اتصل بنا
 

سورية الجمهورية والجمهور السوري .. الاحتواء المتبادل للوطن والمواطنة

باحث سوري

نيسان ـ نشر في 2015-12-20 الساعة 21:57

نيسان ـ

ليس ترفاً فكرياً أو "فذلكة" لغوية السجال حول تسمية سورية الجمهورية السورية، أو الجمهورية العربية السورية، بل هناك مبررات، ودوافع موضوعية وطنية وسياسية واجتماعية وديمغرافية فضلاً عن متطلبات المرحلة السياسية التاريخية التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط وعلى نحو خاص سوريا – منتهية بالألف- أو سورية –المنتهية بالتاء المربوطة.

الكتابة الرسمية لاسم سوريا هي سورية، وذلك يعود للتأثر باللغة التركية العثمانية، التي استخدمت الأبجدية العربية، وكتبت أسماء العلم بالتاء المربوطة، أما في العربية، فالقاعدة توجب رسم الأسماء الأعجمية، وكذلك الأسماء الفوق الثلاثية المسبوقة بياء بألف طويلة. دعيت البلاد باسم سوريا خلال العهد السلوقي في القرن الثالث قبل الميلاد، وعلى الرغم من ذلك فلم يرد في أي من الأدبيات العربية القديمة هذا الاسم، وأول من تناوله معجم البلدان لياقوت الحموي؛ أما في الأدب الإغريقي فإن هيرودت وهوميروس سميّا البلاد سوريا.

وبتتبع المسار التاريخي لعملية صياغة وتركيب هذا الكيان السياسي نجد أن خريطته السياسية تعرضت للتغيير مرات عدة وبالتالي تغيرت الهويات الوطنية والاثنية والاقلوية لتركيبته الديمغرافية.

بداية، في العهد القصير زمنياً للملكية في سورية ووفقاً لما عرف باسم دستور الملك فيصل أو للدقة مشروع الدستور المؤلف من 147 مادة , والذي عرض على المؤتمر السوري الذي أقر عدداً من مواده في 13 تموز 1920 . كان شكل الدولة اتحادي واستقلال ذاتي واسع للمقاطعات ( سوريا ، لبنان ، الأردن وفلسطين ) حيث تدار على أساس الحكم الذاتي , ولكل مقاطعة حاكم عام يعينه الملك ومجلس نيابي وحكومة محلية . وكان نظام الحكم ملكي نيابي ( برلماني ) . و السلطة التنفيذية مسؤولة أمام السلطة التشريعية، حيث الحكومة المركزية المسماة بـ "الحكومة العامة للمقاطعات السورية" مسؤولة عن أعمالها أمام المجلس النيابي العام . وتكونت السلطة التشريعية من مجلسين : مجلس النواب الذي ينتخب بالاقتراع العام السري وغير المباشر على درجتين . ومجلس الشيوخ المؤلف من أعضاء نصفهم ينتخبون من قبل نواب المقاطعات، والنصف الثاني يعينهم الملك.

وضمن مشروع الدستور الحريات المدنية والدينية والشخصية بصورة تشبه شرعة حقوق الإنسان والمواطن التي أعلنتها الثورة الفرنسية عام 1789 .

لكن دخول الجيش الفرنسي إلى دمشق بقيادة الجنرال غورو في 24 تموز 1920 ، تسبب في تعطيل أعمال المؤتمر السوري وبالتالي إلغاء مشروع دستور المملكة السورية واستبداله في العام 1928 بمشروع دستور آخر ورزمة دساتير أعلن عنها في الأعوام 1930 و1932 و1936 لكل من لبنان والاسكندرونة ومنطقة العلويين وجبل الدروز. وتميز دستور 1943 بإدخال منطقة العلويين وجبل الدروز في الدولة السورية.

ووفق هذا الدستور تم إقامة دولة بسيطة ذات نظام حكم جمهوري نيابي، والتعهد بضمان حقوق الطوائف الدينية المختلفة والحقوق التقليدية للإنسان والمواطن.

وتعددت دساتير عهد الانقلابات العسكرية، فقد قام حسني الزعيم بتكليف لجنة مؤلفة من سبعة أعضاء بوضع مشروع دستور أخذ بالنظام النيابي مع طغيان السلطة التنفيذية ممثلة برئيـس الجمهورية على السـلطة التشـريعية. و تضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية, وتكرر فيه تعبير "الأمة" و" الأمة السورية " رغم ما نصت عليه المادة الأولى بأن سوريا "جمهورية عربية".

