من الولاء لنظام الأسد إلى الاستقواء بإسرائيل.. من هو حكمت الهجري؟
نيسان ـ نشر في 2025-07-21 الساعة 12:58
نيسان ـ بينما كانت مدينة السويداء السورية تنزف من الداخل إثر مواجهات عنيفة اندلعت بين قوات الأمن الحكومية ومسلحين محليين، أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى، لم يتأخر الاحتلال الإسرائيلي في "استغلال اللحظة"، ومثل أي مستعمر، حضر بلهجة الحامي لا الغازي، مكرساً خطاباً استعمارياً قديم الطراز، يستثمر الفوضى ليعزز نفوذه بحجة الدفاع عن جماعة لا تزال تُعامل كمواطن من درجات أدنى داخل نطاق سيطرتها.
وفي تصعيد غير مسبوق، قصف الاحتلال العاصمة دمشق، مستهدفاً مواقع حساسة، بينها مقر وزارة الدفاع والمجمع الرئاسي، تحت ذريعة حماية الأقلية الدرزية. قوبل هذا العدوان بإدانات دولية، لكنه يبدو أنه جاء متناغماً بشكل مريب مع خطاب الشيخ حكمت الهجري، أحد أبرز مشايخ الطائفة الدرزية، الذي خرج مؤخراً بمواقف علنية يهاجم فيها الحكومة السورية، ويوجه نداءات إلى رؤساء أجانب مثل دونالد ترامب، ورئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو – المطلوب دولياً للمحاكمة بتهم ارتكاب جرائم حرب – للتدخل في سوريا "باسم حماية الدروز".
رجل الدين الذي صعد من موقع المرجعية الروحية إلى موقع الفاعل السياسي، لعب أدواراً متغيرة في المشهد السوري. خلال عقد واحد، عبر الهجري مساراً غير خطي: من الحياد المُعلن إبّان الثورة إلى تأييد نظام الأسد، ثم إلى الاصطفاف مع الحراك المدني لاحقاً، وصولاً إلى معارضة حكومة ما بعد الأسد برئاسة أحمد الشرع. فاليوم، لا يبدو الشيخ الهجري مجرد مرجعية دينية؛ اسمه يثير انقساماً واضحاً داخل الطائفة، وداخل البلاد.
النشأة
وُلد حكمت سلمان الهجري في التاسع من يونيو/حزيران 1965 بفنزويلا، حيث كان والده يعمل في ذلك الوقت، قبل أن يعود إلى سوريا لاستكمال تعليمه الأساسي من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية. نشأ في بيئة دينية محافظة، متشبثاً بمبادئ وتعاليم المذهب الدرزي، وتلقى تعليمه في مدارس الطائفة، حيث اكتسب معرفة معمقة في الفقه والمعتقدات الدرزية. هذه الخلفية منحته مكانة بارزة في مجتمعه، إذ حظي باحترام واسع، وأضحى من أبرز المؤثرين داخل الطائفة، مع دور فاعل في توجيهها.
في عام 1993، استقر الهجري في مسقط رأسه للعمل، قبل أن يعود إلى بلدته قنوات شمال شرقي محافظة السويداء عام 1998. وقد تابع تعليمه الجامعي في جامعة دمشق، حيث التحق بكلية الحقوق عام 1985 وتخرج منها عام 1990.
قيادته الدينية
في عام 2012، خلف حكمت الهجري شقيقه أحمد في منصب الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز، إثر وفاته في حادث سير، وهو المنصب الذي تتوارثه العائلة منذ القرن التاسع عشر، حيث تسلمه أحمد في عام 1989.
ويُذكر أنه نتيجة خلافات على زعامة الجماعة والهيمنة على المشهد الديني والسياسي في جبل العرب، انقسمت الهيئة الروحية للطائفة الدرزية في السويداء إلى هيئتين: الأولى تزعمها الهجري في بلدة القنوات، والثانية تزعمها الشيخ يوسف جربوع، والشيخ حمود الحناوي في منطقة ومقام "عين الزمان"، وهو بمثابة دار العبادة الأول للطائفة الدرزية في سوريا.
منذ توليه المشيخة، عُرف حكمت الهجري بمواقفه المؤيدة لنظام الأسد. فبحسب دراسة لمركز "جسور" للدراسات عام 2020، "قد عبّر الهجري عن مواقف تؤكد على اصطفافه مع النظام السوري". في عام 2012، زار الرئيس السوري بشار الأسد بلدة قنوات في محافظة السويداء لتقديم واجب العزاء بوفاة الشيخ أحمد سلمان الهجري، شيخ العقل الأول للطائفة الدرزية في سوريا.
