اتصل بنا
 

كان حبرا أسودا..

نيسان ـ نشر في 2025-05-19 الساعة 20:54

نيسان ـ أتعتقدون أنه مصنوع من ورق؟ وأن خلاياكم التي تختبئ خلف البوابات المموهة ستنتصر على وطن؟ نحن أبناء هذا المكان، نكتب لأننا نحمله في الذاكرة والبصر، ونراه مهددًا حين تجرؤ بعض الجماعات على اختزاله في شعار أو تختطف رموزه لحساب مشروعها الخاص.
الأردن ليس ساحةً لصراعات مستوردة، ولا حاضنة دوائر تعيد تعريف الوطنية وفق مقياس الطاعة لأيديولوجيا، أو الانتماء لتنظيم، أو الصمت في حضرة الخطاب الدينيّ المُسيّس، وكأن من لم يكن ضمن الجماعة صار خارج الصف، و الأردن لم يكن يومًا ملكًا لدائرة صغرى، ولا ساحة لتجريب نظريات الجماعات، هو وطن لا مشروع، وهو أرض لا منصة دعوية، وهو سياج من تضحيات الآباء لا طاولة مفاوضات بين أصحاب العُقد، وكل من يحاول اليوم بحجة الانتماء الإسلامي أو العقائدي أن يُشكّل تكتلا داخل هذا الوطن، إنما يفتح فجوة في الجدار الوطني، ويزرع الانقسام بثياب التقوى.
هذه التجمعات التي تنمو في الظل وتدّعي أنها تحفظ القيم لا تصنع إلا دوائر ضيقة، يلتف حولها هواة الطائفية التنظيمية، وتزرع في محيطها شعورًا بأنهم إن لم يكونوا من أهل “الأسرة"، فهم أقل إيمانًا، أو بلا إيمان أصلًا، أو خارج دوائر الولاء الأخوي.
أقولها بوضوح، نحن لا نريد أردنًا ممزقًا بالدوائر التخريبية، ولا نريد لأحيائنا أن تُدار بمفاهيم الجماعة، ولا لمدارسنا أن تُلقّن الولاء لحزب، ولا لمنابرنا أن تُسخر لخدمة خطاب سياسي، هذا الوطن أكبر من أي شعار، وأوسع من أي “جمعية”، وأعمق من أي منشور.
كل من يزرع التصنيف بين الناس بإسم الدين لا يخدم الدين، بل يطعن الوطن في خاصرته، وكل من يزرع الشكّ في الوطنية لأنها لا تُشبه انتماءه، إنما يُربّي أفرادًا ضيقي الأفق، لا يرون الأردن إلا من خلال نظّارات فقهية مشروطة، وما أخطر أن نُربّي أطفالا على أن الاختباء خلف راية تحمل اسم الله تعني التنصّل من الدولة، أو أن الدولة لا تُرضي الله إلا إذا خضعت لخطبة أو منهج خاص، ففي دستورها شئتم أم أبيتمو“ الاسلام دين الدولة” .
هذا النمو المتخفي الذي تبنيه الجماعات من خلال دوائر وخلايا ودعوات خاصة ليس عملًا فرديًّا بريئًا، بل مشروع "يخسى" أن يكون موازٍ للدولة، مشروع يربّي الأفراد على الطاعة التنظيمية لا على المحاسبة، ويعيد إنتاج مفهوم الدوائر الصغرى كأداة فرز واستعلاء، واستخدمت هنا استعلاء لا بمعنى التكبر، بل بمعناه الحقيقي، فعلًا مقصودًا في الاستعلاء على رموز هذا الوطن.
وحده الأردن بهويته العظيمة الأصيلة، بعقيدته التي تجمع ولا تفرّق، هو الإطار الوحيد، وهو الحدّ الوحيد الموجود، لا دوائر غامقة مظلمة أصغر، ووحده من يشعر بالخطر من هذا الحد هو من لا يعيش إلا في دوائر ضيقة، لا يرى فيها إلّا جماعته.
لهؤلاء أقول، نحن لا نخاف من التدين، بل من التديّن المسلح بالوصاية، لا نرفض الإيمان، بل نرفض احتكاره، ولا نحارب الدين، بل نحميه من التشويه، والدين، كما الوطن، لا يُختزل في راية خضراء أو اسم على يافطة أو دعوة إلى مظاهرة.
الأردن الذي نؤمن به لا يحتاج إلى “أسر” سرّية، بل إلى صدور مفتوحة، لا يحتاج إلى نقباء، بل إلى أبناء، لا يحتاج إلى مجالس شورى خفية فلديه مجلس”أمة”، وإذا كانت هذه الجماعات تتغذى على الانقسام، فنحن نُراهن على الوحدة، وإذا كانت تحتمي بالوصمة، فنحن نكتب بأسمائنا.
لا تُقسموا الوطن بإسم الله، ولا تفتروا على الله كذبًا، ولا تنسجوا خطابًا داخليًّا حادًّا يقصي ويقسم، ويصنع زيا على مقاس الجماعة، لا على مقاس الأردن.

نيسان ـ نشر في 2025-05-19 الساعة 20:54


رأي: ريمان الدويك

الكلمات الأكثر بحثاً