في العيد 2
محمد المحيسن
كاتب وصحافي أردني
نيسان ـ نشر في 2025-06-04 الساعة 08:32
نيسان ـ لحظات الفرح المؤقتة التي كان الناس يقتنصونها في العيد قبل سنوات غابت واستبدلت مكانها حكايا الحرب جغرافيا الفقر وصورة لطفل مزقت القنابل احشاءه، بينما الخوف من المجهول بات سيدا مقيما في البيوت.
وفي العالم العربي، الذي يقاس الزمن فيه بالأعياد أكثر مما يقاس بالإنجازات، يتعامل المواطن مع العيد كمن ينتظر مكافأة نهاية خدمة لعام من الشقاء: قطعة حلوى، القليل اللحم إن حالفه الحظ، أو بنطال جديد من عروض اللحظة الأخيرة للمحال التجارية التي كسدت بضاعتها.
ولأننا نجيد ونبدع في تأليف الحكايات، يبدأ الموسم القصصي مبكرا في أسواق البالة وأسواق الماركات المقلدة. هناك، تبدأ حكايات البسطاء الذين يحاولون الظهور بمظهر العيد، حتى لو استعانوا بمقاسات غير مناسبة أو أقمشة لا تختفي منها رائحة "النفتالين" ولو غسلتها مرتين.
أما الوجه الآخر من العملة، وجه الساسة وأصحاب الكراسي و"الناس اللي فوق" فلم يتغير الامر كثيرا، فالعيد بالنسبة ليهم إجازة من الإجازة، رحلة استجمام إلى اللامسؤولية، أو استراحة يتذكرون فيها كم كانوا مرهقين من متابعة حساباتهم البنكية ، وفرصة للتوقف عن الكذب والاستماع للمجاملات والنفاق.
والكثير من البسطاء لا ينتظرون العيد كفرصة للفرح، بل كاختبار إضافي للصبر. هم يعرفون أن الفرحة قد تكون مشروطة بلحظة كرم من جار كريم أو قريب استطاع أن ينتصر على ارتفاع أسعار الأضاحي. البعض منهم يمر عليه العيد كما تمر أيام التقشف: بدون بهجة، بدون لون، بدون رائحة كعك.
ويأتي العيد ليعيد تمثيل المسرحية السنوية نفسها: الأطفال يحلمون بملابس جديدة، بينما الآباء ينظرون إلى الأسعار كما لو كانت مزحة سيئة. لولا ما تبقى من التكافل الاجتماعي، لربما صار العيد مجرد ذكرى وطنية تحتفل بها في الأخبار فقط.
في زحام الفرحة المعلبة، تظهر الفجوة الطبقية بوضوح فاضح: سيارات فارهة تقف أمام محلات "الشوكولاتة البلجيكية"، بينما في الطرف الآخر تقف أمٌّ تحاول إقناع طفلها أن الحلوى "مش مفيدة للسنّ".
وإذا كان الكبار يتظاهرون بالفرح، فهم غالبا يمارسونه تحت ضغوط المحفظة، والمجاملة، وضغوط الأعراف. وكالعادة، يتعاملون مع العيد بنظرية "مكرهاً أخاك لا بطل" .
وفي العيد أيضًا، تنشط مواسم المقارنة: من لبس ماذا، من اشترى ماذا، ومن ذهب أين. كل ذلك مصحوب بجرعة يومية من الحسد والنميمة، الموروث الذي لا ينقرض. فالإنسان المقهور يبحث دائمًا عن مقهورٍ آخر، ليشعر أن ميزان الحياة ليس مختلا وحده.
وفي العالم العربي، الذي يقاس الزمن فيه بالأعياد أكثر مما يقاس بالإنجازات، يتعامل المواطن مع العيد كمن ينتظر مكافأة نهاية خدمة لعام من الشقاء: قطعة حلوى، القليل اللحم إن حالفه الحظ، أو بنطال جديد من عروض اللحظة الأخيرة للمحال التجارية التي كسدت بضاعتها.
ولأننا نجيد ونبدع في تأليف الحكايات، يبدأ الموسم القصصي مبكرا في أسواق البالة وأسواق الماركات المقلدة. هناك، تبدأ حكايات البسطاء الذين يحاولون الظهور بمظهر العيد، حتى لو استعانوا بمقاسات غير مناسبة أو أقمشة لا تختفي منها رائحة "النفتالين" ولو غسلتها مرتين.
أما الوجه الآخر من العملة، وجه الساسة وأصحاب الكراسي و"الناس اللي فوق" فلم يتغير الامر كثيرا، فالعيد بالنسبة ليهم إجازة من الإجازة، رحلة استجمام إلى اللامسؤولية، أو استراحة يتذكرون فيها كم كانوا مرهقين من متابعة حساباتهم البنكية ، وفرصة للتوقف عن الكذب والاستماع للمجاملات والنفاق.
والكثير من البسطاء لا ينتظرون العيد كفرصة للفرح، بل كاختبار إضافي للصبر. هم يعرفون أن الفرحة قد تكون مشروطة بلحظة كرم من جار كريم أو قريب استطاع أن ينتصر على ارتفاع أسعار الأضاحي. البعض منهم يمر عليه العيد كما تمر أيام التقشف: بدون بهجة، بدون لون، بدون رائحة كعك.
ويأتي العيد ليعيد تمثيل المسرحية السنوية نفسها: الأطفال يحلمون بملابس جديدة، بينما الآباء ينظرون إلى الأسعار كما لو كانت مزحة سيئة. لولا ما تبقى من التكافل الاجتماعي، لربما صار العيد مجرد ذكرى وطنية تحتفل بها في الأخبار فقط.
في زحام الفرحة المعلبة، تظهر الفجوة الطبقية بوضوح فاضح: سيارات فارهة تقف أمام محلات "الشوكولاتة البلجيكية"، بينما في الطرف الآخر تقف أمٌّ تحاول إقناع طفلها أن الحلوى "مش مفيدة للسنّ".
وإذا كان الكبار يتظاهرون بالفرح، فهم غالبا يمارسونه تحت ضغوط المحفظة، والمجاملة، وضغوط الأعراف. وكالعادة، يتعاملون مع العيد بنظرية "مكرهاً أخاك لا بطل" .
وفي العيد أيضًا، تنشط مواسم المقارنة: من لبس ماذا، من اشترى ماذا، ومن ذهب أين. كل ذلك مصحوب بجرعة يومية من الحسد والنميمة، الموروث الذي لا ينقرض. فالإنسان المقهور يبحث دائمًا عن مقهورٍ آخر، ليشعر أن ميزان الحياة ليس مختلا وحده.
نيسان ـ نشر في 2025-06-04 الساعة 08:32
رأي: محمد المحيسن كاتب وصحافي أردني