(قراءة ساخرة في فنّ الالتهام المعاصر).
نيسان ـ نشر في 2025-07-29 الساعة 08:52
لوحة الفنان المهندس محمد الدغليس
نيسان ـ لوحة تمساحٍ بروتوكوليّ مع هيكل عربيّ للزينة!
كلمات :د. وليد العريض
في ركنٍ هادئ من هذا الكوكب المتعب
كان هناك أطفالٌ يُشبهون حلوى العيد
ونساءٌ يتقنون فنّ الدعاء أكثر من وزارات الأوقاف
ورجالٌ يذكّرونك بالجدران؛ صلبة، لكن بلا أبواب أو نوافذ.
ثم مرّت يد العالم
تبدو كأنها كانت تبحث عن ريموت كنترول،
فضغطت بالخطأ على زر المجزرة الشاملة.
الغابة؟ كانت قد وقّعت اتفاقية صمت شامل.
التمساح؟ أخذ دورة مكثّفة في اللغة العربية،
وصعد المنبر ليُعلن بيان النصر
بفصاحة أفضل من بعض وزراء الخارجية .
في الزاوية اليمنى من اللوحة، يقف الهيكل الأب
متحنّطًا على طريقة الفرعنة المتأخرة
يبدو كمن ينتظر تقريرًا طبيًّا يُؤكد وفاته رسميًا
لأسباب غير معروفة منها أنه لا يُستعمل كثيرًا هذه الأيام.
بجواره هيكل آخر يحمل جمجمته
كأنها ابنه الضائع؛ أو ربما رأس الحكاية.
أما الأرض؟ فقد قرّرت أن تحوّل أحشاءها إلى متحف مفتوح:
جثتان تتعانقان، واحدة بلا فك والثانية بلا أحد يبكيها،
في الغالب تم تصدير العواطف ضمن اتفاقيات التجارة الحرة.
وفي قلب اللوحة نجم العرض بلا منازع:
تمساح أنيق
يرتدي ربطة عنق خضراء (موديل مؤسسات السلام الدولية)،
ويقوم بالتهام طفل برويّة
مُلتزمًا ببروتوكول المضغ البطيء المُعتمد في المؤتمرات.
بجواره كائن بشري غير مؤكد الهوية
ربما دبلوماسي أو مراقب أممي
يمضغ علكة بلا نكهة ويكتب:
الوضع تحت السيطرة لم يتجاوز الحد الأدنى للقلق الدولي.
(ثم يرسم قلبًا صغيرًا بجانب الجملة).
أما في خلفية المشهد فهناك ما يُشبه العرب.
ليسوا بشرًا… بل ظلالاً متحرّكة.
أشباح أمةٍ كانت في العصور الذهبية
تدرّب التماسيح على الخوف
والآن تتعلّم منهم كيف تلوك الهزيمة على مهل.
هذه ليست لوحة، يا سادة
بل إعلان نعي جماعيّ
حضارةٌ تموت كل ليلة على شاشات الـ"4K"،
ثم تنهض صباحًا لتناقش أسعار الباذنجان،
وتشتم المخرج لأنه لم يجعل الدم . Full HD
أما توقيع الهزيمة؟ فلا داعي له.
تمّت المصادقة عليه
من قِبل جامعة الهياكل العربية بالإجماع،
مع تحفّظٍ طفيف من مندوب جثة لا تزال تتحسّس نبضها.
وختاما: حين تُعلّق الهزيمة على الجدران وتُصفّق لها الصالات
هذه اللوحة – والنص المعلّق عليها – لا يعبّران عن مشهد، بل عن نظام حياةٍ عربي جديد:
حيث تتحوّل الجثث إلى زينة رمزية في اللوحات
والتماسيح إلى شخصيات ديبلوماسية تُدعى لتقديم الحلو
ويُصبح الهيكل العربي مجرد ديكور تشكيليّ صالحٍ للعرض وغير صالحٍ للاستعمال.
ليست السخرية هنا نوعًا من التسلية، بل أداة تشريح،
تُمسك بالمبضع في زمنٍ كلّ شيء فيه بلا جلد
وتسأل ببساطة:
مَن الذي علّق هذه المجازر على الجدران؟
ومن الذي يبيعها بتواقيع ذهبية في معارض الفن الملتزم؟
بل من الذي يُنظّم الافتتاح ويقدّم النبيذ؟
هذه اللوحة ليست عملًا تجريديًا.
هي بيان اتهام رسميّ ضد أمة قرّرت أن تكون خلفيةً في لوحات الغير،
وشهادة وفاةٍ مؤرّخة بدقّة
لكن لا أحد يجرؤ أن يُعلنها على الهواء.
الخطير في الأمر أن الهزيمة – ككل شيء عربيّ جميل – أصبحت قابلة للتأطير.
يمكنك تعليقها على الحائط
الجلوس أمامها
ودعوة الضيوف لرؤيتها
ثم تقديم القهوة
وفتح نقاش حول "كيف تكون الألوان زاهية رغم كثافة الدم".
