اتصل بنا
 

واقع الأحزاب السياسية الأردنية.. بين التحديات الداخلية والضغوط الإقليمية

نيسان ـ نشر في 2025-08-24 الساعة 20:27

واقع الأحزاب السياسية الأردنية.. بين التحديات
نيسان ـ خاص
في ظل التحولات السياسية التي شهدها الأردن بعد الانتخابات البرلمانية لعام 2024، يبرز واقع الأحزاب السياسية كمرآة تعكس تعقيدات الداخل الأردني، مع قانون انتخابي جديد خصص 41 مقعدًا للقوائم الحزبية.
وأدت الانتخابات إلى عودة الأحزاب إلى البرلمان بقوة أكبر، لكن مع إقبال انتخابي منخفض بلغ 32% فقط، وصعود الأحزاب الموالية للنظام (المولاة)، بينما واجهت أخرى تحديات أمنية وداخلية.
وفقًا لتقارير حديثة، يصل عدد الأحزاب الرسمية إلى 38 حزبًا، لكن الكثير منها يعاني من غياب الديمقراطية الداخلية، والاستقالات المتزايدة، والتركيز على مصالح فئوية وشخصية بدلاً من قضايا وطنية كبرى.
هذا الواقع يأتي في سياق أزمات اقتصادية مثل ارتفاع الديون وزيادة الفقر وارتفاع معدلات التضخم والبطالة، إضافة إلى ضغوط إقليمية متفاقمة، مثل تصريحات شخصيات إسرائيلية عادت لتطرح فكرة اسرائيل الكبرى، والتي باتت تؤثر على استقرار البلاد وتجعلها أمام التفكير بإعادة ترتيب أولوياتها.

