تعقيب على مقالة وليد عبد الحي ' الثورة الإيرانية دروس تاريخية'
نيسان ـ نشر في 2025-08-24 الساعة 16:21
نيسان ـ تأتي مداخلتنا تحت عنوان
من "طهران إلى العواصم العربية: الغطرسة التي تُسقط الملوك
قراءة في كتاب سكوت أندرسون "ملك الملوك" وإسقاطاته على حاضرنا العربي"
........
اولا: دروس من سقوط الشاه
في كتابه King of Kings: The Iranian Revolution: A Story of Hubris, Delusion and Catastrophic Miscalculation، يعرض الصحافي الأمريكي سكوت أندرسون قصة الثورة الإيرانية كسردية مأساوية، حيث اجتمعت ثلاثة عناصر قاتلة:
1. غطرسة الحاكم: ظن الشاه نفسه خالدًا، يملك الشرعية والتفوق وقال بملء فيه: لقد اجتزت امتحان الشعوب، فإذا بالامتحان يكشف عجزه.
2. الوهم الاستخباري: تقارير المخابرات الأمريكية وصفت إيران بأنها مستقرة تمامًا، وأن القبضة الأمنية كافية، فكان ذلك عكس الحقيقة.
3. العمى عن الدين: تجاهلت واشنطن والدبلوماسيون الغربيون أن الدين في إيران قوة اجتماعية هائلة وليس مجرد طقس شخصي.
4. المنفى كسلاح: طرد الخميني من العراق إلى فرنسا فتح له باب الإعلام العالمي، فصار صوته يصل كل بيت في إيران.
5. الفساد كسرطان: ثروات العائلة البهلوية وتضخم الفجوة بين القصور والشعب، عجّلت بانفجار الثورة.
يقدم أندرسون الثورة الإيرانية ليس كحتمية، بل كـزلزال ظرفي يحدث حين تتضافر الغطرسة مع الظلم.
القسم الثاني: حين تتكرر المأساة في عالمنا العربي
* مصر: أوهام الأبدية
الرؤساء الذين رفعوا شعار إلى الأبد وجدوا أنفسهم في مواجهة شارع يهتف إرحل. المخابرات والأجهزة الأمنية في مصر كثيرًا ما طمأنت رأس الدولة بأن الأمور تحت السيطرة، فإذا بالشباب في 2011 يفتحون بابًا لم يكن في الحسبان. التجربة المصرية تؤكد درس أندرسون: الأمن وحده لا يحمي، بل قد يصبح وقودًا للغضب.
** تونس: يذكّرنا البوعزيزي بالشرارة الصغيرة
كما أشعلت مقالة واحدة ضد الخميني ثورة الأربعينيات في إيران، أشعلت عربة بائع متجول ثورة تونس. كلاهما يكشف أن الشرارة قد تأتي من تفصيلة يستهين بها الحاكم، لكنها تحرق عرشه.
***السودان: الدولة التي التهمت نفسها
الشاه مرض جسديًا وسقط سياسيًا. في السودان، اجتمعت الغطرسة والفساد والتجاهل، فتحول البلد إلى حرب أهلية. إنها النسخة الأكثر مأساوية من درس أندرسون: حين يُستنزف النظام في الداخل، يصبح سقوط الدولة كلها احتمالًا قائمًا.
*** الجزائر: العشرية السوداء حين تجاهلوا الدين
كما تجاهل الشاه والغرب الدين في إيران، تجاهلت السلطة الجزائرية قوة الإسلاميين في التسعينيات. النتيجة: حرب أهلية دامية أودت بمئات الآلاف. أندرسون يقول إن الدين مفتاح الشرق الأوسط والجزائر كانت دليلًا صارخًا.
**** العراق: الغطرسة التي دمرها الغزو
الشاه كان يعتقد أن الجيش الحديدي يحميه والعراق قبل 2003 اعتقد أن القوة العسكرية كافية لردع أي تهديد. النتيجة في الحالتين: سقوط سريع وتحول الدولة إلى ساحة صراع خارجي وداخلي.
****** ليبيا: جماهيرية الوهم
كما ظن الشاه أن شعبه مطيع، اعتقد القذافي أن الجماهيرية حصن أبدي. لكن 2011 كانت انهيارًا مفاجئًا للنظام، تمامًا كما وصف أندرسون لحظة سقوط الشاه: زلزال غير متوقع.
*******سوريا: القمع الذي يغذي الثورة
يؤكد أندرسون أن كل جولة قمع في إيران خلقت أربعينية جديدة أي وقودًا للاحتجاج. في سوريا، المشهد كان مماثلًا: كل رصاصة ولّدت عشرات الغاضبين وكل مجزرة أطلقت ألف نداء. القمع قد يؤخر التغيير لكنه لا يمنعه، بل يضاعفه.
وختاما هناك شبه تأكيد ان الغطرسة قدرٌ متكرر
حين نقرأ ملك الملوك، لا نقرأ إيران وحدها، بل كل عاصمة عربية تجاهلت شعوبها، استسهلت القمع صدّقت تقارير أجهزتها وظنت أن الأبدية ممكنة.
الثورة ليست وصفة جاهزة لكنها احتمال دائم يترصد كل حاكم إذا اجتمع عنده:
الغرور
الفساد
والأوهام الأمنية.
الدرس واضح: لا أحد بمنأى عن الزلزال.
وما لم تتعلم أنظمتنا من سقوط الشاه فإن السؤال ليس هل تسقط؟، بل متى وكيف؟.
