سيناريو افتراضي لغضب ترامب من نتنياهو
كامل نصيرات
كاتب صحافي
نيسان ـ نشر في 2025-06-06 الساعة 09:51
نيسان ـ في إحدى أمسيات البيت الأبيض، حيث تهبط حبات المطر على تمثال جيفرسون القريب، يَخرج الرئيس دونالد ترامب من غرفة الموقف رافعًا نبرة صوته كي تصل الرسالة إلى آذان الصحافة قبل أن تصل إلى نتنياهو نفسه. يعلن ترامب أمام عدسات لم يُدعَ إليها أحد أنّه «مستاء حدّ الغضب» من «تردد» رئيس حكومة الاحتلال في حسم معركة غزّة، ثم يلوّح بإمكانية «إعادة النظر» في طبيعة الدعم الأميركي. هكذا يُكتب المشهد الافتتاحيّ لقصةٍ يبدو ظاهرها شجارًا شخصيًّا، لكنّ باطنها اتفاقٌ عميق على هندسة شرق أوسطٍ جديد.
تحت هذا السقف الدراميّ: الدول تسعى إلى تعظيم مكاسبها، ولا يضيرها افتعال خصومةٍ إن كانت الخصومة ستفتح «نافذة إتاحة» تسمح بطرح مشاريعَ كان يصعب قبولها لو ساد الهدوء. حين ينقل ترامب هذا الصراع إلى العلن، فهو يخلق مساحةً لإعادة تعريف المقبول في الداخل الأميركي؛ جمهور الحزب الجمهوريّ يرى قائدًا لا يساوم، والكنيست يرى زعيمًا «صامدًا» في وجه ضغوطٍ أميركيّة. كلاهما، في الحقيقة، ينسّق خلف الأبواب لترتيبات ما بعد الحرب: إدارةٍ أمنيةٍ عربية في غزّة، وتطبيعٍ مُوسَّع مع الخليج، ومسارات غازٍ أكثر إحكامًا حول الساحل الشرقي للبحر المتوسّط.
ولكي يكتمل النصّ، تلعب سياسة الإلهاء عبر الخارج دورها التقليديّ: ترامب يعيد رسم الأولويات المحليّة بإظهار نفسه في مواجهة حليفٍ «عصيّ» على الترويض، فيحين له الوقت ليُمرِّر في الكونغرس زياداتٍ على الإنفاق العسكريّ بدعوى «ضمان أمن الحلفاء»، بينما ينال نتنياهو – المتّهم بالفساد والمحاصَر بتظاهراتٍ تطالب برحيله – جرعةَ شعبيةٍ تُنعش حكومته المهتزّة. المشادات المنقولة على الهواء ليست سوى ستار دخان؛ خلفه تُوقَّع مذكرات تفاهم تُعيد توزيع الأدوار على أرضٍ تشتعل شرقًا وغربًا.
غير أنّ أخطر ما في المشهد هو ما تسميه علوم السياسة التفكير الجمعي؛ حين يتقوقع صانعو القرار داخل دائرةٍ ضيقة تَجمعهم أهدافٌ متشابهة فيتبادلون التأكيدات بدل النقد. ترامب وفريقه يقتنعون بأنّ «قضم» جزءٍ من نفوذ إيران سيتمّ بلا تكلفة تُذكر؛ ونتنياهو يقتنع بأنّ ضوءًا أخضرَ كاملاً سيأتي من واشنطن مهما علا الصخب الإعلامي. ومع غياب أصواتٍ معارضةٍ فاعلة، تصبح الأخطاء أكثر احتمالًا، ويُتَّخذ القرار المصيريّ وكأنّه أمرٌ مُسلَّم به.
الغضب المسرحيّ يعيد تعريف شخصيتَي البطلَيْن: ترامب القويّ الذي لا يَقبل الطاعة العمياء، ونتنياهو المقاتل الذي لا يخضع حتّى لو كان مصدر السلاح هو واشنطن. بهذه الحبكة الجديدة يُعاد حشد المؤيدين وتحريك العواطف، تمهيدًا لإعلان «تسوية كبرى» تُقدَّم لجمهورنا العربي كقدرٍ لا فكاك منه.