وخلال الزيارة، ألقى خليفته في المشيخة، حكمت الهجري، كلمة أمام الأسد عبّر فيها عن ولائه الواضح للنظام، قائلاً: "تحوّل هذا الموقف (العزاء) إلى فرح، حضرتك الأمل، أنت بشار الأمل، بشار الوطن، بشار العروبة والعرب، الله يطولنا بعمرك ويأخذ بيدك".
بعد سنوات من دعم الأسد إلى الانقلاب عليه
ورغم الدعوات المتكررة لاتخاذ موقف من نظام الأسد، لم يتراجع حكمت الهجري إلا حين تعرض للإهانة عام 2021 من رئيس فرع المخابرات العسكرية لؤي العلي أثناء مكالمة هاتفية كان يستفسر فيها عن مصير أحد معتقلي السويداء، بصفته الأقرب من مشايخ الطائفة إلى النظام السوري.
فكانت تلك المكالمة كفيلة بإنهاء حال الوفاق التي دامت طويلاً مع نظام الأسد، بحسب صحيفة "الإندبندنت"، وأججت تظاهرات شعبية احتجاجية تنديداً بالطريقة التي تعامل بها ضابط الأمن البارز في السويداء مع الهجري. ومن بعدها، اعتمد الهجري خطاباً يحمل تصعيداً بحق تصرفات الاستخبارات والنظام.
بعد سقوط الأسد
وبعد إسقاط نظام بشار الأسد، اتخذ الهجري مواقف متباينة تجاه الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، من التوافق في الرؤى إلى المعارضة والرفض القطعي لها، متهماً إياها بـ"الإرهاب"، والتحريض عليها من الخارج.
إذ تذبذب الهجري في المواقف من الحكومة الحالية، فبعد أن أبدى نيته "التعاون" مع الحكومة الانتقالية في إدارة المفاصل الحساسة في السويداء حتى تشكيل جيش وطني، ولفت إلى تقارب وجهات النظر مع الإدارة السياسية الجديدة، لكنه بعد ذلك أبدى الهجري موقفاً متصلباً ضد الحكومة الجديدة ومحاولتها لعودة مؤسسات الدولة وانتشار الأمن الداخلي في السويداء، ليبرز اسمه أكثر مع المواجهات الحالية ما بين القوات الحكومية السورية والمجموعات المسلحة التابعة للمجلس العسكري في السويداء المدعوم من قبله.
التقارب مع الاحتلال
في هذا السياق، أفاد تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية بأن 60 رجل دين درزياً سورياً عبروا خط الهدنة في الجولان المحتل إلى إسرائيل، في 14 مارس/آذار 2025، في أول زيارة من نوعها منذ 50 عاماً، وقد أشير إلى أن هذه الخطوة جاءت في إطار تنسيق بين الشيخ حكمت الهجري ورئيس الطائفة الدرزية في إسرائيل، الشيخ موفق طريف، ما أثار جدلاً واسعاً حول دلالات التوقيت وحدود هذا التقارب الديني ـ السياسي.
وفي تصعيد غير مسبوق، قصف الاحتلال العاصمة دمشق، مستهدفاً مواقع حساسة، بينها مقر وزارة الدفاع والمجمع الرئاسي، تحت ذريعة حماية الأقلية الدرزية. قوبل هذا العدوان بإدانات دولية، لكنه يبدو أنه جاء متناغماً بشكل مريب مع خطاب الشيخ حكمت الهجري، أحد أبرز مشايخ الطائفة الدرزية، الذي خرج مؤخراً بمواقف علنية يهاجم فيها الحكومة السورية، ويوجه نداءات إلى رؤساء أجانب مثل دونالد ترامب، ورئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو – المطلوب دولياً للمحاكمة بتهم ارتكاب جرائم حرب – للتدخل في سوريا "باسم حماية الدروز".
رجل الدين الذي صعد من موقع المرجعية الروحية إلى موقع الفاعل السياسي، لعب أدواراً متغيرة في المشهد السوري. خلال عقد واحد، عبر الهجري مساراً غير خطي: من الحياد المُعلن إبّان الثورة إلى تأييد نظام الأسد، ثم إلى الاصطفاف مع الحراك المدني لاحقاً، وصولاً إلى معارضة حكومة ما بعد الأسد برئاسة أحمد الشرع. فاليوم، لا يبدو الشيخ الهجري مجرد مرجعية دينية؛ اسمه يثير انقساماً واضحاً داخل الطائفة، وداخل البلاد.
النشأة
وُلد حكمت سلمان الهجري في التاسع من يونيو/حزيران 1965 بفنزويلا، حيث كان والده يعمل في ذلك الوقت، قبل أن يعود إلى سوريا لاستكمال تعليمه الأساسي من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية. نشأ في بيئة دينية محافظة، متشبثاً بمبادئ وتعاليم المذهب الدرزي، وتلقى تعليمه في مدارس الطائفة، حيث اكتسب معرفة معمقة في الفقه والمعتقدات الدرزية. هذه الخلفية منحته مكانة بارزة في مجتمعه، إذ حظي باحترام واسع، وأضحى من أبرز المؤثرين داخل الطائفة، مع دور فاعل في توجيهها.