أما قائد الانقلاب العسكري الثاني سامي الحناوي فقد أعطى الحكم لحكومة مدنية ، وضعت قانون انتخابات عامة،حيث جرى انتخاب جمعية تأسيسية في 15 تشرين الثاني 1949 , أصدرت أحكاماً دستورية مؤقتة.

وتحت سيطرة أديب الشيشكلي قائد الانقلاب العسكري الثالث في 19/12/1949 تم إقرار الدستور الجديد في 5 أيلول 1950 . الذي كان من أهم خصائصه أنه: يقيم نظاماً جمهورياً نيابياً. ويفصل بين السلطات الثلاث مع جعل السلطة التشريعية هي الأولى ، وحصر السلطة التنفيذية بمجلس الوزراء ، وضمان استقلال القضاء , وإحداث محكمة عليا تراقب دستورية الأنظمة والقوانين .

ووضع أديب الشيشكلي مشروع دستور باسم المجلس العسكري الأعلى يقيم نظاماً رئاسياً مثل دكتاتورية عسكرية سمحت للقوى الإقليمية والدولية أن تتدخل في السياسات الداخلية.

وتألف الدستور المؤقت لدولة الوحدة السورية المصرية من 73 مادة، وكرس نهاية النظام النيابي في سوريا واستبعد التعددية الحزبية.

وفي عهد الانفصال تم إقرار إعادة تطبيق دستور 1950 مع بعض التعديلات وأهمها : تعديل تسمية الجمهورية من" الجمهورية السورية" إلى "الجمهورية العربية السورية " وهي التسمية السائدة حتى الوقت الراهن، وذلك حسب دساتير عهود "البعث" المتعاقبة التالية: الدسـتور المؤقت لعام 1964 ، والدستور المؤقت لعام 1969 ، والدستور المؤقت لعام 1971 و الدستور الدائم لعام1973 والتي كرست مبدأ قيادة الحزب الواحد للدولة والمجتمع ولم تكرس في الوقت نفسه هوية وطنية واضحة المعالم لدواع "قومية" وخشية منزلقات وأخطار النزعات "الطائفية" و"المناطقية" و" القطرية" و"الإقليمية". حيث تجسدت تلك النزعات في مشاريع وحدوية وانفصالية أو تقسيمية منها: مشروع سورية الكبرى، والهلال الخصيب، ودول المدن كدولة دمشق ودولة حلب.

وراهناً، يستغل الأكراد الواقع السوري المأزوم ففي أوائل هذا العام أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الحكم الذاتي في ثلاث مناطق في سوريا هي: كوباني (عين العرب في الوسط) وعفرين (في الغرب) والقامشلي (في الشرق). وأقرت الفصائل الكردية السورية مؤخراً إنشاء منطقة كردية تتمتع بحكم ذاتي تعرف باسم "روج آفا".

وتجدر الإشارة إلى وجود مغالطات وأساطير في رؤية أوضاع كرد سوريا، ومما لا شك فيه أنه تتشابك في مسألة أكراد سوريا عوامل تاريخية وديمغرافية، وتتفاعل معها سياسات أطراف إقليمية ودولية. فتاريخياً، كان وجود بعض الأكراد في سوريا وعلى نحو خاص خلال الفترة (1925-1939) التي شهدت الهجرة الكردية الأولى إلى سوريا هو نتيجة لمشكلة تركية أنتجت مسألة كردية في تركيا. فقد حطمت معاهدة لوزان 1923 مشروعين أساسيين نصت معاهدة سيفر 1920 على قيامهما في أراضي ما سيشكل لاحقاً الجمهورية التركية، هما مشروع الدولة الأرمنية والكيان الكردي القابل للتطور خلال سنة من إبرام معاهدة فرساي إلى تقرير مصيره وإمكان التحول إلى دولة مستقلة.

وكانت الجزيرة السورية الكبرى (الرقة ودير الزور والحسكة) محل مشاريع إثنية فرنسية لتشكيل كيانات بدوية وكردية وكلدو- آشورية. وفي أواسط الثلاثينات دمجت هذه المشاريع فرنسياً في مشروع تشكيل كيان كلدو -آشوري وكردي وبدوي عربي في الجزيرة السورية لتقويض الحكم الوطني (1936-1939) الذي انبثق من المعاهدة الفرنسية-السورية.

