اتصل بنا
 

حين تصبح السخرية لغة للنجاة من الواقع

كاتب وصحافي أردني

نيسان ـ نشر في 2025-04-20 الساعة 19:22

نيسان ـ في بلادنا، حيث يهزأ الواقع بالمنطق كل يوم، وحيث تقتل الفكرة العاقلة على عتبة كل مؤسسة حكومية، تصبح السخرية وسيلة دفاعٍ نفسي، لا أسلوبا أدبيا. بل تصبح دوامة عبثية تجعل من محاولة العثور على المنطق ضربا من الجنون.
نعيش في زمن تبدو فيه الحقيقة أغرب من الخيال، حيث يتحول العبث إلى عادة يومية، مع كل محاولة للفهم نجد أنفسنا نضحك... فقط كي لا نبكي.
يقول أحد الشباب العرب عن حالة التناقض التي تعيشها مجتمعاتنا:
"في بلادنا، إذا أردت العمل يجب أن تملك شهادة خبرة، ومن أجل أن تحصل على شهادة خبرة، يجب أن تعمل.
نقيم عزاء للمتوفى بآلاف الدنانير، بينما كل ما كان يحتاجه للعلاج ببضع مئات فقط.
في زاوية آخر من هذا المشهد الكوميدي، نجد متسولا جالسا على باب المسجد. لا يصلي، لا يعرف اتجاه القبلة، لكنه يعتاش على تقوى المصلين. يخرجون من الصلاة، يضعون في يده المال، ويرجون منه الدعاء والرحمة.
أما في حفلات الزواج، فلا تقاس الفرحة بالمحبة أو الود، بل بعدد الطلقات في الزفة، وعدد المدعوين، وربما بعدد الخراف التي ذبحت.
أهل العريس قد يبيعون أرضا، ويستدينون آلاف الدنانير، فقط من أجل ليلة تنسى في اليوم التالي.
أما المتزوجون الجدد، فيستيقظون بعد أقل من شهر على ديون، وشجار بسبب وبدون سبب.
في التعليم، نلقن أبناءنا دروسا لا علاقة لها بالحياة.
يحفظ الطالب تفاصيل انقسام الخلية، وأنواع الجموع، وخصائص شعراء العصر العباسي، والجاهلي والاموي وتاريخ الإمبراطوريات الرومانية والفارسية والعثمانية، ثم يتخرج ليكتشف أن أهم المؤهلات المطلوبة في سوق العمل هي: "مين بتعرف؟"
نعيش في عالم التناقضات.
ندين الفساد، لكن إذا جاءتنا "واسطة"، نقبلها بدم بارد.
نلعن المحسوبيات، لكن إذا جاء دورنا، نقول: "كل الناس بتعمل هيك!"
نحب النجاح، لكن إذا رأينا أحدا ناجحًا، نسأله: "أكيد عندك ظهر، صح؟!"
حزن على ما يجري في فلسطين ونغضب لدمائهم، ونؤيد المقاومين بشدة، وقد نعلق صور الشهداء الذين مضوا بفخر.. ولكننا نشرب البيبسي والكولا بنهم، ونأكل الهمبرجر، وندخن سجائر المارلبورو...ولن أكمل، خوفًا من أن يصبح النشر "ممنوعًا".

نيسان ـ نشر في 2025-04-20 الساعة 19:22


رأي: محمد المحيسن كاتب وصحافي أردني

الكلمات الأكثر بحثاً