهد السياسة والمجتمع مؤخراً مع السفارة النرويجية في عمان بعنوان «الانتقال الديمقراطي والسياسي: مقاربة أردنية نرويجية» (من تحرير الباحث الشاب أنس الدباس)، وفيه تركيز على موضوع التحول والانتقال الديقمراطي في الدول الاسكندنافية عموماً، وتركّز على ثلاثة عوامل رئيسية ثلاثة مهمة؛ مؤسسات الدولة القوية، مأسسة الأحزاب السياسية وشاغلي المناصب الراغبين في النزول عن مطالب الجماهير من حيث الانتخابات والاقتراع وإدماج السياسة الاجتماعية، وهنا يمكن مقاربة ذلك بالأسس الثلاثة التي أشار إليها فرانسيس فوكوياما في كتابه المهمة «النظام السياسي والانحطاط السياسي»، لأسس النظم الديمقراطية إذ ربط الديمقراطية- الحرية بسيادة القانون وبمؤسسات الدولة القوية.

في الكتاب فصول مهمة عن الشباب والإدماج السياسي ودورهم في الأحزاب السياسية والمرأة ودورها في الأحزاب السياسية وفي العملية الديمقراطية وقياس الديمقراطية وتأثير السياسات الدولية والعوامل الجيوبوليتيكية عليها، وفيه أيضاً دراسة قدمها كاتب هذه السطور بالتعاون مع أنس الدباس عما أطلقنا عليه المدّ القصير والجزر الطويل في تجربة التحول الديمقراطية الأردنية، وفيه تحليل للتجربة التاريخية والعوامل والديناميكيات التي دفعت في مراحل قصيرة ومحدودة إلى توسيع نطاق المشاركة السياسية والعوامل التي تقف على الضفة الأخرى وتحجّم هذا المسار!
لم ينته المشروع عند هذا الكتاب، الذي يضيف أبعاداً مهمة لفهم الحالة الأردنية مقارنةً بالحالات الأخرى، بل هنالك مراحل أخرى من المشروع، وربما مقارنات مع دول وتجارب غربية وعالمية متنوعة ومتعددة.

نيسان ـ نشر في 2025-02-05 الساعة 10:23


رأي: د. محمد أبو رمان وزير أردني سابق، باحث ومتخصص في الفكر الإسلامي والإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في العالم العربي. من كتبه "السلفيون والربيع العربي"و" الإصلاح السياسي في الفكر الإسلامي"و "الحل الإسلامي في الأردن" و"الإسلاميون والدين والثورة في سورية".

الكلمات الأكثر بحثاً