الإرهابي أبو علي العسكري: عام بالتمام والكمال على التهديد
الدكتور عمر كامل السواعدة
كاتب وخبير قانوني
الخلية، الجماعة، والفصيل الخارجي: من كشف أوراق التوت عن الشبكة الصامتة في الداخل؟
نيسان ـ نشر في 2025-04-23 الساعة 09:19
نيسان ـ في السياسة، هناك لحظات تُشبه المرايا المحطمة. تسقط شظية هنا، وشظية هناك، وكل منها يكشف زاوية من الحقيقة التي طالما رفضنا رؤيتها كاملة.
ما جرى في الآونة الأخيرة لم يكن مجرد تفكيك خلية نائمة، بل تفكيك خريطة تواطؤ وتداخل وتشابك تمتد جذورها في الخطاب، وتتشعب فروعها في التنظيم، وتجد ريّها من الخارج، حيث لا تُرفع الرايات إلا فوق بندقية.
أُعلنت خلية مسلّحة داخل البلاد. بين أعضائها وُجد من ينتمي إلى "الجماعة" التي تصرّ على تقديم نفسها كحزب سياسي وطني. ردة الفعل لم تكن مدروسة، بل مرتجفة: الجماعة سارعت إلى التبرؤ من الأفراد. لكن ما الذي يُسقط الشرعية عن حزب أكثر من أن يُكشف بأن بعض أبنائه يعملون لصالح مشروع خارج الحدود؟ وما الذي يفضح هذا التداخل أكثر من البيان الصادر عن الفصيل الخارجي، الذي طالب بالإفراج عن "أبطال" الجماعة، دون أي تنسيق، دون أي احترام، وكأنها لا تملك حق الرفض أو حتى الاعتراض؟
هنا انكشف المخبّأ: إما أن الفصيل الخارجي – الذي يعمل بعقيدة الصواريخ لا البيانات – ورّط الجماعة بعنجهيته، وإما أنه ينظر إليها كأداة أدنى، تابع سياسي لا سيادة له على من يحملون اسمه وشعاراته.
فما بين التبرؤ المرتبك، والتضامن الفج، تهاوت الحواجز التي طالما ادّعت الجماعة أنها تحصّن بها استقلالها. وسقطت العبارة الشهيرة: "نحن لا علاقة لنا بحماس أو غيرها من الفصائل". فإذا كان هؤلاء "الأبطال" ممن يستحقون الدعم من فصيل عسكري، فبأي صفة إذًا دخلوا المشهد السياسي؟ ومن الذي غض الطرف عن بناء هذه الشبكة الممتدة بين الحزب، والفصيل، والخطاب؟
وإذا أردنا أن نرسم العلاقة بين مكوّنات هذا المشروع الشبكي، فسنجد أننا أمام مثلث واضح المعالم، متين الأضلاع، لا يقبل التفسير البريء بعد اليوم:
• في رأس الهرم، يقف الفصيل الأجنبي، الممول، المجهّز، والمعلن جهارًا عن خطته لإدخال السلاح والتكتيك إلى الداخل.
• في الزاوية الأولى، نجد الجماعة التي تعمل تحت الغطاء القانوني كحزب سياسي، لكنها في الواقع – شئنا أم أبينا – هي البيئة التي نشأت فيها الخلية، والمنصة التي تغذّت منها تلك الشعارات.
• وفي الزاوية الثالثة، يقف الشعار الجماهيري الذي لطالما صدح في الشوارع: "كل الأردن حمساوية". لم يكن مجرد هتافًا عاطفيًا، بل تحوّل الآن إلى اعتراف جمعي خطير بمستوى التماهي والتداخل بين ما هو سياسي وما هو عسكري، بين ما هو حراك شعبي وما هو اختراق شبكي.
الآن، وبعد أن انكشفت الخلايا، وظهرت التزكيات، وصرّح الخارج علنًا عن خططه، لم يعد بإمكان الجماعة أن تتوارى خلف خطاب الوطنية.