ولعل الانتشار الديمغرافي والجغرافي للكرد في سورية لا يسمح بأي حديث ممكن عن مجتمع كردي متواصل أوممتد جغرافياً يسمح بالقول أن هناك أراض كردية خالصة.

وقد لا يشكل تغيير اسم الدولة السورية من "الجمهورية العربية السورية" إلى "الجمهورية السورية" حلاً ل"المسألة الكردية" ، فالعراق لا يدعى الجمهورية العربية العراقية مثلاً ورغم ذلك عرف مسألة تتطلب حلاً ديمقراطياً.

ولعل الفدرالية من أهم متطلبات الحل الديمقراطي لمجمل أزمات وصراعات الدولة السورية. حيث تعد الفدرالية نظاماً سياسياً عالمياً يقوم فيه مستويان حكوميان بحكم نفس المنطقة الجغرافية ونفس السكان. ومن أبرز أنواعها: الفدرالية المدمجة التي تتجسّد في نظام الحكم في الولايات المتحدة الأميركية حاليا، حيث يتم اتخاذ القرار بشكل مركزي دون مراجعة الولايات، لأن كل ولاية من الولايات يمثلها سيناتوران (ممثلان) في السلطة التشريعية وهما لا يعينان من قبل حكومة الولاية بل يختارهما مواطنو الولاية مباشرة عن طريق الانتخابات وبالتالي فهما يمثلان قرار الولاية.

أما في الفدرالية المتشابكة تشارك الولايات في عملية اتخاذ القرار بشكل أوسع، حيث يقوم ممثلو الولاية بالمشاركة في أجهزة النظام المركزي كالحكومة والمجلس التشريعي على شكل كتلة تتفاعل مع غيرها من كتل الولايات الأخرى ومن هذا المجموع ينشأ الجسم المركزي للدولة، أو يشكل ممثلو الولاية كتلة تراقب عمل الحكومة المركزية وتمارس حق النقض بالأغلبية البرلمانية لأي قرار تتخذه تلك الحكومة. وتقوم الهيكلية الحكومية للدول الفدرالية على كل من حكومة مركزية وحكومات موجودة في وحدات سياسية أصغر تدعى بالولايات أو الإمارات التي تعطي بعض قوتها السياسية للحكومة المركزية لكي تعمل من أجل المواطنين. و يقوم كل من الحكومة المركزية وحكومات الولايات بصياغة القوانين.

وتواجه الفدرالية رزمة إشكاليات محددة منها:موضوع الاستقرار، فالفدرالية من أحد جانبيها قد تقود نحو تفتيت الدولة أو تشديد مركزية الدولة. ويُعد توزيع السلطة بين الحكومة المركزية والولايات من الإشكاليات الحرجة التي تواجه المفهوم العام للفدرالية، وأيضاً هناك إشكالية العدالة في النظام الفدرالي والقدرة على اتخاذ الإجراءات اللازمة التي تضمن عدم التناقض بين احترام استقلالية الولايات وتطبيق إعادة توزيع الثروة في ما بينها.

كما تضع الفدرالية تحديات عديدة أمام الديمقراطية خاصة إذا كانت الفدرالية من النوع الانضمامي، كما تؤدي الطبيعة المعقدة للفدرالية إلى التداخل مع معايير الشفافية والمحاسبة، وتحتاج الخطة السياسية التي ينتهجها كل موقع من مواقع السلطة إلى أن يدافع عن نفسه أمام التهم التي توجهها إليه الديمقراطية. وعادة ما تؤدي الفدرالية إلى تقليص سلطة الأكثرية، إذ تقوم القوانين الفدرالية بتخفيف الثقل الانتخابي لولاية من الولايات لصالح ولاية أخرى تقل عنها في عدد الناخبين، أو تعطي لكل الولايات حق نقض القوانين المركزية، مما يجعل الأقليات تخرق مبادئ المساواة.

وعادة، يتم في سياق عملية تسويق فدرلة سورية تجاهل قاسم مشترك أعظم بين كافة أنواع الفدراليات المعمول بها، وهو أن تبني الفدرالية كنظام سياسي هدفه الرئيس توحيدي ضمن دولة كبيرة، ولم يكن هدفه تقسيمياً للدولة. وفي بعض الأحيان لم يستند إلى عامل قومي أو أثني أو ديني.

نيسان ـ نشر في 2015-12-20 الساعة 21:57

الكلمات الأكثر بحثاً