اتصل بنا
 

كيف حضرت الصحراء المغربية بقمة ترامب الإفريقية؟

نيسان ـ نشر في 2025-07-17 الساعة 12:49

نيسان ـ في انعطافة سياسية لافتة، تجاوزت خطاب الإهمال الذي ميّز حملته الانتخابية تجاه الشؤون الأفريقية، استضاف الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل أيام قمة أفريقية مصغّرة في البيت الأبيض، جمعت قادة خمس دول من غرب ووسط أفريقيا: موريتانيا، السنغال، ليبيريا، الغابون، وغينيا بيساو.
رغم تركيز القمة المصغّرة على الجانب الاقتصادي، فإن سياقها وتوقيتها يمنحانها أبعادًا أمنية واستراتيجية لا يمكن تجاهلها.
فقد سبق القمة بأيام توقيع اتفاق سلام برعاية أميركية بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، في خطوة قرأها مراقبون محاولة واشنطن إعادة ضبط الإيقاع الأمني في القارة، وتفكيك بؤر التوتر التي تعرقل ترتيبات الاستقرار.
في الخلفية، شهدت القارة في السنوات الثلاث الماضية سلسلة من الانقلابات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو وغينيا والنيجر والغابون، ما غيّر موازين السلطة وزاد من حالة عدم الاستقرار، خاصة في المناطق التي تنشط فيها جماعات عابرة للحدود مثل الطوارق، والتي تضيف أبعادًا عرقية وهوياتية تزيد الوضع تعقيدًا.
بالتالي، تعد تركيبة دول القمة المصغّرة مهمة من حيث، أنها جزءا من منطقة تواجه تحديات أمنية مشتركة، مثل موريتانيا ومالي والنيجر والأقاليم الجنوبية المغربية، ما يوحي أن أي توجه أميركي نحو أمن هذه المنطقة يرتبط بشكل غير مباشر بملف الصحراء المغربية الذي تجاوز عمره أربعين عاما، و أصبح عنصرًا في الحسابات الأمنية الإقليمية.
ومن جهة اخرى، فإن لحضور اغلب هذه الدول دلالة خاصة، خصوصًا أن أربعًا منها تؤيد مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
فمثلا موريتانيا، التي حافظت لفترة طويلة على موقف حيادي تجاه ملف الصحراء، يمهد تقاربها الأخير مع المغرب لاتخاذ نواكشوط موقفًا جريئا من قضية الصحراء المغربية،انطلاقًا من منطق القرب الجغرافي، وحتمية التعاون الجيوسياسي تبعا لحدودها المشتركة مع الأقاليم الجنوبية. وهذا على ما يبدو يمنح حضورها في القمة أهمية خاصة بالنسبة لمسار الملف.
اما السنغال فهي من أبرز حلفاء المغرب في المنطقة، حيث تجمعهما علاقات قوية في المجالات الاقتصادية والسياسية، وطالما دعمت داكار موقف المغرب في ملف الصحراء بشكل واضح وثابت، لذلك من المتوقع أن يكون حضورها في القمة المصغّرة رسالة تأكيد على انخراطها في جهود إقليمية تسعى لتحقيق الاستقرار والحلول السياسية.
فيما تلتقي مشاركة ليبيريا والغابون وغينيا بيساو كدول داعمة لمبادرة الحكم الذاتي وسيادة المغرب على صحرائه مع أهداف القمة في تعزيز الأمن الإقليمي، ما يمنح حضورها بُعدًا سياسيًا وأمنيًا يرتبط بالنقاشات الاقليمية حول ملف الصحراء.
وانطلاقًا من ذلك، تبدو القمة جزءًا من استراتيجية أميركية أوسع تشمل الأمن وبناء التحالفات، ولا تقتصر فقط على الجانب الاقتصادي كما أُعلن. ويأتي ملف الصحراء المغربية، رغم غيابه الرسمي، ضمن القضايا التي على الارجح كانت حاضرة في الخلفية، خاصة مع تزايد الدعم الدولي للمبادرة المغربية واعتبارها عاملًا مؤثرًا في استقرار المنطقة، مقابل تراجع دولي وافريقي مؤخرا عن دعم الاطروحة الانفصالية لجبهة البوليساريو.
كما أن توقيت القمة، في ظل تحولات استراتيجية وتراجع نسبي للدور الغربي مقابل صعود قوى مثل روسيا والصين، جعل من القمة فرصة لإعادة تأكيد الحضور الأميركي والغربي في القارة.
وعلى ضوء ما سبق، يثير ملف الصحراء المغربية جملة من التساؤلات الجوهرية: هل ما زال يُمكن النظر إليه كقضية سياسية قديم، محصورة بسياقه التاريخي فحسب؟
أم أنه بات اليوم أحد المفاتيح الأساسية التي تعيد تشكيل موازين القوى في المنطقة، لا سيما بالنظر إلى موقعه الاستراتيجي الذي يربط شمال القارة بغربها؟
هل يمكن أن يُفهم توقيت القمة وتشكيلتها بوصفهما إشارة ضمنية إلى بروز معادلات إقليمية جديدة، يُعاد فيها ترتيب الأدوار لصالح دول ذات سيادة واستقرار، مثل المغرب، الذي يُنظر إليه دوليًا كشريك موثوق في قضايا الأمن والتنمية؟
إذا كان هذا الربط صحيحا بين هذه التحركات و الرسائل غير المعلنة للقمة، فإن ملف الصحراء قد يكون مرشحًا لمزيد من التقدم ضمن مقاربة تسعى للجمع بين الاستقرار الأمني والمصالح الاستراتيجية للقوى الفاعلة، خصوصا مع تصاعد الدعم الدولي للموقف المغربي، و دعم ثلاث دول دائمة العضوية في مجلس الأمن له هي أمريكا وفرنسا وبريطانيا.
أما إذا كانت هذه القراءة متفائلة أكثر من اللازم، فسيظل مسار الملف مرتبطًا بتغير مواقف الفاعلين الدوليين وتبدّل أولوياتهم بحسب تطورات المشهد الجيوسياسي.
وفي كلتا الحالتين، قد تكشف التطورات المقبلة — خاصة في ظل إدارة أميركية تتسم بالبراغماتية وتغيّر الأولويات — ما إذا كانت القمة مجرد محطة عابرة، أم إشارة إلى تحوّل أوسع في خريطة النفوذ الإقليمي، يكون فيها ملف الصحراء المغربية احد عناصره الأساسية.
صحفية وكاتبةاردنية.....

نيسان ـ نشر في 2025-07-17 الساعة 12:49


رأي: د. آمال جبور

الكلمات الأكثر بحثاً