فمن نظّم المظاهرات التي خوّنت الدولة؟ من سمح لشعار "كل الأردن حمساوية" أن يتردد في كل شارع دون اعتراض؟ من سوّق هذا الولاء العابر للحدود على أنه جزء من الانتماء الوطني؟ لا مجال للإنكار، إلا لمن أعمى قلبه الوهم، أو غيّبته شبهة أنه وطني مخلص فنحن لا نتهم الجميع. لكن الوطنية ليست منابر، ولا هتافات، ولا خطبًا مملوءة بالدموع. الوطنية هي أين تقف حين يبدأ تهريب السلاح، ومن تبرر له حين ينكشف المخطط.
إنّ من يبرر، أو يسكت، أو يتذاكى، هو – شاء أم أبى – جزء من الشبكة، أو سلك من أسلاكها، أو صامت يسندها بالصمت.
والآن، إلى ما هو أخطر: تصريح أبو علي العسكري.
في الأول من نيسان 2024، قالها بوضوح على قناته الرسمية" "نجهّز المقاومة في الأردن بما يسد حاجة 12 ألف مقاتل من الأسلحة والقاذفات والصواريخ، وننتظر فقط تزكية من حركة مقاومة لتبدأ العملية."
حينها، نبّهتُ مطوّلًا إلى خطورة هذا التصريح. كتبت، حذّرت، وناديت: هذا ليس كلامًا في الهواء، بل مخطط قادم من عمق الأنفاق.
لكن البعض قالوا إنني أهوّل. قالوا إنني أضرب في الفراغ.
واليوم، بعد تفكيك الخلية، وظهور الارتباطات، وصمت الجماعة، وانكشاف التزكيات...
أليس في ما حذّرت منه برهانًا أن الخطر لم يكن وهمًا، بل واقعًا كان يترقّب لحظة غفلة؟
هل المطلوب أن نصحو ذات يوم على عربة متفجرات في شارع وطني لأن هناك "تزكية" صدرت من غرفة في غزة أو بغداد؟
هل أصبحت الجغرافيا الوطنية خاضعة لحسابات التزكية والتنسيق بين فصائل لا ترى في الحدود سوى معابر، ولا في الشعوب سوى وقودًا لمعاركها؟
لكنّ الأهم من هذا كله:
أين كانت العيون؟
وهنا، لابد من أحني رأسي بإجلال، وشكرٍ لا مجاملة فيه، بل إيمان: الأجهزة الأمنية الأردنية، وعلى رأسها دائرة المخابرات العامة، كانت تراقب.
حين نسي السياسيون بيان أبو علي العسكري،
وحين انشغل الإعلام في توصيفات "الخلايا"،
وحين هرولت الجماعة إلى بيانات التبرؤ،
كانت العيون مفتوحة، لا تغفو، لا تغفل.
ضُبطت الخلية، وكُشف المخطط، وأُحبط ما كان يُعدّ له لسنوات.
في زمن يتداخل فيه الإعلام مع التحريض، والخطاب مع التوجيه، والدعوة مع التهييج، فإن من يحفظ الوطن حقًا ليس من يرفع الشعارات، بل من يرصد الأسلحة التي تُجهز خلفها.
الجماعة، الفصيل، والتزكية… كلها كلمات خادعة تُخفي تحتها شبكةً لا تؤمن بالوطن، بل فقط بالأجندة.
شبكة لا تقاتل من أجل فلسطين، بل تريد تحويل الأردن إلى منصة رماية.
هذا الوطن ليس ساحة خلفية لأحد،
ولا نَفَسًا في رئة أحد،
ولا مجازًا جغرافيًا في شعر أحد.
بل دولة، لها أمنها، وجيشها، وعيونها، وأبناءها الذين لا يسمحون أن يتحوّل الحلم الكبير إلى "خندق من خنادق المعركة التي لا ناقة لنا فيها ولا بندقية."
اليوم، يجب أن نُعيد تعريف الخطوط الحمراء، لا في السياسة، بل في الولاء.