من "طهران إلى العواصم العربية: الغطرسة التي تُسقط الملوك
قراءة في كتاب سكوت أندرسون "ملك الملوك" وإسقاطاته على حاضرنا العربي"
........
اولا: دروس من سقوط الشاه
في كتابه King of Kings: The Iranian Revolution: A Story of Hubris, Delusion and Catastrophic Miscalculation، يعرض الصحافي الأمريكي سكوت أندرسون قصة الثورة الإيرانية كسردية مأساوية، حيث اجتمعت ثلاثة عناصر قاتلة:
1. غطرسة الحاكم: ظن الشاه نفسه خالدًا، يملك الشرعية والتفوق وقال بملء فيه: لقد اجتزت امتحان الشعوب، فإذا بالامتحان يكشف عجزه.
2. الوهم الاستخباري: تقارير المخابرات الأمريكية وصفت إيران بأنها مستقرة تمامًا، وأن القبضة الأمنية كافية، فكان ذلك عكس الحقيقة.
3. العمى عن الدين: تجاهلت واشنطن والدبلوماسيون الغربيون أن الدين في إيران قوة اجتماعية هائلة وليس مجرد طقس شخصي.
4. المنفى كسلاح: طرد الخميني من العراق إلى فرنسا فتح له باب الإعلام العالمي، فصار صوته يصل كل بيت في إيران.
5. الفساد كسرطان: ثروات العائلة البهلوية وتضخم الفجوة بين القصور والشعب، عجّلت بانفجار الثورة.
يقدم أندرسون الثورة الإيرانية ليس كحتمية، بل كـزلزال ظرفي يحدث حين تتضافر الغطرسة مع الظلم.
القسم الثاني: حين تتكرر المأساة في عالمنا العربي
* مصر: أوهام الأبدية
الرؤساء الذين رفعوا شعار إلى الأبد وجدوا أنفسهم في مواجهة شارع يهتف إرحل. المخابرات والأجهزة الأمنية في مصر كثيرًا ما طمأنت رأس الدولة بأن الأمور تحت السيطرة، فإذا بالشباب في 2011 يفتحون بابًا لم يكن في الحسبان. التجربة المصرية تؤكد درس أندرسون: الأمن وحده لا يحمي، بل قد يصبح وقودًا للغضب.
** تونس: يذكّرنا البوعزيزي بالشرارة الصغيرة
كما أشعلت مقالة واحدة ضد الخميني ثورة الأربعينيات في إيران، أشعلت عربة بائع متجول ثورة تونس. كلاهما يكشف أن الشرارة قد تأتي من تفصيلة يستهين بها الحاكم، لكنها تحرق عرشه.
***السودان: الدولة التي التهمت نفسها
الشاه مرض جسديًا وسقط سياسيًا. في السودان، اجتمعت الغطرسة والفساد والتجاهل، فتحول البلد إلى حرب أهلية. إنها النسخة الأكثر مأساوية من درس أندرسون: حين يُستنزف النظام في الداخل، يصبح سقوط الدولة كلها احتمالًا قائمًا.
*** الجزائر: العشرية السوداء حين تجاهلوا الدين
كما تجاهل الشاه والغرب الدين في إيران، تجاهلت السلطة الجزائرية قوة الإسلاميين في التسعينيات. النتيجة: حرب أهلية دامية أودت بمئات الآلاف. أندرسون يقول إن الدين مفتاح الشرق الأوسط والجزائر كانت دليلًا صارخًا.
**** العراق: الغطرسة التي دمرها الغزو
الشاه كان يعتقد أن الجيش الحديدي يحميه والعراق قبل 2003 اعتقد أن القوة العسكرية كافية لردع أي تهديد. النتيجة في الحالتين: سقوط سريع وتحول الدولة إلى ساحة صراع خارجي وداخلي.
****** ليبيا: جماهيرية الوهم
كما ظن الشاه أن شعبه مطيع، اعتقد القذافي أن الجماهيرية حصن أبدي. لكن 2011 كانت انهيارًا مفاجئًا للنظام، تمامًا كما وصف أندرسون لحظة سقوط الشاه: زلزال غير متوقع.
*******سوريا: القمع الذي يغذي الثورة
يؤكد أندرسون أن كل جولة قمع في إيران خلقت أربعينية جديدة أي وقودًا للاحتجاج. في سوريا، المشهد كان مماثلًا: كل رصاصة ولّدت عشرات الغاضبين وكل مجزرة أطلقت ألف نداء. القمع قد يؤخر التغيير لكنه لا يمنعه، بل يضاعفه.
وختاما هناك شبه تأكيد ان الغطرسة قدرٌ متكرر
حين نقرأ ملك الملوك، لا نقرأ إيران وحدها، بل كل عاصمة عربية تجاهلت شعوبها، استسهلت القمع صدّقت تقارير أجهزتها وظنت أن الأبدية ممكنة.
الثورة ليست وصفة جاهزة لكنها احتمال دائم يترصد كل حاكم إذا اجتمع عنده:
الغرور
الفساد
والأوهام الأمنية.
الدرس واضح: لا أحد بمنأى عن الزلزال.
وما لم تتعلم أنظمتنا من سقوط الشاه فإن السؤال ليس هل تسقط؟، بل متى وكيف؟.
نيسان ـ نشر في 2025-08-24 الساعة 16:21
رأي: د. وليد العريض