في عام 1993، استقر الهجري في مسقط رأسه للعمل، قبل أن يعود إلى بلدته قنوات شمال شرقي محافظة السويداء عام 1998. وقد تابع تعليمه الجامعي في جامعة دمشق، حيث التحق بكلية الحقوق عام 1985 وتخرج منها عام 1990.
قيادته الدينية
في عام 2012، خلف حكمت الهجري شقيقه أحمد في منصب الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز، إثر وفاته في حادث سير، وهو المنصب الذي تتوارثه العائلة منذ القرن التاسع عشر، حيث تسلمه أحمد في عام 1989.
ويُذكر أنه نتيجة خلافات على زعامة الجماعة والهيمنة على المشهد الديني والسياسي في جبل العرب، انقسمت الهيئة الروحية للطائفة الدرزية في السويداء إلى هيئتين: الأولى تزعمها الهجري في بلدة القنوات، والثانية تزعمها الشيخ يوسف جربوع، والشيخ حمود الحناوي في منطقة ومقام "عين الزمان"، وهو بمثابة دار العبادة الأول للطائفة الدرزية في سوريا.
منذ توليه المشيخة، عُرف حكمت الهجري بمواقفه المؤيدة لنظام الأسد. فبحسب دراسة لمركز "جسور" للدراسات عام 2020، "قد عبّر الهجري عن مواقف تؤكد على اصطفافه مع النظام السوري". في عام 2012، زار الرئيس السوري بشار الأسد بلدة قنوات في محافظة السويداء لتقديم واجب العزاء بوفاة الشيخ أحمد سلمان الهجري، شيخ العقل الأول للطائفة الدرزية في سوريا.
وخلال الزيارة، ألقى خليفته في المشيخة، حكمت الهجري، كلمة أمام الأسد عبّر فيها عن ولائه الواضح للنظام، قائلاً: "تحوّل هذا الموقف (العزاء) إلى فرح، حضرتك الأمل، أنت بشار الأمل، بشار الوطن، بشار العروبة والعرب، الله يطولنا بعمرك ويأخذ بيدك".
بعد سنوات من دعم الأسد إلى الانقلاب عليه
ورغم الدعوات المتكررة لاتخاذ موقف من نظام الأسد، لم يتراجع حكمت الهجري إلا حين تعرض للإهانة عام 2021 من رئيس فرع المخابرات العسكرية لؤي العلي أثناء مكالمة هاتفية كان يستفسر فيها عن مصير أحد معتقلي السويداء، بصفته الأقرب من مشايخ الطائفة إلى النظام السوري.
فكانت تلك المكالمة كفيلة بإنهاء حال الوفاق التي دامت طويلاً مع نظام الأسد، بحسب صحيفة "الإندبندنت"، وأججت تظاهرات شعبية احتجاجية تنديداً بالطريقة التي تعامل بها ضابط الأمن البارز في السويداء مع الهجري. ومن بعدها، اعتمد الهجري خطاباً يحمل تصعيداً بحق تصرفات الاستخبارات والنظام.
بعد سقوط الأسد
وبعد إسقاط نظام بشار الأسد، اتخذ الهجري مواقف متباينة تجاه الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، من التوافق في الرؤى إلى المعارضة والرفض القطعي لها، متهماً إياها بـ"الإرهاب"، والتحريض عليها من الخارج.
إذ تذبذب الهجري في المواقف من الحكومة الحالية، فبعد أن أبدى نيته "التعاون" مع الحكومة الانتقالية في إدارة المفاصل الحساسة في السويداء حتى تشكيل جيش وطني، ولفت إلى تقارب وجهات النظر مع الإدارة السياسية الجديدة، لكنه بعد ذلك أبدى الهجري موقفاً متصلباً ضد الحكومة الجديدة ومحاولتها لعودة مؤسسات الدولة وانتشار الأمن الداخلي في السويداء، ليبرز اسمه أكثر مع المواجهات الحالية ما بين القوات الحكومية السورية والمجموعات المسلحة التابعة للمجلس العسكري في السويداء المدعوم من قبله.
التقارب مع الاحتلال
في هذا السياق، أفاد تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية بأن 60 رجل دين درزياً سورياً عبروا خط الهدنة في الجولان المحتل إلى إسرائيل، في 14 مارس/آذار 2025، في أول زيارة من نوعها منذ 50 عاماً، وقد أشير إلى أن هذه الخطوة جاءت في إطار تنسيق بين الشيخ حكمت الهجري ورئيس الطائفة الدرزية في إسرائيل، الشيخ موفق طريف، ما أثار جدلاً واسعاً حول دلالات التوقيت وحدود هذا التقارب الديني ـ السياسي.