هكذا نصل إلى خلاصة أن «خصام» الرئيس الأميركي ورئيس حكومة الاحتلال ليس سوى أداةٍ لإزاحة الستار عن خرائط جديدة تُرسَم بينما تُسلَّط الأضواء على حلبةٍ هامشية. وما لم يخرج جمهور الشرق الأوسط من خانة المتفرّج إلى خانة الفاعل، ستبقى أدوارنا ثانوية في مسرحٍ يتغيّر ديكوره كل موسم فيما يبقى النصّ مكتوبًا في مكانٍ آخر.
تحت هذا السقف الدراميّ: الدول تسعى إلى تعظيم مكاسبها، ولا يضيرها افتعال خصومةٍ إن كانت الخصومة ستفتح «نافذة إتاحة» تسمح بطرح مشاريعَ كان يصعب قبولها لو ساد الهدوء. حين ينقل ترامب هذا الصراع إلى العلن، فهو يخلق مساحةً لإعادة تعريف المقبول في الداخل الأميركي؛ جمهور الحزب الجمهوريّ يرى قائدًا لا يساوم، والكنيست يرى زعيمًا «صامدًا» في وجه ضغوطٍ أميركيّة. كلاهما، في الحقيقة، ينسّق خلف الأبواب لترتيبات ما بعد الحرب: إدارةٍ أمنيةٍ عربية في غزّة، وتطبيعٍ مُوسَّع مع الخليج، ومسارات غازٍ أكثر إحكامًا حول الساحل الشرقي للبحر المتوسّط.
ولكي يكتمل النصّ، تلعب سياسة الإلهاء عبر الخارج دورها التقليديّ: ترامب يعيد رسم الأولويات المحليّة بإظهار نفسه في مواجهة حليفٍ «عصيّ» على الترويض، فيحين له الوقت ليُمرِّر في الكونغرس زياداتٍ على الإنفاق العسكريّ بدعوى «ضمان أمن الحلفاء»، بينما ينال نتنياهو – المتّهم بالفساد والمحاصَر بتظاهراتٍ تطالب برحيله – جرعةَ شعبيةٍ تُنعش حكومته المهتزّة. المشادات المنقولة على الهواء ليست سوى ستار دخان؛ خلفه تُوقَّع مذكرات تفاهم تُعيد توزيع الأدوار على أرضٍ تشتعل شرقًا وغربًا.
غير أنّ أخطر ما في المشهد هو ما تسميه علوم السياسة التفكير الجمعي؛ حين يتقوقع صانعو القرار داخل دائرةٍ ضيقة تَجمعهم أهدافٌ متشابهة فيتبادلون التأكيدات بدل النقد. ترامب وفريقه يقتنعون بأنّ «قضم» جزءٍ من نفوذ إيران سيتمّ بلا تكلفة تُذكر؛ ونتنياهو يقتنع بأنّ ضوءًا أخضرَ كاملاً سيأتي من واشنطن مهما علا الصخب الإعلامي. ومع غياب أصواتٍ معارضةٍ فاعلة، تصبح الأخطاء أكثر احتمالًا، ويُتَّخذ القرار المصيريّ وكأنّه أمرٌ مُسلَّم به.
الغضب المسرحيّ يعيد تعريف شخصيتَي البطلَيْن: ترامب القويّ الذي لا يَقبل الطاعة العمياء، ونتنياهو المقاتل الذي لا يخضع حتّى لو كان مصدر السلاح هو واشنطن. بهذه الحبكة الجديدة يُعاد حشد المؤيدين وتحريك العواطف، تمهيدًا لإعلان «تسوية كبرى» تُقدَّم لجمهورنا العربي كقدرٍ لا فكاك منه.
هكذا نصل إلى خلاصة أن «خصام» الرئيس الأميركي ورئيس حكومة الاحتلال ليس سوى أداةٍ لإزاحة الستار عن خرائط جديدة تُرسَم بينما تُسلَّط الأضواء على حلبةٍ هامشية. وما لم يخرج جمهور الشرق الأوسط من خانة المتفرّج إلى خانة الفاعل، ستبقى أدوارنا ثانوية في مسرحٍ يتغيّر ديكوره كل موسم فيما يبقى النصّ مكتوبًا في مكانٍ آخر.
نيسان ـ نشر في 2025-06-06 الساعة 09:51
رأي: كامل نصيرات كاتب صحافي