الأحزاب اليسارية.. تنوع في التصنيف والتحديات
تشكل الأحزاب اليسارية جزءً مهما من المشهد السياسي الأردني، لكنها تواجه ضغوطًا داخلية وخارجية نابعة من طبيعة المجتمع المحافظ والقيود الأمنية المستمرة منذ عقود، أحزاب مثل الحزب الديمقراطي الاجتماعي، الحزب الديمقراطي المدني، وحزب العمال تُصنف ضمن "يسار الوسط"، حيث تركز على قضايا اجتماعية مثل الفقر وعدم المساواة، معتمدة نهجًا توفيقيًا يتكيف مع النظام الاقتصادي القائم.
على سبيل المثال، أصدر الحزب الديمقراطي الاجتماعي مؤخرًا ورقة رأي حول مؤشرات النزاهة الأكاديمية، بينما أكد الحزب المدني الديمقراطي على أهمية العدالة الاجتماعية في بيان بمناسبة اليوم العالمي لها، أما أحزاب مثل "حشد"، "الوحدة الشعبية"، و"حصاد"، فتختلف في تصنيفها بسبب جذورها السياسية الفلسطينية المتحدرة من حركات مثل الجبهة الشعبية والديمقراطية وفتح، وهو ما يمنحها طابعًا سياسيًا متميزًا يركز على القضية الفلسطينية.
في المقابل، يظلُ الحزب الشيوعي الأردني ممثلًا للتيار اليساري الجذري، حيث دافع تاريخيًا عن القضايا الوطنية الأردنية، ودفع أعضاؤه أثمانًا باهظة نتيجة مواقفهم الثابتة، ومع ذلك، ظل يعاني، مع اليسار بشكل عام، من ضعف الحضور الشعبي، وهو الذي ما زال يحد من قدرة هذا التيار على إحداث اختراق يؤدي إلى تحويل رؤيته الاجتماعية إلى تغيير على أرض الواقع.
الأحزاب البرامجية واليمينية.. بين النجاح الانتخابي والانتقادات
برزت في الانتخابات الأخيرة أحزاب برامجية مثل "الميثاق"، "إرادة"، "تقدم"، و"عزم"، التي حققت نجاحًا ملحوظًا بحصولها على مقاعد برلمانية، هذه الأحزاب، التي غالبًا ما تُوصف بأنها موالية للنظام، تتبنى نهجًا يركز على المصالح الفردية والمحلية، مما يجعل فعلها في البرلمان امتدادًا لـ"نواب الخدمات" الذين يسعون لتلبية احتياجات قواعدهم الشخصية أو العائلية، بدلاً من التصدي للقضايا الوطنية الكبرى مثل الإصلاح الاقتصادي أو التحديات الإقليمية.
كما انضم مؤخرًا حزب "المحافظين" إلى ساحة الموالاة، بقيادة الدكتور طلال الشرفات، الذي يعمل جاهدًا على بناء تيار يميني أردني متماسك، ومع ذلك، تبدو هذه المهمة صعبة، إذ إن تشكيل الأحزاب في المنطقة العربية لا يعتمد غالبًا على وحدة مصالح طبقة أو فئة اجتماعية معينة، بل غالبًا ما يرتبط بالانتماءات الجهوية، وليس بالبرامج السياسية الشاملة.
جبهة العمل الإسلامي.. الشعبية الطاغية والثمن الباهظ
يُعد حزب جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن) أكبر الأحزاب من حيث التأثير والأعضاء، وقد حقق فوزًا كاسحًا في انتخابات 2024 بحصوله على 31 مقعدًا من أصل 138، وهي أعلى نسبة له منذ عقود.
هذا النجاح ارتبط بشعبية متزايدة اكتسبها الحزب بعد أحداث 7 أكتوبر 2023، حيث قاد احتجاجات واسعة دعمًا للفلسطينيين وحركة حماس في مواجهة الحرب الإسرائيلية على غزة.
ومع ذلك، يدفع الحزب الآن ثمن هذه الشعبية الزائدة، فقد واجه في 2025 قضايا أمنية مثل اعتقال مجموعة من المتهمين في "خلية تصنيع صواريخ"، وهو ما تسبب لاحقًا بحل الجماعة.
يُقارن هذا الوضع، نوعًا ما، بتجارب إسلامية أخرى، مثل فوز حماس الكاسح في الانتخابات الفلسطينية عام 2006، أو صعود الإخوان في مصر بعد 2011، حيث أدت الشعبية غير المدروسة إلى ردود فعل قوية وعواقب وخيمة.
مشكلة الإسلاميين، كما يُرى من قبل الكثير من المتابعين، تكمن في عدم حساب التوازن بين الظروف الذاتية (مثل الشعبية والجاهزية) والموضوعية (الضغوط السياسية الخارجية والأمنية الداخلية)، مما يعرضهم لمخاطر متزايدة، رغم ذلك، يستمر الحزب في أداء دوره الوطني، كما أكد أمينه العام المهندس وائل السقا، وكل هذا يندرج في حدود المحاولات المتعقلنة المستمرة لعقد صفقة لم تنضج ظروفها بعد.
الصراعات الطبقية والخصوصيات الاجتماعية
في سياق هذه التحديات، يبرز الصراع الطبقي كعنصر جوهري في فهم واقع الأحزاب الأردنية، غير أن الصراعات القومية أو الطائفية غالبًا ما تؤجل أو تعيق تطور الصراع الطبقي الحقيقي، حيث تُستخدم الانتماءات العشائرية أو القومية لتفتيت الوحدة الاجتماعية وصرف الانتباه عن الفجوات الاقتصادية المتزايدة، كما أن خصوصية كل مجتمع وبنيته الداخلية، مثل تلك الموجودة في دول نمط الإنتاج الآسيوي التاريخي (حيث تسيطر الدولة المركزية على الاقتصاد والمجتمع)، تضيف مستوى آخر من التعقيد، مما يجعل بناء أحزاب طبقية نقية أمرًا صعبًا، خصوصًا في سياق أردني يقع في عين العاصفة، وعلى خطوط التماس المشتعلة في كل الاتجاهت المحيطة، ويعتمد على التوازنات الجهوية والإقليمية.
نحو مرحلة التحرر الوطني
في النهاية، يُظهر واقع الأحزاب الأردنية طابع المرحلة الإنتقالية التي تتسم بالتحرر الوطني، حيث يعيش الأردن في سياقه العربي ضمن ما يمكن وصفه بنمط إنتاج كولونيالي تابع، يعتمد على التبعية الاقتصادية للقوى الاستعمارية القديمة الجديدة، وهذا النمط يعيق تطور علاقات إنتاج مستقلة، مما يجعل الأولوية لتحقيق الاستقلال الوطني الحقيقي أولوية الأولويات، وتتقدم على الغوص في الصراعات الطبقية التي تنشئ التطور الاجتماعي الطبيعي.
الحل يكمن في بناء أحزاب قادرة على تجاوز المصالح الفردية والمحلية، مع تعزيز التنظيم الشعبي لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية، ودعم سياسات تخدم الغالبية وتحافظ على استقلالية القرار الوطني، مع تحسن تصنيف الأردن في تقارير الحريات الدولية إلى "جزئيًا حر" بعد تالانتخابات، والتي عقبتها أيضا انتكاسة لمستوى الحريات العامة.
المهم الآن، هل ستتمكن الأحزاب من استغلال هذه الفرصة لتحقيق إصلاح حقيقي، أم ستظل رهينة الضغوط والسقوف التقليدية؟

نيسان ـ نشر في 2025-08-24 الساعة 20:27

الكلمات الأكثر بحثاً