د.وليد العريض. مؤرخ واديب وشاعر وكاتب صحفي
29تموز2025
كلمات :د. وليد العريض
في ركنٍ هادئ من هذا الكوكب المتعب
كان هناك أطفالٌ يُشبهون حلوى العيد
ونساءٌ يتقنون فنّ الدعاء أكثر من وزارات الأوقاف
ورجالٌ يذكّرونك بالجدران؛ صلبة، لكن بلا أبواب أو نوافذ.
ثم مرّت يد العالم
تبدو كأنها كانت تبحث عن ريموت كنترول،
فضغطت بالخطأ على زر المجزرة الشاملة.
الغابة؟ كانت قد وقّعت اتفاقية صمت شامل.
التمساح؟ أخذ دورة مكثّفة في اللغة العربية،
وصعد المنبر ليُعلن بيان النصر
بفصاحة أفضل من بعض وزراء الخارجية .
في الزاوية اليمنى من اللوحة، يقف الهيكل الأب
متحنّطًا على طريقة الفرعنة المتأخرة
يبدو كمن ينتظر تقريرًا طبيًّا يُؤكد وفاته رسميًا
لأسباب غير معروفة منها أنه لا يُستعمل كثيرًا هذه الأيام.
بجواره هيكل آخر يحمل جمجمته
كأنها ابنه الضائع؛ أو ربما رأس الحكاية.
أما الأرض؟ فقد قرّرت أن تحوّل أحشاءها إلى متحف مفتوح:
جثتان تتعانقان، واحدة بلا فك والثانية بلا أحد يبكيها،
في الغالب تم تصدير العواطف ضمن اتفاقيات التجارة الحرة.
وفي قلب اللوحة نجم العرض بلا منازع:
تمساح أنيق
يرتدي ربطة عنق خضراء (موديل مؤسسات السلام الدولية)،
ويقوم بالتهام طفل برويّة
مُلتزمًا ببروتوكول المضغ البطيء المُعتمد في المؤتمرات.
بجواره كائن بشري غير مؤكد الهوية
ربما دبلوماسي أو مراقب أممي
يمضغ علكة بلا نكهة ويكتب:
الوضع تحت السيطرة لم يتجاوز الحد الأدنى للقلق الدولي.
(ثم يرسم قلبًا صغيرًا بجانب الجملة).
أما في خلفية المشهد فهناك ما يُشبه العرب.
ليسوا بشرًا… بل ظلالاً متحرّكة.
أشباح أمةٍ كانت في العصور الذهبية
تدرّب التماسيح على الخوف
والآن تتعلّم منهم كيف تلوك الهزيمة على مهل.
هذه ليست لوحة، يا سادة
بل إعلان نعي جماعيّ
حضارةٌ تموت كل ليلة على شاشات الـ"4K"،
ثم تنهض صباحًا لتناقش أسعار الباذنجان،
وتشتم المخرج لأنه لم يجعل الدم . Full HD
أما توقيع الهزيمة؟ فلا داعي له.
تمّت المصادقة عليه
من قِبل جامعة الهياكل العربية بالإجماع،
مع تحفّظٍ طفيف من مندوب جثة لا تزال تتحسّس نبضها.
وختاما: حين تُعلّق الهزيمة على الجدران وتُصفّق لها الصالات
هذه اللوحة – والنص المعلّق عليها – لا يعبّران عن مشهد، بل عن نظام حياةٍ عربي جديد:
حيث تتحوّل الجثث إلى زينة رمزية في اللوحات
والتماسيح إلى شخصيات ديبلوماسية تُدعى لتقديم الحلو
ويُصبح الهيكل العربي مجرد ديكور تشكيليّ صالحٍ للعرض وغير صالحٍ للاستعمال.
ليست السخرية هنا نوعًا من التسلية، بل أداة تشريح،
تُمسك بالمبضع في زمنٍ كلّ شيء فيه بلا جلد
وتسأل ببساطة:
مَن الذي علّق هذه المجازر على الجدران؟
ومن الذي يبيعها بتواقيع ذهبية في معارض الفن الملتزم؟
بل من الذي يُنظّم الافتتاح ويقدّم النبيذ؟
هذه اللوحة ليست عملًا تجريديًا.
هي بيان اتهام رسميّ ضد أمة قرّرت أن تكون خلفيةً في لوحات الغير،
وشهادة وفاةٍ مؤرّخة بدقّة
لكن لا أحد يجرؤ أن يُعلنها على الهواء.
الخطير في الأمر أن الهزيمة – ككل شيء عربيّ جميل – أصبحت قابلة للتأطير.
يمكنك تعليقها على الحائط
الجلوس أمامها
ودعوة الضيوف لرؤيتها
ثم تقديم القهوة
وفتح نقاش حول "كيف تكون الألوان زاهية رغم كثافة الدم".
د.وليد العريض. مؤرخ واديب وشاعر وكاتب صحفي
29تموز2025
نيسان ـ نشر في 2025-07-29 الساعة 08:52
رأي: د. وليد العريض