يجب أن نميز بين الحزب الذي يعارض لأجل الإصلاح، والشبكة التي تتستر بالحزب لأجل الاختراق.
ومَن لا يرى في تصريح أبو علي العسكري إنذارًا وجوديًا، فليعد حساباته، أو ليصمت.
ما جرى في الآونة الأخيرة لم يكن مجرد تفكيك خلية نائمة، بل تفكيك خريطة تواطؤ وتداخل وتشابك تمتد جذورها في الخطاب، وتتشعب فروعها في التنظيم، وتجد ريّها من الخارج، حيث لا تُرفع الرايات إلا فوق بندقية.
أُعلنت خلية مسلّحة داخل البلاد. بين أعضائها وُجد من ينتمي إلى "الجماعة" التي تصرّ على تقديم نفسها كحزب سياسي وطني. ردة الفعل لم تكن مدروسة، بل مرتجفة: الجماعة سارعت إلى التبرؤ من الأفراد. لكن ما الذي يُسقط الشرعية عن حزب أكثر من أن يُكشف بأن بعض أبنائه يعملون لصالح مشروع خارج الحدود؟ وما الذي يفضح هذا التداخل أكثر من البيان الصادر عن الفصيل الخارجي، الذي طالب بالإفراج عن "أبطال" الجماعة، دون أي تنسيق، دون أي احترام، وكأنها لا تملك حق الرفض أو حتى الاعتراض؟
هنا انكشف المخبّأ: إما أن الفصيل الخارجي – الذي يعمل بعقيدة الصواريخ لا البيانات – ورّط الجماعة بعنجهيته، وإما أنه ينظر إليها كأداة أدنى، تابع سياسي لا سيادة له على من يحملون اسمه وشعاراته.
فما بين التبرؤ المرتبك، والتضامن الفج، تهاوت الحواجز التي طالما ادّعت الجماعة أنها تحصّن بها استقلالها. وسقطت العبارة الشهيرة: "نحن لا علاقة لنا بحماس أو غيرها من الفصائل". فإذا كان هؤلاء "الأبطال" ممن يستحقون الدعم من فصيل عسكري، فبأي صفة إذًا دخلوا المشهد السياسي؟ ومن الذي غض الطرف عن بناء هذه الشبكة الممتدة بين الحزب، والفصيل، والخطاب؟
وإذا أردنا أن نرسم العلاقة بين مكوّنات هذا المشروع الشبكي، فسنجد أننا أمام مثلث واضح المعالم، متين الأضلاع، لا يقبل التفسير البريء بعد اليوم:
• في رأس الهرم، يقف الفصيل الأجنبي، الممول، المجهّز، والمعلن جهارًا عن خطته لإدخال السلاح والتكتيك إلى الداخل.
• في الزاوية الأولى، نجد الجماعة التي تعمل تحت الغطاء القانوني كحزب سياسي، لكنها في الواقع – شئنا أم أبينا – هي البيئة التي نشأت فيها الخلية، والمنصة التي تغذّت منها تلك الشعارات.
• وفي الزاوية الثالثة، يقف الشعار الجماهيري الذي لطالما صدح في الشوارع: "كل الأردن حمساوية". لم يكن مجرد هتافًا عاطفيًا، بل تحوّل الآن إلى اعتراف جمعي خطير بمستوى التماهي والتداخل بين ما هو سياسي وما هو عسكري، بين ما هو حراك شعبي وما هو اختراق شبكي.
الآن، وبعد أن انكشفت الخلايا، وظهرت التزكيات، وصرّح الخارج علنًا عن خططه، لم يعد بإمكان الجماعة أن تتوارى خلف خطاب الوطنية.
فمن نظّم المظاهرات التي خوّنت الدولة؟ من سمح لشعار "كل الأردن حمساوية" أن يتردد في كل شارع دون اعتراض؟ من سوّق هذا الولاء العابر للحدود على أنه جزء من الانتماء الوطني؟ لا مجال للإنكار، إلا لمن أعمى قلبه الوهم، أو غيّبته شبهة أنه وطني مخلص فنحن لا نتهم الجميع. لكن الوطنية ليست منابر، ولا هتافات، ولا خطبًا مملوءة بالدموع. الوطنية هي أين تقف حين يبدأ تهريب السلاح، ومن تبرر له حين ينكشف المخطط.
