اتصل بنا
 

العلماء يدقون ناقوس الخطر.. أقوى الأنهار الجليدية في العالم ينهار

نيسان ـ نشر في 2025-08-10 الساعة 12:30

العلماء يدقون ناقوس الخطر.. أقوى الأنهار
نيسان ـ يشهد نهر بيريتو مورينو الجليدي العملاق "يبلغ طوله 30 كيلومتراً" في باتاغونيا الأرجنتينية ، تراجعاً مُقلقاً أثار دهشة الباحثين، والذي اعتُبر أحد أكثر الأنهار الجليدية استقراراً في نصف الكرة الجنوبي، إلا أنه دخل الآن في مرحلة من التراجع السريع قد تُعيد تشكيل المشهد الطبيعي والنظم البيئية في المنطقة.
ووفقًا لدراسة حديثة نُشرت في مجلة نيتشر، فقد زاد معدل ترقق النهر الجليدي بأكثر من ستة عشر ضعفاً منذ عام 2019، مع تراجع أجزاء منه بأكثر من 800 متر. ويُحذر العلماء من أن النهر الجليدي قد ينفصل قريباً عن سلسلة التلال تحت الماء التي رسّخته لعقود، مما قد يُؤدي إلى انهيار بطول عدة كيلومترات وفق ديلي جالاكسي.
تحول مفاجئ
حيّر نهر بيريتو مورينو الجليدي لما يقرب من عقدين من الزمن، العلماء بحفاظه على جبهة مستقرة نسبياً، حتى مع تراجع أنهار جليدية أخرى في حقل باتاغونيا الجنوبي الجليدي تحت ضغط الاحتباس الحراري، فبين عامي 2000 و2019، تغير موقعه بأقل من 100 متر، ويُعزى هذا الاستقرار بشكل كبير إلى سلسلة من التلال أسفل نهايته في بحيرة أرجنتينو، وقد شكّل هذا الارتفاع تحت الماء حاجزاً طبيعياً، مما أدى إلى تثبيت النهر الجليدي ومنع فقدان كميات كبيرة من الجليد.
ومع ذلك، منذ عام 2019، يشهد النهر الجليدي تراجعاً متسارعاً، حيث كشفت قياسات الأقمار الصناعية والمسوحات الرادارية الجوية أن الجليد عند طرفه يتناقص بمعدل 5.5 أمتار سنوياً. هذا التغيير ليس مجرد مسألة سرعة؛ بل يمثل تحولاً جذرياً في سلوك النهر الجليدي. وقد تعطل التوازن المستقر بين التراكم والذوبان، ويسابق الباحثون الزمن الآن لتحديد الأسباب الكامنة وراء ذلك. وبينما يُحتمل أن يكون ارتفاع درجات الحرارة وتغيرات أنماط هطول الأمطار من الأسباب الرئيسية، فإن فجائية التراجع تشير إلى أن الديناميكيات المحلية، وربما تحت الماء، قد تُضخّم هذا التأثير.
كشف التلال المخفية تحت الجليد
في مارس 2022، أجرى فريق بقيادة موريتز كوخ مسحين راداريين باستخدام مروحيات لرسم خريطة لسُمك النهر الجليدي وقاع البحيرة أسفله. وأكدت النتائج وجود سلسلة جبال مغمورة ضخمة عند مقدمة النهر الجليدي، وهي السمة ذاتها التي رسخت بيريتو مورينو لعقود. وشكّلت هذه السلسلة شريان حياة جيولوجياً، إذ أبطأت من تقدم مياه البحيرة الدافئة، وقللت من انكسار الجبال الجليدية.
كشفت الدراسة، مع ذلك، أن النهر الجليدي يوشك الآن على الانفصال عن هذا التلال بشكل خطير. إذا تراجعت الجبهة الجليدية بضع مئات من الأمتار فقط، فسوف تنتقل إلى مياه أعمق في اتجاه المنبع، هذا من شأنه أن يعرضها لتآكل أكثر شدة بفعل مياه البحيرة، مما يزيد من معدلات الانهيارات الجليدية بشكل كبير. في مثل هذا السيناريو، قد يتسارع التراجع بشكل لا يمكن السيطرة عليه، مما قد يُعيد النهر الجليدي إلى الوراء عدة كيلومترات في غضون سنوات. سيمثل فقدان هذا الحاجز الطبيعي نقطة تحول، مما يجعل العودة إلى الاستقرار شبه مستحيلة.
التفاعل المتسلسل
لن يكون الانفصال المحتمل عن سلسلة التلال مجرد حدث محلي، بل قد يُحدث سلسلة من العواقب البيئية. فالانحسار السريع لبركان بيريتو مورينو سيضخ كميات هائلة من المياه العذبة والجليد في بحيرة أرجنتينو ، مما يُغير ديناميكياتها الفيزيائية والبيئية. كما أن زيادة إنتاج الجبال الجليدية قد تُعطل الملاحة البحرية، وهي نشاط رئيسي للسياحة، وقد تُغير دورات المغذيات في البحيرة، مما يؤثر على الحياة المائية.
علاوة على ذلك، سيُشكّل هذا التراجع ضربةً رمزيةً لصورة نهر بيريتو مورينو الجليدي المرن. فبصفته أحد أكثر المعالم الطبيعية زيارةً في باتاغونيا، حيث يجذب مئات الآلاف من الزوار سنويًا، لطالما استُخدم استقراره الظاهري لتهدئة المخاوف العامة بشأن تراجع الأنهار الجليدية في المنطقة. وإذا ما انحسر النهر الجليدي بالتوازي مع التراجع المتسارع الذي تشهده حقول الجليد المجاورة، فسيكون بمثابة تذكير بصري صارخ بالتغيرات المناخية الأوسع التي تُعيد تشكيل الغلاف الجليدي للأرض.
جدول زمني غير مؤكد للانهيار
من أبرز جوانب الوضع الراهن عدم اليقين المحيط بجدوله الزمني. فبينما تشير معدلات التضاؤل وبيانات التراجع إلى انفصال حتمي في حال استمرار هذه الاتجاهات، لا يستطيع الباحثون حتى الآن الجزم بما إذا كان هذا سيحدث خلال سنوات أم عقود. ويكمن التعقيد في التفاعل بين متغيرات المناخ، وديناميكيات الجليد، وتضاريس المياه تحت الماء.
يُشكّل هذا الغموض تحدياً للسلطات المحلية ونشطاء الحفاظ على البيئة، يُعدّ النهر الجليدي جزءاً من منتزه لوس غلاسياريس الوطني، وهو موقع تراث عالمي لليونسكو منذ عام1981، وأي تحوّل كبير سيكون له آثار على إدارة المنتزه والبنية التحتية السياحية وعلم المياه الإقليمي. ونظراً لخطورة الوضع، يدعو العلماء إلى زيادة وتيرة الرصد، وتوسيع نطاق رسم خرائط الرادار، واستخدام نمذجة مُفصّلة لتضييق نطاق التوقعات.

نيسان ـ نشر في 2025-08-10 الساعة 12:30

الكلمات الأكثر بحثاً