اتصل بنا
 

دونالد ترمب... من 'فن الصفقة' إلى 'فن التراجع'

نيسان ـ نشر في 2025-03-28 الساعة 01:58

x
نيسان ـ كتب محلل الشؤون السياسية:
لو أُتيح لبطل رواية "الحارس في حقل الشوفان"، هولدن كولفيلد، أن يتجسد في شخصية حقيقية في هذه الأيام، لوجد في قصص الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترمب، أمثلة حية على ما أراد الكاتب الأمريكي المبدع جيروم ديفيد سالينجر أن يعبر عنه في روايته.
فقد ظهر ترمب في الواقع، مجرد مدّعٍ، يسعى بشعبويته إلى تزييف الوعي وإثبات ما لا يمكن إثباته: قدرته كرجل أعمال على إبرام الصفقات في زمن قياسي.
وقد كشفت المحادثة الهاتفية الأخيرة بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن حقيقة أخرى، وهي أنه مجرد محاور ومفاوض فاشل، قدم تنازلات كثيرة دون أن يحصل على شيء سوى وقف ضرب منشآت الطاقة الأوكرانية، في حين أنه كان قد وعد بوقف الحرب الروسية على أوكرانيا، بل ووقف كل الحروب في العالم خلال 24 ساعة، لكن ما رآه العالم منه لم يكن سوى طرح مبادرات صادمة ثم التراجع عنها بسرعة ودون أي اعتبار لمكانة الولايات المتحدة الأمريكية كزعيمة للعالم.
يقول بعض المتابعين إن ترمب فشل أساسًا كرجل أعمال، وأن شركاته كانت تحقق النجاح بفضل ما بناه والده، بينما هو نفسه قادها من فشل إلى آخر، وكان يظن أن عالم السياسة ما هو إلا نسخة مكررة من عالمه الخاص بالأعمال، وقد تجسد هذا التصور في اختياره لرجال الأعمال لتولي المناصب العليا في إدارته، وتعيينهم مبعوثين في قضايا حساسة مثل الشرق الأوسط، لكنه وقع في مغالطة قاتلة حين قدّم مبادراته بشأن قضايا مثل خليج بنما، غزة، وجرينلاند، دون أن يعي تاريخ حملات الاستعمار التي لطالما كانت ترفع شعارات أخلاقية لتغطية أهدافها الحقيقية.
وقد صُدم العالم بفجاجة مواقف ترمب، إذ بدأ بتكييش كل شيء دون مراعاة لتكتيكات السياسة أو مصالح الآخرين، وراح يصرخ في وجه الجميع قائلاً: "يجب أن تدفعوا مقابل ذلك".
ثم هنالك التناقض الجوهري في سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة، الذي يحتاج إلى تفسير، كيف يمكن لترامب أن يعيد العالم إلى عصر الاستعمار والسيطرة على الموارد والطرق في وقت تُعتبر فيه أمريكا رائدة في الثورة الصناعية الرابعة؟ تلك الثورة التي يفترض أن تمثل قمة التقدم في مرحلة الليبرالية، ما هذا التراجع إلا محاولة سباحة ضد تيار التاريخ، الذي يمضي دائمًا للأمام، ولا يعيد نفسه إلا في شكل مهزلة كما قال كارل ماركس، وبالفعل، من يتابع الأحداث اليوم لا يرى سوى المهازل.
نعم، لقد عشنا لنرى تحقق مقولات ماركس عن "ملاهي التاريخ"، وما تحققه هذه المقولات في الواقع، فالصراع اليوم، كما يبدو، ليس بين أمريكا وأقطاب أخرى في العالم، بل داخل أمريكا نفسها، التي تحمل في جوفها بذور فنائها.

نيسان ـ نشر في 2025-03-28 الساعة 01:58

الكلمات الأكثر بحثاً