إنّ من يبرر، أو يسكت، أو يتذاكى، هو – شاء أم أبى – جزء من الشبكة، أو سلك من أسلاكها، أو صامت يسندها بالصمت.
والآن، إلى ما هو أخطر: تصريح أبو علي العسكري.
في الأول من نيسان 2024، قالها بوضوح على قناته الرسمية" "نجهّز المقاومة في الأردن بما يسد حاجة 12 ألف مقاتل من الأسلحة والقاذفات والصواريخ، وننتظر فقط تزكية من حركة مقاومة لتبدأ العملية."
حينها، نبّهتُ مطوّلًا إلى خطورة هذا التصريح. كتبت، حذّرت، وناديت: هذا ليس كلامًا في الهواء، بل مخطط قادم من عمق الأنفاق.
لكن البعض قالوا إنني أهوّل. قالوا إنني أضرب في الفراغ.
واليوم، بعد تفكيك الخلية، وظهور الارتباطات، وصمت الجماعة، وانكشاف التزكيات...
أليس في ما حذّرت منه برهانًا أن الخطر لم يكن وهمًا، بل واقعًا كان يترقّب لحظة غفلة؟
هل المطلوب أن نصحو ذات يوم على عربة متفجرات في شارع وطني لأن هناك "تزكية" صدرت من غرفة في غزة أو بغداد؟
هل أصبحت الجغرافيا الوطنية خاضعة لحسابات التزكية والتنسيق بين فصائل لا ترى في الحدود سوى معابر، ولا في الشعوب سوى وقودًا لمعاركها؟
لكنّ الأهم من هذا كله:
أين كانت العيون؟
وهنا، لابد من أحني رأسي بإجلال، وشكرٍ لا مجاملة فيه، بل إيمان: الأجهزة الأمنية الأردنية، وعلى رأسها دائرة المخابرات العامة، كانت تراقب.
حين نسي السياسيون بيان أبو علي العسكري،
وحين انشغل الإعلام في توصيفات "الخلايا"،
وحين هرولت الجماعة إلى بيانات التبرؤ،
كانت العيون مفتوحة، لا تغفو، لا تغفل.
ضُبطت الخلية، وكُشف المخطط، وأُحبط ما كان يُعدّ له لسنوات.
في زمن يتداخل فيه الإعلام مع التحريض، والخطاب مع التوجيه، والدعوة مع التهييج، فإن من يحفظ الوطن حقًا ليس من يرفع الشعارات، بل من يرصد الأسلحة التي تُجهز خلفها.
الجماعة، الفصيل، والتزكية… كلها كلمات خادعة تُخفي تحتها شبكةً لا تؤمن بالوطن، بل فقط بالأجندة.
شبكة لا تقاتل من أجل فلسطين، بل تريد تحويل الأردن إلى منصة رماية.
هذا الوطن ليس ساحة خلفية لأحد،
ولا نَفَسًا في رئة أحد،
ولا مجازًا جغرافيًا في شعر أحد.
بل دولة، لها أمنها، وجيشها، وعيونها، وأبناءها الذين لا يسمحون أن يتحوّل الحلم الكبير إلى "خندق من خنادق المعركة التي لا ناقة لنا فيها ولا بندقية."
اليوم، يجب أن نُعيد تعريف الخطوط الحمراء، لا في السياسة، بل في الولاء.
يجب أن نميز بين الحزب الذي يعارض لأجل الإصلاح، والشبكة التي تتستر بالحزب لأجل الاختراق.
ومَن لا يرى في تصريح أبو علي العسكري إنذارًا وجوديًا، فليعد حساباته، أو ليصمت.
نيسان ـ نشر في 2025-04-23 الساعة 09:19
رأي: الدكتور عمر كامل السواعدة كاتب وخبير قانوني